158

Udisa

الأوديسة

Nau'ikan

خرج أوديسيوس من تحت الشجيرتين ثم خطا إلى الأمام أشبه بأسد.

ما إن قال أوديسيوس العظيم هذا لنفسه، حتى خرج من تحت الشجيرتين، وكسر بيده القوية غصنا من أغصان الغابة الكثيفة، غصنا كثير الأوراق، ليضعه حول وسطه ويستر به عورته، ثم خطا إلى الأمام أشبه بأسد جبلي المنبت، معتمد على قوته، يتقدم وسط هطول الأمطار وهبوب العواصف، غير عابئ بها، بل تقدح عيناه بالشرر، فيهجم على قطيع الأبقار أو الأغنام، أو على الغزال البري، ملبيا نداء بطنه، مقتحما حتى الحظيرة المتينة البناء ليغير على القطعان. هكذا كانت حال أوديسيوس، وهو يوشك على الدخول وسط جماعة العذارى ذوات الغدائر الجميلة، رغم عريه؛ إذ كان مدفوعا بباعث الحاجة. وكان منظره أمامهن مروعا، ملطخا بالماء الملح، فانكمشن مذعورات، واحدة هنا، وواحدة هناك، بجوار أكوام الرمال الناتئة. بيد أن ابنة ألكينوس، هي وحدها التي بقيت ثابتة في مكانها لم تهرب؛ لأن أثينا بثت الشجاعة في قلبها، ونزعت الخوف من أطرافها، فلم تطلق العنان لقدميها كغيرها

10

بل وقفت في مواجهته، فحار أدويسيوس ماذا يفعل! أيمسك بركبتي الفتاة الحسناء، ويتوسل إليها، أم يتوسل برقيق الألفاظ وهو واقف مكانه، عسى أن تدله على المدينة وتعطيه ثوبا. وبينما هو في تفكيره، رأى من الأفضل أن يقف بعيدا، ويتضرع إليها بعبارات لطيفة، لئلا يغضب عليه قلب الفتاة إذا أمسك بركبتيها، ولتوه خاطبها بعبارات رقيقة خداعة، فقال: «عفوا، سيدتي الملكة، أأنت ربة، أم أمن البشر؟ فإن كنت ربة من اللواتي مسكنهن السماء الفسيحة، فإني أشبهك بأرتيميس، ابنة زوس العظيم، فإنك تشبهينها تمام الشبه، جمالا وقدا واعتدالا. أما إذا كنت من البشر الذين يسكنون الأرض المترامية الأطراف، فمبارك أبوك ثلاث مرات، وكذا أمك الوقورة، ومبارك ثلاث مرات إخوتك؛ فإني لأعتقد أن هناك على الدوام قلوبا زاخرة بالسرور من أجلك، مغتبطة برؤيتك تدخلين حلقة الرقص، زهرة يانعة باهرة. غير أن المبارك أكثر من هؤلاء، هو ذلك الذي سيغلب بهداياه من الوصول إلى قلبك ويأخذك إلى بيته؛ فلم يسبق لعيني أن رأتا إنسانا مثلك رجلا كان أم امرأة، إن الدهشة لتتملكني وأنا أنظر إلى طلعتك البهية. ولئن أردت الحق، فإنني رأيت ذات مرة، في ديلوس

Delos ، شيئا كهذا، غصنا في نخلة، ينمو بجوار مذبح أبولو - فقد ذهبت إلى هناك، أيضا، وتبعني قوم كثير، في تلك الرحلة التي كتب لي فيها الشقاء الجم والمحن العصيبة - هكذا عندما رأيت ذلك الفنن، عجبت في قلبي فترة طويلة؛ إذ لم يسبق لي أن رأيت مثل ذلك النبت يخرج من الأرض. كذا يتملكني العجب من مرآك، يا سيدتي، وأخاف غاية الخوف أن ألمس ركبتيك. لقد انتابتني الأحزان والهموم البالغة؛ فأمس، في اليوم العشرين، هربت من البحر القاتم بلون الخمر، وحملتني الأمواج والرياح السريعة من جزيرة أوجوجيا

Ogygia ، فقذف بي القدر الآن إلى هذا الشاطئ، كي أقاسي الآلام هنا أيضا؛ فإنني أعتقد أن متاعبي لن تكف بعد، بل ستذيقني الآلهة مزيدا منها. أشفقي علي، أيتها المليكة، فقد جئت إليك الآن بعد متاعب جمة مرهقة؛ إذ لست أعرف أحدا ممن يملكون هذه المدينة والحقول. أريني المدينة، وأعطيني ثوبا ما، أستر به جسدي، إذا كان لديك ما يتدثر به المرء عندما جئت إلى هذا المكان. وإني لأتوسل إلى الآلهة أن تمنحك زوجا وبيتا، ووحدة في القلب - هدية عظيمة - فما من شيء أعظم من أن يعيش الرجل وزوجته في منزل متحدين متحابين، فيكون هذا كمدا لأعدائهما، وفرحا لأصدقائها، أما هما فيعرف كل منها صاحبه حق المعرفة.»

ناوسيكا تعطف على أوديسيوس

عندئذ ردت عليه ناوسيكا الناصعة الذراعين بقولها: «أيها الغريب، ما دمت لا تبدو رجلا شريرا، ولا جاهلا، وزوس الأوليمبي نفسه هو الذي يمنح السعادة للبشر، لكل من الأخيار والأشرار، فيمنح كل امرئ ما يشاء، وهكذا قد منحك أيضا هذا الحظ، إذن فلتتحمل ما قدر لك. أما الآن، فحيث إنك قد جئت إلى مدينتنا وإلى بلادنا، فلن تفتقر إلى اللباس أو إلى أي شيء مما يحتاجه المتضرع الذي لاقى المحن والتجارب في طريقه إلينا؛ فسأقودك إلى المدينة، وأخبرك باسم الشعب؛ فهذه المدينة يملكها الفياكيون، وكذا هذه البلاد. وإنني ابنة ألكينوس، العظيم القلب، الذي يتوقف عليه عضد وقوة الفياكيين.»

قالت ناوسيكا هذا، ونادت خادماتها الجميلات الغدائر، وأمرتهن بقولها: «قفن يا وصيفاتي، إلى أين فراركن عند رؤية رجل؟ لا شك أنكن خائفات من أن يكون عدوا! كلا، فلا يوجد ولن يعيش، من يأتي بلاد الفياكيين كعدو؛ لأننا أعزاء جدا على الخالدين، بمنأى عن سائر الدنيا، نقطن في البحر الصاخب، في أقصى بقعة عن البشر، ولا علاقة قط لأي فرد آخر بنا. أما هذا الرجل فضال مسكين، ساقته الأقدار إلى هذا المكان. علينا الآن أن نرعاه؛ لأن جميع أبناء السبيل والشحاذين، يرسلهم زوس، ويجب الترحيب بأية هدية مهما صغرت. هيا، إذن يا وصيفاتي، قدمن لهذا الغريب طعاما وشرابا، واغسلنه في النهر، في بقعة بها مأوى من الريح.»

أوديسيوس يغتسل بأمر ناوسيكا

Shafi da ba'a sani ba