Al'adu da Sabuntawa: Matsayinmu akan Tsohon Tsoffin Gado
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Nau'ikan
وإذا كان بعض التكرار موجودا في المؤلفات القديمة في علم أصول الدين وعلم أصول الفقه خاصة، بل وفي علوم الحكمة أيضا، إلا أن كل مؤلف يحاول بناء العلم من الأساس؛ لذلك يبدأ من الألف إلى الياء ثم يضيف جزءا في بناء العلم، فعلم أصول الدين المتأخر مثلا يأخذ طابعا نظريا خالصا، ويتحول التوحيد فيه إلى نظرية في العلم ونظرية في الوجود بخلاف علم أصول الدين المتقدم الذي تسوده خلافات الفرق والمشاكل الجزئية، والتصوف المتأخر عند ابن سبعين إضافة أساسية على التجارب الصوفية المبكرة، وفي أصول الفقه المتأخر عند الشاطبي إضافات أساسية بتحليل المقاصد، مقاصد الشارع ومقاصد المكلف على الأفكار الأصولية الأولى عند الشافعي أو الدبوسي أو السرخسي، أما تكرار المعاصرين فإنه لا يضيف شيئا ولا يفعل أكثر من نسخ القديم مع أن هناك أجزاء كثيرة من العلم لم تبن بعد مثل «الإنسان» في علم التوحيد وفي الفلسفة، ووصف عملية السلوك وتحويل الوحي إلى نظام مثالي للعالم في أصول الفقه،
22
ومسار التاريخ وتحويل البعد الرأسي إلى بعد أفقي في التصوف، التكرار في التراث القديم لم يكن تكرارا خالصا محايدا، بل كان مقارنات ونقدا وأحكاما، فمتأخرو الأشاعرة ينقدون أوائلهم كما يفعل الرازي مع الأشعري، ومتأخرو الفلاسفة ينقدون متقدميهم كما يفعل ابن رشد مع الفارابي وابن سينا، ومتأخرو الصوفية ينقدون أسلافهم كما فعل السهروردي مع الحلاج والغزالي، فالتكرار هنا هو تفسير كل عصر للعلم وإعادة بناء العلم طبقا لحاجات العصر ومتطلباته، وهو ما يحاول «التراث والتجديد» القيام به بالنسبة إلى العلوم العقلية التقليدية القديمة.
والتكرار هو سبب الأزمة الواقعة في الفلسفة الإسلامية عند المشتغلين بها، فماذا يقول الباحث بعد شرح نظريات الفلاسفة؟ وإذا كان الفلاسفة أنفسهم يعيدون شرح نظريات أخرى، أو هكذا يبدون، فيتحول التدريس إذن إلى شرح على شرح، ويقع الفكر في شروح على متون ثم يضيع الفكر، وتشتد الأزمة عندما ينتهي الشرح، ثم يتساءل السامع: ولكن ما صلة هذا كله بالفلسفة الإسلامية خاصة إذا كان على دراسة بالفلسفة اليونانية والحديثة والمعاصرة، حيث يرى السامع فيها المشاكل المعروضة والحلول المقترحة على مستوى إنساني وبلغة العقل؟ تلك إذن هي مهمة الباحث المعاصر في أخذ المواقف بالنسبة للقديم وعرض ما قاله القدماء على حاجات العصر ومتطلباته، يمكن للباحث المعاصر أن يبين كيف نشأ القديم، ولماذا ظهر على هذا النحو ثم يعيد البناء من جديد وتستأنف عملية التكوين من جديد. لقد نشأ التكرار من فقدان الهدف عند الباحث، فالباحث لم يحدد له هدفا من قبل، عن أي شيء يبحث حتى يجد أو لا يجد، ولم يحركه حدس مسبق، ولم تدفعه غاية معينة، ينشأ التكرار من أن الباحث يتحول إلى مجرد موظف وليس صاحب رسالة، وينقلب إلى صاحب مهمة وليس صاحب دعوة ، قد يكون هناك تكرار للحدس ولرؤية الكاتب، وفي هذه الحالة لا يكون التكرار مجرد تحصيل حاصل بل يكون تعبيرا عن الحدس بعديد من الصور وببراهين مختلفة، فالكاتب الهادف ليس له في الحقيقة إلا حدس واحد يعبر عنه بطرق شتى؛ وذلك لأن الحدس هو رؤية للواقع، ومن ثم فالواقع ذاته لا بد أن ينكشف على مستويات عدة وفي جوانب مختلفة، وغالبا ما يكون للكاتب حدس واحد يأخذ صورا عدة، وتطبيقات مختلفة، ويعبر عنه بلغات عدة، ولكن ذلك ليس تكرارا بل بيان وحدة الحدس بالرغم من اختلاف المواضع. (ب)
