Marubutan Larabawa A Zamanin Abbasawa
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Nau'ikan
وكان سفيان شديد الحنق على ابن المقفع؛ لأن كاتبنا غيظ من توليه البصرة مكان سليمان بن علي، فراح يستخف به، ويتنادر عليه، وينال من أمه؛ فقد سمعه مرة يقول: «ما ندمت على سكوتي قط.» فقال له: «الخرس زين لك، فكيف تندم عليه؟!» وكان أنف سفيان كبيرا، فكان ابن المقفع إذا دخل عليه قال: «السلام عليكما.» يعني سفيان وأنفه.
فلما جاءه كتاب المنصور يأمر بقتله تربص به حتى دخل عليه يوما، فأمسكه وأمر به فقتل، واختلف في طريقة قتله فقيل: إنه ألقي في بئر، وردمت عليه الحجارة، وقيل: أدخل حماما وأغلق عليه بابه فاختنق، وقيل: بل قطعت أطرافه عضوا عضوا، ثم ألقي في تنور وأطبق عليه.
وكيف كان الأمر، فإن ابن المقفع دخل دار سفيان ولم يخرج منها، فبلغ الخبر سليمان وعيسى ابني علي، فخاصما سفيان إلى المنصور، وأحضراه إليه مقيدا، وشهد أناس أن ابن المقفع دخل داره ولم يخرج منها، فقال المنصور للشهود: «أرأيتم إن قتلت سفيان به، ثم خرج ابن المقفع من هذا البيت - وأشار إلى باب خلفه - وخاطبكم، ما تروني صانعا بكم، أفأقتلكم بسفيان؟» فخاف الشهود ورجعوا عن الشهادة، وأضرب عيسى وسليمان عن ذكره ، وعلما أنه قتل برضى المنصور.
وذكروا أن من أسباب قتله اتهامه بالزندقة، ومعارضة القرآن، وترجمة كتب الزنادقة. ومات وله من العمر ست وثلاثون سنة، وخلف ولدا اسمه محمد.
صفاته وأخلاقه
وصفه الجاحظ فقال فيه: «كان جوادا فارسا جميلا.» وعرف بالمروءة وكرم الخلق والوفاء للأصحاب، وكان يقول: «ابذل لصديقك دمك ومالك.» ولم يحجم عن تحقيق هذا القول يوم طلب صديقه عبد الحميد بن يحيى بعد مقتل مروان بن محمد، فلجأ إليه في الجزيرة، وفاجأهما الطلب وهما في بيت واحد، فقال لهما الجند: «أيكما عبد الحميد؟» فقال ابن المقفع: «أنا.» مؤثرا صاحبه على نفسه، وهم الجند بالقبض عليه، فصاح عبد الحميد: «ترفقوا بنا، فإن كلا منا له علامات، فوكلوا بنا بعضكم، وليمض البعض الآخر، ويذكر تلك العلامات لمن وجهكم.» ففعلوا، وأخذ عبد الحميد وقتل، ونجا ابن المقفع على كره منه.
وعرف أيضا بسهولة الطبع على رصانة، وبالتعفف والابتعاد من الكذب والحسد. على أن حبه للأدب والأدباء ونزوعه للزندقة جعلاه لا يستنكف من مصاحبة جماعة من الخلعاء كمطيع بن إياس، وحماد عجرد، وبشار بن برد، ووالبة بن الحباب، وأضرابهم؛ فكانوا يجتمعون على الشراب وقول الشعر، وكلهم متهم في دينه، ولكنه إذا لها وشرب لم تكن الخمر لتقوده إلى الإثم، وتنزل به في المنازل الدنية، وفي ذلك يقول:
سأشرب ما شربت على طعامي
ثلاثا ثم أتركه صحيحا
13
Shafi da ba'a sani ba