أداعيك ما مستصحبات على السرى ... حسان وما آثارها بحسان
قال هي السيوف وآثارها القطع. وأنشد الأصمعي في آخر كتاب الأبيات:
وما مائل عند القتال برأسه ... وما راكب في الحرب قد مات طائره
يعني المح وقذذ السهم.
وقوله يرى ساكتًا والسيف عن فيه يقول ضربه بسيفه ينطق بسالة صدره، كما روي ابن دريد في الجمهرة أنهم قالوا في صفة علي رضوان الله عليه: كان علي إذا سطا قد وإذا استعرض قط فكانوا إذا رأوا هاتين الضربتين حكموا أنها لذي الفقار.
وقال أبو الفتح في هذا البيت إذا قيل من اجتمعت فيه هذه الأوصاف المضادة، والجواب هو فلان.
وقال المتنبي:
كيف ترثي التي ترى كل جفن ... رءاها غير جفنها غير راق
قال أبو الفتح: أي إذا رأت كل جفن أبصرتها غير راق من الدمع ظنت ذلك خلقة في الناس قلم ترث منه لأحد. وقوله غير جفنها أي جفنها وحده راق لأنها لا تعشق نفسها فتدمع عينها.
قال أبو القاسم: أما قول أبي الفتح لا تعشق نفسها فتدمع عينها ليس بشي وإنما المعنى أنها لم تذق طعم العشق فهي غافلة عنه فلا تبكي كما قالت الشعراء وأحدهم عمر بن أبي ربيعة:
وكنت إذا ما حدث الناس بالهوى ... ضحكت وهم يبكون من حرقات
فصرت إذا ما قيل هذا متيم ... تلقيته بالنوح والعبرات
أي عشقت صرت مثلهم.
وقال المتنبي:
يا ابن من كلما بدوت بدا لي ... غائب الشخص حاضر الأخلاق
قال أبو الفتح: أي لشدة شبهك بأبيك إذا رئيت فكأنه رئي.
قال أبو القاسم: البارع في هذا المعنى قول سعيد بن عمرو بن العاص حين قال له معاوية بما أوصى أبوك فقال: أوصاني ألا يفقد إخوانه إلا وجهه. فلما سمعه معاوية قال: إن ابن عمرو هذا لأشدق بهذه الكلمة.
وقال المتنبي:
والأسى قبل فرقة الروح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق
قال أبو الفتح: النصف الأول من البيت احتجاج على من يشح بنفسه. ومصراعه الثاني اعتذار له لأنه إذا فارق الروح الجسد لم يصح هناك أسىً ولا صبر والأسى واقع لا محالة في الدنيا فلا بد إذًا منه.
قال أبو القاسم: أول هذا:
إلف هذا الهواء أوقع في الأنفس ... أن الحمام مر المذاق
وما أورده أبو الفتح عبارات فارغة، والمعنى أن حب الإنسان الحياة أمر الموت في نفسه ثم ذكر في البيت الثاني إن جزع الإنسان من الموت قبل إتيانه عجز به فإذا مات فالجزع معدوم أصلًا.
وأنشد الجاحظ في الأبيات:
لا يملأ الهول صدري قبل وقعته ... ولا أضيق به صدرًا إذا وقعا
وقال المتنبي:
فلا غيضت بحارك يا جموما ... على علل الغرائب والدخال
قال أبو الفتح: غيضت نقصت، وبئر جموم كثيرة الماء، والغرائب الإبل الغريبة ترد الحوض والناس يسقون، والدخال أن يدخل بعير قد شرب بين بعيرين لم يشربا ليعرض على الماء ثانية. يدعو له يقول لا نقصك الله فإنك ثابت الكرم والعطاء إذا كدرت بوفود العفاة عليك. كما تجم البئر الكثيرة الماء إذا كثر ورادها.
قال أبو القاسم: تقول العرب في كلامها لأضربنك ضرب غرائب الإبل ولأعصبنك عصب السلمة. وإنما ذكر المتنبي الغرائب لأنها تضرب أشد الضرب وتذاد أعنف الذود كما قال الحارث بن حلزة:
فجئنا بهم قسرًا تقود سراتهم ... كما ذيد عن ماء الحياض الغرائب
وذكر أبو عبيد في الغريب المصنف أن الدخال إن يدخل بعير قد شرب بين بعيرين لم يشربا لقلة الماء وأنشد قول كعب بن زهي يصف الأتن والعير:
فأوردها ظلمة بالعراك ... بالا عراك وألا عطونا
معنى البيت انه يعطى للأبعد فالأبعد فضلًا عن الأقرب فالأقرب، وإلى هذا ذهب أبو تمام في مدح ابن طوق:
الود للقربى ولكن عرفه ... للأبعد الأوطان دون الأقرب
وقال المتنبي:
يشمر لج عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل
قال أبو الفتح: كان يموه هذا الخارجي بحسره عن ساقه عند الماء يرى انه يخوض وأراد بذلك أن يموه.
قال أبو القاسم: معنى البيت أن هذا الخارجي لما ادعى النبوة افتراء اكتفته البلايا والشدائد لبطلانه وهو في مبتكر أمره فكيف يكون إذا توسط أمره وتسامع به الناس وتألبوا عليه لقتله.
وقال المتنبي:
بذِي الغَبَاوَة من إنشادها ضرر ... كما تضر رياح الورد بالجعل
1 / 16