والقسمان الآخران وإن أمكن أن يكون فيهما ما صدر عن استدلال عقلي في مسألة عقلية أو اجتهاد في حكم واقعة لم نجد فيه نصا فإن الشافعي وأبا يوسف - رحمهما الله - جوزاه وتوقف فيه الباقون غير أبي علي وابنه فإنهما منعا وجمع فرقوا بين الحروب وغيرها إلا أن ظاهر قوله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ [النجم:٣ - ٤] يمنع ذلك
فإن قلت: من المحتمل أنه تعالى أوحى إليه وأمره بالاستدلال والاجتهاد وحينئذ يكون ما قاله استدلالا واجتهادا قولا بالوحي واتباعا له.
قلت: أخبر ﷾ أن ما يقوله وحي لا أنه بالوحي وتسمية ما يكون مسببا عن الشيء باسمه مجاز والصل يمنعه فظهر إذا أن الأحاديث كالآيات في كونها وحيا منزلا من عن الله تعالى لكنها تفارقها من وجوه:
الأول: أن الكتاب هو المنزل لأجل الإعجاز والتحدي به ولا كذلك الحديث.
والثاني: أن ألفظ القرآن متعبد بها لا يجوز تغييرها وتعويضها بما يفيد عين فائدتها بخلاف السنن فإن أكثر الأمة على جواز نقلها بالمعنى
والثالث: أن ألفاظ القرآن ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وليس لجبريل ولا للرسول - صلوات الله عليهما - تصرف فيها أصلا
1 / 9