التقريظ أو الدفاع: وتظهر النزعة الخطابية أيضا كتقريظ للتراث أو لمصدره ثم الدفاع عنه والدعوة له، والدفاع في الحقيقة خلط بين التبرير والتفكير، فهو يقبل موضوعه ثم يبرره ويدافع عنه دون أن يضعه موضوع التساؤل ودون أن يحاول معرفة أي بناء نظري له أو أي أسس عقلية يقوم عليها، وقد يقوم التقريظ على الدفاع عن التراث كله، بكل ما فيه وعن التاريخ كله دون تمحيص سابق لما يمكن إرجاعه منه إلى المصادر الأولى في الوحي، ولما يمكن إرجاعه إلى التاريخ المحض، قد يكون التقريظ قائما أيضا على أسس خاطئة في الفهم أو مناهج خاطئة في التفسير خلفها التاريخ وراءه واقتضت الظروف استعمالها.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلا في التوحيد ندافع عن التنزيه دون أن نتحقق من سوء فهم التنزيه عندما يتحول إلى وظيفة نفسية تساعد على الدفاع عن السلطة، وندافع عن إثبات الصفات دون أن نحاول معرفة سوء استخدام ذلك الإثبات في ضياع استقلال قوانين الطبيعة وحرية الإنسان، وندافع عن الكسب دون أن نفهم ماذا يعني ولكن من أجل إثبات حق الله كما هو الحال في التراث القديم، وفي الفلسفة ندافع عن الخلق ونهاجم الفيض والقدم دون أن نحلل ما ينتج عن الخلق أحيانا من آثار على السلوك إما في النفاق أو التستر أو الانحلال، وندافع عن الإلهيات وكأنها هي الصياغة الوحيدة للتوحيد، وندافع عن خلود النفس وانفصالها عن البدن وكأن هذا الخلود التطهري الفردي هو الوسيلة الوحيدة لإثبات البقاء والاستمرار، وفي التصوف ندافع عن الإلهام والكشف والكرامة والولاية ونعلي من شأن الرضا والتوكل والخشية والخوف والحزن والبكاء، ولا نتحقق من خطورة هذه القيم السلبية في سلوك الناس وعلى عقولهم وعلى حريتهم، وندافع عن الفقه القديم وكأن الوقائع وحياة الناس يمكن صياغتها بالنصوص.
والدفاع هو غياب لكل وجهة نظر نقدية للموروث، وتقبل لكل الماضي بلا نقد أو تمحيص، الدفاع هدم للعقل، وضياع للواقع، وسيادة للانفعال، الدفاع هو إعلان بالعاطفة لما يجب أن يقوم العقل بتحليله، واستمرار في التخلف النفسي، وتعويض ذلك بالحماس وتملق مشاعر الجماهير، الدفاع رفض للعقل، ينشأ عن جهل أو تعصب، يتبارى المدافعون كما يتبارى المحامون، الدفاع إثبات للهوية وللذات عن طريق إقامة معركة في الهواء وتعويض نفسي عن هزائم القوم وتخلف الباحثين واستسهال الأمور وطلب المراكز، تستخدمه السلطة السياسية لتغطية الواقع ومآسيه، فإذا كان الحاضر قد ضاع فعلى الأقل لنا عزاء في الماضي، وعادة ما يكون الدفاع هو دفاع عن النفس، ودفاع عن المنصب، ورغبة في الشهرة، ودخول في المزايدة، فأشد المدافعين حمية هو الذي يحصل على الغنيمة، ومن ثم ينقلب الفكر إلى تجارة، والأمانة إلى خيانة، وكثيرا ما يكون الدفاع عن نفاق لا عن إيمان واقتناع، ما دام الأمر كله تسابقا على الإعلان عن الذات وجريا وراء المغانم، يخدم الدفاع أغراض الرضا عن النفس، فالدفاع تبرئة للذمة، وتغطية للواقع، إذ يسير الواقع في تياره ونظمه بعيدا عن الوحي، ويأتي الدفاع ليحول الدين إلى ستار للواقع، وكلما ازداد الدفاع سمك الستار، الدفاع عن الدين في الحقيقة ليس فيه إثبات للدين، بل فيه تغطية على واقع لا ديني، والدفاع عن الإيمان تغطية لشعور لا إيمان فيه.
