262

Marubutan Larabawa A Zamanin Abbasawa

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Nau'ikan

وشيء آخر عمل لتوطيد شهرة المتنبي وخلوده، وهو ما تجد في شعره من تصوير المعامع، وإطراء الشجاعة والحمية والشرف؛ فإن الإنسان مطبوع على حب القوة، يلذ له أن يتغنى بها، ويتمنى أن ينسب إليها ولو كان ضعيفا. وكذلك الإنسان يكبر الشرف والحمية، وإن كان دنيئا ساقط المروءة، فاشتمال شعر أبي الطيب على هذه الميزات العالية ملكه قلوب الناس وخواطرهم، فحفظوه واستشهدوا به، حتى إن الصاحب بن عباد وهو أشد خصومه لددا كان أحفظهم لشعره، وأكثرهم تمثلا به في محاضراته ومكاتباته. ولا يزال شعر المتنبي في زماننا معينا نميرا يترشف منه الشعراء والكتاب.

وامتازت لغة المتنبي في قوتها فلاءمت بها قوة نفسه ومعانيه وأغراضه، وتبدو هذه القوة في ألفاظه الصلبة، وتراكيبه المتينة، وتشابيهه واستعاراته؛ يمدها خيال بدوي عنيف، يسبح في سماء محجبة بالغيوم، تنقض منها الصواعق، وتثور فيها الزوابع، وتنقذف عنها الرجوم، فما يعود إلا مضرجا بالدماء.

وكان لحياته المضطربة تأثير في توجيه عاطفته، فإن تردده في البادية، ومغامراته الكثيرة، وإخفاقه المتتابع، وتشاؤمه بالزمان وأهله، جعل عاطفته تنمو مخشوشنة متصلبة، لا ترتاح إلى سوى العنف والشدة. وكذلك أثرت فيها ثقافته الفلسفية وتطلبه للمعاني؛ فضعف عملها في كثير من المواطن بقدر ما قوي عمل التفكير.

وتتفاوت ديباجته، فأحيانا تنجلي صافية لها رونق ورواء، فتطرب وتبهج وتحمس، وأحيانا تتجهم كدرة معقدة نافرة، فتضيق بها النفس وتتأذى منها الآذان.

وأبو الطيب يمثل شطرا كبيرا من عصره، ففيه تتجلى تلك النهضة الفكرية التي سمت بها العلوم والفلسفة والمنطق. وفيه يتمثل اتساع الرزق على الشعراء لتعدد حواضر العلم والأدب، وتنافس الأمراء في استقدام الشعراء ليمتدحوهم، ويغالوا في نعوتهم حتى أصبح الشعر تكسبا كله. وفيه يتمثل اضطراب الحالة السياسية، وتحفز كل ذي طموح إلى التملك، وكثرة الحروب والخروج والفتن.

وعلى الجملة فشعر المتنبي مستند تاريخي لزمانه. وهو أبرع من وصف جيشا، وصور ملحمة، ولو طالت ملاحمه لسد ثلمة في الشعر العربي. وهو أكثر الشعراء المتقدمين بيتا مقلدا، وأنضجهم تفكيرا وحكمة، وأبصرهم بفلسفة الحياة، وأخلدهم على كرور الأجيال. (3) أبو فراس 932-967م/320-357ه (3-1) حياته

هو الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، عربي النجار ينتمي بعمومته إلى تغلب فربيعة الفرس، وبخئولته إلى تميم فمضر الحمراء لقوله:

لم تتفرق بنا خئول

في العرب أخوالنا تميم

وكنيته أبو فراس، ولد على الأرجح في الموصل حيث كان أبوه وأسرته وقتل أبوه وعمره ثلاث سنوات، قتله ابن أخيه ناصر الدولة؛ لأنه سعى سرا في ضمان الموصل وديار ربيعة من جهة الراضي بالله الخليفة العباسي. فنشأ أبو فراس يتيما تحتضنه أمه، ويعطف عليه ابن عمه سيف الدولة أخو ناصر الدولة.

Shafi da ba'a sani ba