Al'adu da Sabuntawa: Matsayinmu akan Tsohon Tsoffin Gado
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Nau'ikan
والأمثلة على ذلك كثيرة، يثار بيننا الجدل عن الحكومة الدينية، خلافة أم علمانية، وتتصارع الأهواء، وتتضارب الغايات دون أن يحاول أحد تحليل الواقع الذي يمكنه أن يبدد كل هذا الجدل، فالواقع لا يوصف بما هو أقل منه، كما أن له بناءه المثالي في الوحي، والوحي ليس دينا بل هو البناء المثالي للعالم، ويثار جدل آخر حول الفلسفة الإسلامية يونانية أم إسلامية، تابعة أم أصلية، وتتضارب الأهواء وتتبارز الأقلام، ولا يحاول أحد وصف العمليات الحضارية الناشئة من التقاء حضارتين، وهي عمليات واقعة بالفعل ترفض أن يلصق عليها أي وصف خارجي، ويثار جدل ثالث، وما زال يثار بين شيعة وسنة حول الإمامة والتوحيد وأي الأئمة كان أحق بالإمامة منذ أربعة عشر قرنا مضت، وهل الإله مجسم أم منزه، ولا يحاول أحد أخذ الواقع ذاته والاحتكام إليه، إن حال الناس اليوم في إيران أو مصر لا يختلف فكلاهما يعاني من التسلط والبؤس والتخلف، ولا يحاول تفسير نشأة الأفكار الدينية بالرجوع إلى الظروف النفسية والاجتماعية التي سببتها، وربما يكون التوحيد لا هذا ولا ذاك، ويثار جدل رابع حول التصوف من أي مصدر هو خارجي من فارس أو الهند أو اليونان أو الرومان أو داخلي من الكتاب والسنة وحياة الرسول والصحابة والتابعين، ولا يحاول أحد الرجوع إلى الواقع الذي نشأ فيه التصوف وكيف أنه كان رد فعل على حركة البذخ الترف، ومقاومة سلبية فردية انعزالية لقلب القيم، ويثار جدل خامس عن حياة الناس أتخضع لقانون ديني أم قانون مدني، وكأن حياة الناس ذاتها ليس لها الأولوية على كل قانون.
والجدل والمهاترات ينشآن من إحساس رهيب بذاتية كل كاتب تصل إلى درجة المرض، فهو يدافع عن ذاته وعلمه ومذهبه وصدارته من خلال القضايا، والغاية هي الذات وليست القضية، خاصة في مجتمع لم يتعود على العمل الجماعي، وعلى النظرة الموضوعية، وعلى الفصل بين الوقائع وبين القائلين بها ، الجدل هو انفصال الماضي والحاضر على السواء، فالموروث لم يقم على جدل ومهاترات بل على تحليل وبرهان، والواقع لا يصاغ بالجدل وبالآراء بل بتحليل المعطيات والمكونات، الجدل بين الكتاب نوع من المراهقة المتأخرة وضجة بلا أساس، وفرقعة بلا سلاح، ومعركة بلا ميدان، هذا بالإضافة إلى أن الجدل يمكنه إثبات الشيء ونقيضه ما دام الأمر يتوقف على البراعة، فقد يثبت الجدل أفضلية التوحيد على التثليث كما قد يثبت أفضلية التثليث على التوحيد بنفس البراعة، وقد تبارى علماء الجدل القدماء في ذلك، فالجدل مهارة وليس معرفة، وهو فن لا علم، هو ظن لا يقين، والعجيب أن التراث القديم ذاته قد أدان الجدل بوضعه داخل منطق الظن وخارج منطق البرهان، والجدل مع السفسطة والخطابة والشعر على نفس المستوى، ولكننا لم نع درس التراث وتجادلنا بيننا من أجل إثبات ذواتنا الضائعة، ومن أجل افتعال معارك، والمعركة الحقيقية في طي النسيان، الجدل مثل التحزب للأندية الرياضية في غياب تصريف الطاقات الطبيعية للناس، فيتجادلون إعلانا عن نفوسهم الضائعة ووجودهم المنسي، ورغبة في إلحاق الهزيمة بعدو مفتعل، والحصول على النصر بأجر زهيد، كلمات معدودات.
