ثم أعلنت البلدة الإضراب وقامت به في 14 و15 فبراير، رغم التهديد والوعيد وخطة الإرهاب. (2) بنبلة
تم «تطهيرها» في 20 / 2 / 52 من السادسة صباحا إلى الخامسة مساء. احتلها الجند والجندرمة وحاصروها، وأحضر الضابط الفرنسي شيخ البلدة وأعيانها بالمدرسة الابتدائية، وتلا عليهم أسماء 14 شخصا طلب اعتقالهم حالا، وأرسلوا إلى محتشد «زعرور»، وكلف الضابط رجلا ينادي بتأمين الأهالي إذا هم سلموا الأسلحة التي لديهم، فلما تقدم البعض بأسلحتهم اعتقلهم (16 شخصا)، ثم بدأ التفتيش والتحطيم والتبديد، ومن بين المعتقلين شيخان يتجاوز عمرهما 70 سنة، واعتدي بالضرب المبرح على كثير من السكان، وخاصة السيد عامر قاسم الذي أغمي عليه من شدة العذاب، ووقعت أعمال نهب كثيرة، وعلى إثر هذه الأعمال الوحشية مباشرة أذاع أهالي بنبلة بيانا أعلنوا فيه تمسكهم بالمطالب الوطنية وعزمهم على مواصلة الكفاح.
وكانت بلدة «الوردانين» التي لا تلين لها قناة في الوطنية، مسرحا لفظائع تكررت خلال شهر كامل من تبديد للأرزاق والمؤن ونهب واعتداءات وتقتيل، فحوصرت للمرة الأولى في 26 يناير، وحوصرت للمرة الثانية في 9 فبراير، وفي كل مرة يهاجم الجنود البيوت بعد أن يجمعوا الرجال تحت الحراسة المسلحة وتتعالى أصوات النسوة وصراخهن، وقد أجهضت عشرة منهن ونقل بعضهن إلى مستشفى مدينة سوسة. وأخذت قوات الجيش تتردد على البلدة إلى يوم 23 / 2، ففي تلك الليلة استمرت القوات في أعذب الملاهي لديها وهي صيد السكان بالبنادق، فأطلقوا الرصاص على محمد الوسلاتي ويوسف جعفر وهما في طريق العودة إلى منزلهما، فأصيب الأول ونقل إلى المستشفى واعتقل الثاني وسلم إلى الدرك الفرنسي بسوسة.
ولم تنج قرية البرجين من القمع، وطوقتها قوات الشر يوم 22 فبراير، وكان التفتيش وكان الحصار وكان العذاب.
وكان احتلال الجند لبلدة الساحلين يوم 11 / 2، وكان مع الضابط قائمة بثمانية عشر اسما من بينهم اسم سكرتير الشعبة حسين عمامو الذي فتشوا بيته وبعد الانتهاء من التفتيش كسروا ما فيه من زجاج ومرايا وأوان ودواليب بمؤخرة بنادقهم، ثم أخذ الضابط يسأله أمام الأهالي: هل أنت دستوري؟ فأجاب: نعم أنا دستوري. وكان بالقرب من الضابط صبيان عمرهما 12 سنة و14 سنة، فتقدم أحدهما وقال: ليس هو وحده دستوريا، إن كل الأهالي هنا دستوريون. فسأله الضابط: وأنت؟ قال: نعم أنا دستوري، وسأل الطفل الثاني، فأجاب بنعم، فألقى عليهما القبض وأخذهما مع المعتقلين، وإن لم يكن اسمهما موجودا بالقائمة. وأخرج الضابط واحدا من هؤلاء وأمره أن يهتف بسقوط بورقيبة وبحياة فرنسا، فصاح السجين: «يحيا زعيمنا الأكبر بورقيبة»، فأرسل عليه كلبا من كلاب الجيش عضه في رجله اليمنى ومزق عضلاتها، ونقل إلى المستشفى وقد أصيبت رجله بالتعفن.
وصلت القوات الفرنسية إلى بلدة طبلبة يوم 4 فبراير مساء وأحاطت بها حالا، وفي صباح 5 فبراير طلب من جميع السكان البالغ عمرهم من 15 إلى 80 سنة الخروج إلى ميدان البلدة، فأخرج الضابط الفرنسي تجريدة بها أسماء أعضاء الهيئة الدستورية، وطلب من الحاضرين أن يسلموا ما عندهم من السلاح، ثم أصدر أمره بأن يتقدم له كل من ينادى باسمه، ومن كان غائبا اعتقل أبوه وأمه وزوجته وأبناؤه وبقية أفراد عائلته، وسيق الجميع إلى ثكنة سوسة.
وكان الجيش أثناء ذلك يفتش البيوت، ويفعل فيها ما اعتاده من أفاعيل.
وأصبح الفرنسيون يستعملون الكلاب البوليسية على نطاق واسع، وقد أطلق الجنود في ذلك اليوم كلابهم على التونسيين، فنهشتهم نهشا وقطعت لحومهم، وما زال عدد كبير من أبناء طبلبة يحملون في أجسامهم آثار عض الكلاب، وقد أصيب اثنان من الدستوريين بجراح خطيرة من جراء ذلك. وتفننوا في التعذيب والتنكيل، فبعد أن حطموا نادي الشعبة الدستورية وأتلفوا ما فيه ومزقوا الأعلام التونسية، أخذوا علما منها وناولوه إلى أحد الكشافة واصطفوا صفين وأجبروه على الجري بينهم من غير إمهال ولا راحة، وكلما تعب أو توقف انهالوا عليه ضربا، وتقاذفوه بينهم وهم يتضاحكون، إلى أن مزقت ثيابه وسالت دماؤه وكست جسمه وسقط مغشيا عليه. ولما أفاق أصبح كالتائه الفاقد لرشده من كثرة التعذيب، وخرج ولم يعلم إلى حيث اتجه.
وقد طلب الجند من بعض الشبان أن يرتدوا أزياء الشبيبة الدستورية، وعندما لبسوها طلب منهم أن ينادوا: «يسقط بورقيبة»، فلم يمتثل أحد منهم، فكان نصيبهم الضرب بمؤخرة البنادق والتعذيب بالتيار الكهربائي أو بالمياه الباردة. ورغم هذا كله كان جواب جميع التونسيين: «يحيا بورقيبة».
وبقيت طبلبة الجريحة مدة أشهر تعيش حياة مرهقة تحت الإرهاب والاضطهاد، وقد فقدت كل وسائل المعيشة بعد أن شرد قادتها وأبناؤها ووزعوا بين معتقل «زعرور» وثكنة الجيش بسوسة وسجن المهدية والسجن العسكري بتونس، والبريد أيضا مقطوع عن البلدة تلك المدة كلها.
Shafi da ba'a sani ba