[علمه وفطنته]
الأولى: ما زاده الله من سعة العلم، ولا سيما الفقه الذي المدار عليه والمرجوع إليه، فإن كل فقيه من أهل العصر قطع فيه تحقيقه وكفى دليلا على صدقهم ما يراه المتأمل والسائل، إن الجواب في مذهبه وحكاية غيره كأنما هو في راحة يده اليمين، أو في طبق من صين وقد صرح بذلك الإمام الهادي -صلوات الله عليه- وغيره أنه من المرجحات.
الثانية: جودة الفهم والذكاء والفطنة، فلم أر أجلى الأمور المشاهدة مثله، وكذا سمعت كثيرين يذكرون ذلك، أما في العلم وما يتعلق به فظاهر، وأما في فصل الخصومات [3/ب]، أو المواعظ النافعات، أو الكلام الذي يتعلق بالبيان والتعليمات، فكأنه لا يعرف شيئا منه قبل الكلام فيه، فإذا التفت إلى باب منه فكأنما أطل على حقيقته وشاهد كنه دخيلته وكأنما يغرف ذلك من بحر، ولا يتكرر شيء من درر كلامه كما يجري لكثير من غيره، ولقد عرفته قبل الدخول في الإمامة، وهو لا يعرف كثيرا من أحوال الناس لما كان عليه من الخلو بالعلم، والشغف به، وكان لا يخالط غير أهله، ولا يأنس إلى سواه في نهاره وليله.
ولما حضرت معه بعض المجالس في يوم المظالم في الشهر الثالث والرابع من دعوته فكأنما شاهدت غير من عرفت، وأقسم بالله إني تأملته فإذا هو خلاف ما عهدته من جميع أحواله، وأنه فصل خمس خصومات في خمسة مقايل في كل مقيل دعوى وبينة لقوم آخرين مع غير ذلك مما عرض في ذلك المجلس من وافد وسايل ومسلم وهذه الزيادة هي أعظم ترجيح، وقد ذكرها علمائنا، حتى قال بعضهم لم يشترط السلف مع الورع غيرها.
Shafi 102