كنت كآدم في الجنة. فلما أكلت من شجرة معرفة الخير والشر طردني الله من الفردوس.
فقال الثاني راثيا: الحق أن مصيبتك أعظم من مصيبتي. فماذا فعلت؟ - لا تسل. كدت أجن، بل جننت. آه، إن قصتي قصة يا صاحبي. تؤرخ كتاريخ.
فقال الثاني: يا أخي، لكل إنسان قصص. - لا لا. مثل قصتي لم يحدث. - وأنا أقول لك قصتي وانظر.
فقال الأول يريد اختصار الحديث: تريد أن تقول لي إنك أحببت بنت ملك أو بنت أمير أو بنت ذات مثلا، وهي لحداثة سنها أظهرت لك الحب ثم لما كبرت شعرت أنها أخطأت فأعرضت؟
فقال الثاني: لا لا. بل لما شعر أهلها بحبنا زجروها وبقيت تحبني. أليست هذه قصة أليمة؟
فقال الأول متبجحا: لا لا. هذه حادثة بسيطة تحدث كل يوم. أما حكايتي أنا فلا مثيل لها. فاسمع واعتبر.
فاشرأب عنق الثاني وقال: ها أنا سامع.
فقال أول: كنت في مدينة عظيمة. - في استمبول؟ - لا لا. دع هذا التحقيق. لا أود أن أقول أين. كنت في مدينة عظيمة وتعرفت بمرأة جميلة الصوت وبارعة في فن الموسيقى. وكانت تدرس الغناء والبيانو في المنازل. وقد أعجب معارفها بآدابها ونبالة أخلاقها وسمو مبادئها. وما مضى على تعارفنا برهة حتى وقعنا كلانا فريسة للحب. وأما أنا فشعرت أن حياتي هي حب هذه المرأة. فإذا قتل هذا الحب ضاعت الحياة.
فتبسم السجين الثاني وقال: يا أخي كل حب حقيقي هكذا يكون.
فتمرمر السجين الأول وقال ساخطا: سمعا يا سيدي سمعا. رضيت مني كل شيء، ولبت كل طلب إلا الزواج. فاستغربت أمرها؛ لأن الزواج كان من مصلحتها. وكانت في أصبعي مثل الخاتم في الخنصر. انتقلت بها من بلد إلى بلد ومن حي إلى آخر، ومنعتها من تعليم البيانو، فطاوعتني. وقد رجوتها بكل جوارحي أن نتزوج حتى أضمن بقاءها لي، فذهب كل رجاء كالهباء. - لعلها كانت مرتبطة بسواك. - لو كانت كذلك لما تجاسرت أن تستسلم لي كالنعجة، بل كانت تؤكد لي أنها غير مقيدة مع أحد. في ذات يوم وقع في يدي خطاب وارد لها كان في درج المكتب نسيته خطأ. فكان فضولا مني أن أفتحه وأقرأه، فدهشت؛ إذ هو مبدوء هكذا: حضرة صاحبة السمو الدوقة فلانة الفلانية.
Shafi da ba'a sani ba