ثم اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقدموه وبايعوه على القيام بأمر الله ومضى على ذلك ما شاء الله من الزمان؛ وقاتل أهل الفتنة القائمين لقتاله المتسترين عند العوام بطلب دم عثمان حتى قتل منهم ألوفا وهزم صفوفا ثم رجع الفهقرى وحكم الرجال على حكم أمضاه الله ليس أحد أن يحكم فيه برأيه فعاتبوه فلم يعتبهم وخاصموه فخصموه , فكانت لهم الحجة عليه فهم أن يرجع إليهم ويترك ما صالح عليه البغاة من التحكيم في حكم الله فقامت عليه رؤساء قومه فأنزلوه عن استقامته وأضلوه عن بصيرته فأطاعهم وعصى المسلمين فاعتزلوه بعد أن خلع نفسه بتحكيم الرجال في إمامته وهو يظن أن الأمر باق في يده وهيهات فقد أعطى العهود والمواثيق على قبول حكم الرجلين فصارت الإمامة يلعب بها الحكمان أن قدموه أو عزلوه؛ فاعتزله المسلمون عنه ذلك وقدموا على أنفسهم إماما وهو عبدالله ابن وهب الراسبي , فسار علي فقاتلهم بالنهروان حتى قتل جماعتهم الذين هنالك وهم قدر أربعة آلاف رجل لم ينج منهم إلا اليسير , وهم يرون أن الموت هو النجاة وهو الرواح إلى الجنة , فبقي من بقى منهم في الأمطار والنواحي وهم خلق كثير فبقوا متمسكين بما وجدوا عليه أسلافهم عاضين على وصية النبي صلى الله عليه وسلم في إتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده , فنصبوا على ذلك الأئمة وذهبوا في رضى الله الأنفس , وفارقوا في حبه نساءهم وأبناءهم ومساكن يرضونها حتى أقاموا شعار الإسلام , وظهر الدين بين الخاص والعام في أقطار من الأرض , فأظهروا للناس معالم الإسلام وذكروهم بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام , فأمرنا تبع لأئمة المسلمين قبل نزول الفتنة ورأينا اليوم تبع لرأيهم , وتأويلنا القرآن تبع لتأويلهم.
Shafi 65