ولا يعني نقد الجدل والمهاترات غياب المعارك الفكرية من واقعنا الثقافي، فالجدل شيء والتنوير شيء آخر، فصراع الآراء حول الواقع، وتضارب التحليلات حول الموضوعات جزء من عملية التنوير ولكنها خالية من الانفعال والذاتية، يمكن للجدل أن يكون منهجا سليما للحوار المفتوح، وتبادل الآراء، وعرض وجهات النظر المختلفة، والتعلم المشترك، فقد نشأ علم أصول الدين كله على هذا النحو بالجدل بين الأفكار، ولكن ليس الجدل العقيم بل الجدل الخصب الذي يدل على حيوية الفكر والقدرة على أخذ المواقف، كما نشأ عند الصوفية الجدل بين العواطف والانفعالات جدل بناء وليس جدلا هداما، وفي أصول الفقه ظهر جدل بين الفقهاء يدل على جدل آخر بين النص والواقع، وهو جدل منطقي سلوكي من أجل توجيه الوحي لحياة الناس، فالجدل ليس مدانا بذاته بل هو مدان إذا تحول إلى مهاترات وسفسطة، في حين أنه يمكن أن يكون دليلا على الحوار وعلى خصوبة الفكر. (د)
الحدس قصير المدى : إذا كان بالإمكان تسمية النزعة الخطابية منهجا فذلك لأنها استطاعت أن تتحول إلى منهج في الدراسة قائم على الحدس قصير المدى في الاتجاهات التجديدية الحالية، ويقصد بالحدس قصير المدى ما يلاحظه بعض الباحثين من حقائق في التراث توصف ابتداء من نشأتها من الوحي، هو حدس لأنه قائم على إدراك مباشر لبعض حقائق في التراث وهو قصير المدى؛ لأنه لم يتعد نظرات متفرقة هنا وهناك دون أن تتجمع في بناء نظري كامل يمكن أن يكون نموذجا لوصف الظواهر الفكرية أو منطقا لتفسير الوحي؛ ولذلك ظل محدودا، سواء في تكوينه النظري أو في تطبيقه في الواقع، وهو أيضا حدس جزئي استطاع أن يصور جانبا في التراث بصدق ولكنه لم يتجاوز هذا الجانب إلى أن يعطي صورة عن التراث ككل.
والأمثلة على ذلك كثيرة من داخل حركات التجديد المعاصرة التي أعطت حدوسا لم تطورها في دراساتنا على التراث القديم، فالتوحيد كما يصوره الأفغاني وإقبال مثلا ليس علم الكلام الموروث من نظرية في الذات والصفات والأفعال، بل هو حياة وحركة وقوة على الأرض، وحياة في الشعور، وتحرير للإنسان، وتأسيس للمجتمع الواحد ذي الطبقة الواحدة، وتوحيد للشعور بين القول والعمل والوجدان والفكر، وتوحيد للبشر بلا لون أو دين أو جنس أو لغة أو منطقة، والتوحيد كما يصوره الشهيد سيد قطب تحرر الوجدان الإنساني من كل القيود وتأسيس لمجتمع العدل والإخاء، والتوحيد عند الكواكبي هو أيضا إثبات لحرية الإنسان ومقاومة لقوى الاستعباد والاستبداد والظلم والطغيان، وهنا يتحول تنزيه الله إلى حرية الإنسان، ونحن الآن نتحدث في التوحيد دون الحرية، كما أعطى رشيد رضا تفسيرا اجتماعيا للقرآن موجها النصوص ضد أبنية الواقع المخلخلة من أجل التغيير، تغيير هذا الواقع المخلخل إلى واقع مثالي راسخ، ولكن لم يسر أحد بعد ذلك في هذا التفسير الموجه، واستعمال النصوص استعمالا وظيفيا خالصا، وما زلنا نفسر النصوص تفسيرا نظريا خالصا،
23
كما ظهر لدى الأفغاني وعثمان دنقة والشهيد سيد قطب وحدة النظر والعمل وأن الفكرة الإسلامية ليست نظرية بل هي ممكنة التحقيق وواقع يتحرك، ثم رجعنا عن ذلك إلى الدراسات التي تظهر فيها الأفكار مجرد آراء لا تتعدى ما بين السطور.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة على حدوس في تراثنا القديم نكررها بعد أن ظهرت دقائقها في التراث دون تطويرها وإحيائها وتوجيه الواقع بها، فقد ظهر أن العقل هو أساس النقل وأن كل ما عارض العقل فإنه يعارض النقل، وكل ما وافق العقل فإنه يوافق النقل، ظهر ذلك لدى المعتزلة وعند الفلاسفة، وظهرت لغة التخييل في الوحي ومنطق البرهان في الفكر، ولكننا لم نسر في هذه الرؤية، ورجعنا إلى التشبيه والتجسيم والتقليد، وجعلنا النقل أساس العقل، وآمنا بالوقائع الحسية المادية وراء التصوير الفني، واعتمدنا على سلطة الكتاب في البرهان، وظهر الواقع في علم الأصول، ورأينا المصالح المرسلة والاجتهاد، وأن «ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن»، وأن الواقع له الأولوية على كل نص في «لا ضرر ولا ضرار»، ولكننا لم نسر في هذا الحدس، ورجعنا إلى النص الأول نعطي له الأولوية على الواقع، احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص،
24
وظهرت الشورى في شروحنا على نظم الحكم وحرية الإنسان في مجتمع حر، ولكننا أسقطنا الرؤية بل وبدلناها إلى الإعلان عن مخاطر الحرية لمن يسيء استغلالها وعن مآسي الشورى في مجتمع لم يتعود على حكم نفسه بنفسه، وقلبنا الباطل حقا والحق باطلا، كأننا ندعو الطاغية للظهور، ونسلم له الرقاب.
Shafi da ba'a sani ba