الغش في الخبز
وفي " أحكام السوق" أن من اشترى خبزة فكسرها أو أكل اليسير منها فوجد فيها حجارة فليردها مع قدر ما أكل منها على البائع ويأخذ ثمنه ويرجع البائع على الفران بثمنها المدفوع وتلزمه قيمتها على أن فيها الحجارة وينهى صاحب الفرن عن هذا ويؤمر بأن لا يطحن القمح حتى يغربله وينقيه من الحجارة والغلث ولا يرخص لهم فيه فإن علمه بالحجارة بعد التقدم إليه تصدق به عليه أدبا له. وسئل المازري هل يحبس مع الصدقة بالخبز قال نعم أرى أن ينهى أن يعمل خبزا يبيعه في الأسواق كذلك فإن وجد الخبز عند أصحاب الحوانيت ناقصًا فإنه يؤدب الفران والبائع وصاحب الحانوت إن علم بنقصه ويخرج من السوق لأنه قديحة فيه.
ولابن طالب عن ابن عبد الحكم إذا وجده ناقصًا عن المعلوم في السوق يكسره على صاحبه ويأمر ببيعه وزنًا أو جزافًا وإن وجده كثير الحصا كسره أيضا ويمنع بيعه إلا من رجل صالح يؤمن من أن يغش به. وكذلك وقع الجواب لصاحب السوق عن الخبز يصيبه عند أصحاب الحوانيت عجينا لم ينضج بأن لا يباع في السوق أصلا ويؤدب الفران وصاحب الحانوت إن علم بعيبه فلا رد له ويؤدب ويلزمه الثمن وإن لم يعلم فلا أدب عليه ويرجع بالثمن على الفران بعد رده قال في جامع الأحكام وسمعت اليوم أنهم يؤدبون صاحب الحانوت خاصة وعليه يقع التكليف بجميع ما وجد بالخبز من عيب لأن التقدم إنما هو إليهم ألا يدخلوا في الأسواق ما هو غش وأيضًا فإنهم يعرضون عن أصحاب الأفران لأن عليهم وظائف لعمالهم فلا يقدرون على الانتقام منهم.
قلت ما ذكر من إعراض ولاة الأسواق عن أصحاب الأفران بالأدب والانتقام لما يؤدون لهم من الوظائف كذلك هو عندنا وليس لذلك الوظيف سبب وإلا أن يعاضوا عنه بتركهم على عمل ما يبتغونه من الغش الذي يستفضلون به كثيرا من الربح السحتي لعدم مبالاتهم بخسارة دينهم في صلاح دنياهم فالواجب إذا أن يحتسب على الوالي عليهم قبلهم ويكون الضمن بالأدب المبرح دونهم لأنه الآخذ منهم العوض على عمل الغش وآكل السحت وربما باشره من أكل ذلك السحت بنفسه ما قد يحتاج له من أخذ دقيق ونحوه فلا يمكن أحدهم أخذ ثمن فيه والله يعلم المفسد من المصلح.