فنحن نريد أن نقلب أصول الحكم العامة التي يقوم عليها النظام الحالي ... نريد أن يكون الهيكل السياسي خاضعا مسخرا، لا لخدمة رأس المال الأجنبي ولا مصالح طبقة أجنبية محفوظة، بل لخدمة مصلحة المجتمع بأسره والأمة بأجمعها.
لذلك نطالب: بأن يرجع للسيادة التونسية كامل وجودها وكامل حقوقها وسلطتها ونفوذها قانونيا وعمليا، لا لفظا فقط؛ لأن ذلك من حقوقنا الطبيعية، ولأن أول ضمان للمصلحة القومية العامة لا يكون إلا في سيادة قومية، ويستحيل أن يكون في سيادة أجنبية أو شبيهة بالأجنبية.
ونطالب بأن يرجع إلى أعوان السلطة التونسية نفوذهم، وإلى الموظفين التونسيين كامل حق إدارة بلادهم؛ لأن عون السلطة والموظف وكيل عن الأمة خادم لها، ولأن أول ضمان لأمانة الوكيل وصدق الخدمة لا يكون إلا في لحمة الجنس ووحدة المصلحة الوطنية، وليس من الحق ولا من المعقول أن توكل على مصالحك الأجنبي الطامع فيك القادم لاستثمار بلادك واغتصاب مالك.
ونطالب بأن ينشأ نظام نيابي ديمقراطي يشتمل على النظام البلدي وعلى النظام البرلماني؛ لأننا لم نعد نرضى بمهازل المجلس الكبير ومن فيه من قرود الاستعمار ممن لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يعملون إلا لمصلحتهم الشخصية أو لمصلحة الأقلية المحظوظة التي ينتمون إليها، ولأننا لا نعترف للإدارة ولا لمشعوذي المجلس الكبير ولا للأجانب بحق سن القوانين العامة المنظمة لحياة الأمة، ولا بحق تقرير الميزانية العامة ومواردها ومصارفها، وهي حق من حقوق الشعب المقدسة التي لا يتصرف فيها شرعا إلا وكلاؤه الذين ينيبهم عنه ويرضاهم ويختارهم ويمنحهم حق التشريع والتسيير، وميزانية الدولة خزينة عامة يجب أن يضطلع كل فرد بحظه من أعبائها على قدر طاقته المالية دون تمييز لطبقة على طبقة، ويجب أن تصرف في المصالح العامة دون تفريق لفريق من الناس على فريق، يجب ألا يقررها إلا من يختارهم الشعب اختيارا ديمقراطيا حرا لذلك.
ونطالب بأن يكون هذا النظام النيابي الديمقراطي قائما على مبدأ تحقيق الديمقراطية السياسية والاجتماعية معا، ضامنا لتمثيل الطبقات الشعبية والطبقات الشغيلة التمثيل المناسب لأهميتها وأهمية كدها وعملها ونشاطها، الذي هو أساس ازدهار الثروة القومية. ونطالب بذلك لأننا نريد أن يقوم نظام المجتمع التونسي المجدد على أسس إنسانية سامية هي التي تعمل الطبقة الشغيلة على تحقيقها، فليست غايتنا افتكاك ما في يد الطبقة المحفوظة الآن حتى نحل محلها ونصبح نحن المحظوظين، وليست غايتنا تسليط دكتاتورية العملة على الأمة، بل غايتنا تسليط العدل بيننا وبين سائر طبقات الأمة. وليست الخصومة بيننا وبين فريق من الناس لهم فوق ما لدينا، فنحن نرمي إلى امتلاكه منهم، بل الخصومة بيننا وبين مبادئ النظام الرأسمالي الجائر، نريد أن نعوضه بنظام قائم على العدل والمساواة في الحقوق بين الإنسان والإنسان، وعلى تقدير الكفاءة والاستحقاق بمقدار العمل الصالح النافع المنتج ، وعلى أن قيمة كل إنسان ما عمل وما أفاد بعمله المجتمع.
فالناس يستوون مع الدواب في الحاجيات المادية من طعام وشراب ومرافق معاش، ومن الطبيعي أن يريد أي إنسان هذه الرفاهية المادية؛ لأنها أقل ما يستحقه الإنسان في الوجود، ولكننا لا نكتفي بها ونريد أن يكون معنى الحق عندنا فوق معنى المنفعة، ومعنى السمو والرفعة الإنسانية فوق معنى الرفاهية المادية والتحسين لأحوال معاشنا، نريد أن نغير سلم القيم الانتفاعية البحتة الخاضع لها مجتمعنا الرأسمالي ونظامنا السياسي الاستعماري.
وسوف لا نزال نكافح ونعمل مهما كانت الظروف، حتى نحقق لبلادنا هذا الرقي الإنساني، وحتى يعترف لنا بحق تدبير شئوننا بأنفسنا تدبيرا حرا ديمقراطيا في ظل حرية الأفراد واستقلال الأمة، وسواء أكان المقتعدون لكراسي الحكم وزارة شعبية مجاهدة أو وزارة صورية خانعة وجيش استعمار متجبر، فإننا لن نعمل إلا في جانب العاملين على ضوء مبادئ الديمقراطية الكاملة التي نؤمن بها، ولن نألوا جهدا في مقاومة كل حائد عن سبيلها.
ولهذا يرى المكتب التنفيذي من واجبه أن يطلب من الطبقة العاملة أن تتحد في هاته الظروف الدقيقة التي تغمر بلادنا؛ لأنه بالاتحاد المعزز بالثقة واليقظة وبالعمل الفعال، نتمكن من فك كل القيود والوصول السريع إلى مرامينا.
عن الهيئة الإدارية
محمود المسعدي
Shafi da ba'a sani ba