Marubutan Larabawa A Zamanin Abbasawa
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Nau'ikan
لفؤاده من خوفه خفقان
فهذا محال؛ لأن ما لا صورة له لا وجود له، فكيف يشعر بالخوف من لا وجود له، وكيف يكون له فؤاد؟ (8-3) منزلته
قال أبو عبيدة: «أبو نواس في المحدثين مثل امرئ القيس في المتقدمين، فتح لهم هذه الفطن، ودلهم على المعاني، وأرشدهم إلى طريق الأدب والتصرف في فنونه.» وقال ابن عائشة: «من طلب الأدب فلم يرو شعر أبي نواس فليس بتام الأدب.» وقال أبو حاتم: «كانت المعاني مدفونة حتى أثارها أبو نواس.» وقال أبو عمر الشيباني: «لولا ما أخذ فيه أبو نواس من الأرفاث
80
لاحتججنا بشعره؛ لأنه كان يحكم القول ولا يخلطه.»
فيتضح من هذه الأقوال - على تباين نزعاتها - ما كان لشاعرنا من المنزلة السامية عند الأدباء الأقدمين. وكان أشدهم محافظة على القديم - كابن الأعرابي وأبي عبيدة والأصمعي - يقبلون على رواية شعره، ولا سيما الخمري مع ما فيه من مجون وأرفاث وخروج على القديم؛ وما ذلك إلا لأنهم كانوا يشعرون بلذة هذا الجديد، وما فيه من لطف وظرف، وإن كانوا يقدسون القديم وينزهونه.
وقد أوتي أبو نواس من سيرورة الشعر ما جعله يغير على معاني غيره، فيأخذها ويحسنها فتروى له ولا تروى لأصحابها. وأقبل الناس على رواية شعره لسهولته وجدة معانيه وألفاظه، ثم لأنهم رأوا فيه صورة صادقة لعصرهم، وراقهم ما به من ظرف ومجون؛ فأحبوه وحفظوه.
وأبو نواس في تصويره عصره يتناول ناحيتي الجد والعبث، فيجمع بشعره ما في عصره من خلاعة وفتك ومجون، وما فيه من ثقافة وعلم وفنون؛ فشعره يحمل لغة الجواري والغلمان بتخنثها وظرفها، ولغة الخمارين والمجان وأخبارهم ومعابثاتهم، وكثيرا من الألفاظ المولدة التي لم يعرفها المتقدمون، كاستعمال باس بمعنى قبل، ونعت الحبيب بالمولى والسيد، ويصور مشاهد الحضارة الجديدة بصناعتها وفنونها، وحدائقها وملاهيها، ومواخيرها وحوانيتها، وأزيائها وأشكالها، وفيه نتعرف الزي الغلامي الذي شاع في صدر الدولة العباسية حين أخذ الجواري يقصصن شعورهن؛ تشبها بالغلام الرومي أو التركي أو الديلمي؛ فأطلق أبو نواس وعصبته لفظة الغلامية على كل جارية مقصوصة الشعر، وهذه اللفظة تناسب لفظة “La garçonne”
التي يطلقها الفرنجة اليوم على الفتيات المتشبهات بالغلمان.
وأبو نواس يطلعنا في شعره على مبلغ ما وصل إليه مجتمعه من استهتار بالمعاصي، واستهزاء من الدين بسبب انتشار البدع، وفي اعتماده على الله يطلعنا على اختلاف آراء السنة والمعتزلة في شأن الغفران، وفي هجائه العرب وتفضيله الحضارة الفارسية يمثل إلى حد ما تلك الجماعة الشعوبية التي كانت تكره العرب وتناوئهم، وفي عبثه ومجونه يرفع لواء التجديد والمجددين، وفي جده ورصانته يصور طبقة المحافظين خير تصوير.
Shafi da ba'a sani ba