وقد نشأ الدفاع في وجداننا المعاصر كحيلة العاجز الذي لا يقدر على البرهنة عقلا ولا على إثبات واقعا، كما أنه لا يقدر على وضع هدف أمامه ثم التخطيط من أجل تحقيقه، ويظن أن الدفاع عن الشعار هو تحقيق له حتى لقد تحول فكرنا المعاصر إلى مجرد أبواق تدافع دون أن تدري عن أي شيء تدافع، وكأن الدفاع يصبح ذاتا وموضوعا في آن واحد، لقد كان الدفاع في تراثنا القديم من مواطن قوة، واستطاع أن يبرهن وأن يحاجج وأن يستدل، وانتهى الدفاع إلى إثبات حقائق الوحي على أسس عقلية كما انتهى إلى استقرار الوحي كثقافة وكحضارة، وعلم أصول الدين كله قد قام بمنهج الدفاع فتأسس العلم واكتمل بناؤه، وظهر العقل والبرهان كمحك للنظر.
ولا يعني عدم الدفاع غياب الهدف والمحايدة أمام الموضوعات، وبرودة الفكر، والتعامل مع جمادات، ولكن فرق بين الدفاع عن الهدف وتحقيق الهدف، فأكبر دفاع يمكن أن يقام لفكرة هو تحقيقها في العقل بالبرهان أو في الواقع بالفعل، بل إن الدفاع عن الهدف لا يحق هدفا بالمرة إذ يكتفي بالفكر بكونه عواطف وجدانية تتطاير فوق الواقع وتحجبه، ويظل الواقع ذاته أسير أبنيته الخاصة محجوبا عن أثر الفكر، فالدفاع حماية الواقع من كل توجيه للفكر، إن الإحساس بالرسالة هو الذي يجعل الباحث هادفا ملتزما مع القدرة على تحقيقها بالفعل ومن ثم تتحول الذات إلى موضوع، ويتم التوحيد بين الذاتية والموضوعية، وبين العقل والوجدان، وبين الحدس والبرهان. (ج)
الجدل والمهاترات: يؤدي الدفاع والتقريظ إلى الجدل والمهاترات ذلك لأن التقريظ والدفاع يؤديان إلى المقارنة ثم إلى الهجوم إما بين الباحثين أنفسهم أو بينهم وبين باحثين آخرين من حضارة أخرى، فإن كان في التقريظ والدفاع بقايا من وجود فكري للموضوع، فإن هذه البقايا تمحى كلية في الجدل والمهاترات، فالجدل لا يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، بل يهدف إلى الانتصار على الخصم، وبدل أن تتوحد جهود الباحثين في عمل مشترك تتعارض وتتنافر ويلغي بعضها البعض أو ينتصر واحد على حساب هزائم الآخرين، المجادل لا يفكر، بل يريد هزيمة الآخر حتى ولو كان على حساب موضوعه ومنطقه ومواقفه الفكرية، ولا يرى غضاضة في البدء بالأفكار المسبقة وفي استعمال المغالطات، والتسليم بمقدمات الخصم وهو لا يؤمن بها، فالمجادل لا يفكر ولا يحايد، بل يعارك ويحارب، وهنا أيضا يضيع العقل، وتسود العاطفة والانفعال، ونكون أمام الفن الأدبي القديم، فن المناقضات الأدبية ، ولسنا أمام فكر موضوعي، ويتحول الباحثون إلى شعراء لا يقرضون شعرا.
Shafi da ba'a sani ba