التوبة واعفو عن الذنب وانذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبدا نصبه للحساب إلا هلك وأيضا المعصية المستعقبة ندما أو خوفا خير من الطاعة المستعقبة عجبا لاضمحلالها به ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه ويعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك فلأن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه وعنه (ع) قيل له الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب فقال هو في حاله الأولى وهو خائف أحسن حالا منه في حال عجبه وفي الحديث النبوي لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب هذا حال العلم والعمل وهما أقوى الخصال وأدخل في الكمال والبلوى بهما على الخواص والبواقي ضعيفة ليست بذاك لكن لا بأس بتثنية القول فيها تحقيقا لما سبق من موهومية كمالها وتفصيلا لاجماله أما النسب إلى السلاطين وأرباب المناصب الدنيوية فلأنه لو كشف له أحوالهم في الآخرة وتعلق الخصماء بهم وما يستحقونه من التعذيب بما تحملوه من المظالم التبرأ من الانتساب إليهم فضلا عن الاعجاب بذلك وأما إلى العلماء والمرشدين وأصحاب الدين الذين يرجى لهم النجاة فلأن خواتم العباد مستورة وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فلا قطع على النجاة في المنسوب إليه فضلا عن المنسوب وأما إلى من يقطع فيه بالنجاة ويرجى شفاعته كنسب الفاطميين فلأن الشفاعة مختصة بمن أذن له الرحمن ورضي له قولا وهذا الشرط غير مقطوع التحقق وحال هذا المعجب أشبه شئ بحال المريض المنهمك في شهواته اعتمادا منه على طبيب حميم جهلا منه أن معالجة الطبيب لا تنفع في كل مرض ومشروطة بعدم بعد المزاج جدا عن الاعتدال الصحي وبأمور أخر لا يعلمها إلا الطبيب وعن السجاد (ع) أنه قال له رجل أنتم أهل بيت مغفور لكم فغضب فقال نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى الله عليه وآله من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب وعن الوشاء قال كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا (ع) في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن وأبو الحسن (ع) مقبل على قوم يحدثهم فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال يا زيد أغرك قول ناقلي الكوفة أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فوالله ما ذلك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة فأما أن موسى بن جعفر أطاع الله يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت ثم تجيئان يوم القيامة سواء لأنت أعز على الله منه إن علي بن الحسين كان يقول لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب الحديث فتبين أنه لا يصلح النسب مطلقا للتعويل وعن السجاد والصادق (ع) في قوله (تع) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون والله لا ينفعك إلا مقدمة تقدمها من عمل صالح وهو بالحقيقة تعزر بكمال الغير ومن ثم قيل لئن فخرت بآباء ذوي نسب - لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا - فالمعجب هو به إذا كان خسيسا في صفات ذاته فأنى يجبر خسته كمال غيره بل لو كان الذي ينتسب إليه حيا لكان له أن يقول الفضل له ومن أنت إلا دودة خلقت من فضلتي وكذا لا تعويل على الجمال الظاهر كما ربما يقع من النساء ومن في طبعه خنوثة من الرجال ويندرج فيه حسن الصوت وحسن المقال فعما قليل ينضب ماؤه ويذهب رونقه ورواؤه وأيضا فالاعتبار للباطن أي الجوف والقلب وهما مملوءان بالأقذار والرذايل الصورية والمعنوية وفي الحديث إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وقد عاب الله (تع) قوما من أهل الجمال بسبب خبث ضمائرهم في قوله وإذا رايتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة وأما ما ورد من أن الله جميل يحب الجمال فالظاهر أن المراد به ليس الجمال الصوري بل الجمال الكسبي وهو تهذيب الأخلاق فإنه الزينة الحقيقية كما ينبه قوله (ع) اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم وقوله (ع) زينة الرجال الأدب وكذا لا تعويل على المال وهو أو هي من النسب فإنه عظيم الغوايل إثمه أكبر من نفعه يغدو ويروح يسلبه السارق والغاصب وتتوارد عليه الآفات الأرضية والسماوية وقد قص الله نبأ الرجلين المتحاورين إذ قال المعجب منهما أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا إلى أن أحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها ونبأ قارون الذي ملك من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولو القوة وقال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فقال إنما أوتيته على علم عندي فخسف الله به وبداره الأرض وقد شاهدنا كثيرا من المستريحين إلى أموالهم المعجبين بها بما استأصلتهم الحوائج وأذهبتها النوائب كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ فهلكوا جوعا وبقيت عليهم التبعات ولا القوة البدنية فعما قليل يهدمها الهرم أو يضعفها السقم ويقعد عنها الملوان فيهم بأمر الحزم لا يستطيعه وقد حيل بين العير والنزوان ولا الأتباع والأولاد والعشاير كما قال الكافرون نحن أكثر أموالا وأولادا فإنهم لا يغنون عنه شيئا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وكلما كانوا أكثر كان الابتلاء بهم أعظم والنظر في أمورهم والقيام بمصالحهم أعسر و مع ذلك فلا يؤمن عليهم الزوال في شئ من الأحوال وقد أخبر الله عز وجل عن الأمم بقوله فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون أي أي آيسون من النجاة والرحمة متحسرون هذا بيان العلاج العلمي وأما العلاج العملي وهو الأقوى فإن يلتزم المعجب بخصلته الكمالية تتبع أحوال من هو أكمل منه في تلك الخصلة ليستحقرها من نفسه فإن العالم المواظب على مجالسة الجهال يرى علمه عزيزا فيهم ويحصل بذلك في قلبه هزة معجبة فإذا جالس من هو أعظم منه ورأى إحاطته بما لم يحط به استجهل نفسه واستنقص علمه وزال عنه ذلك الاستعظام وذلك كراكب هجين بين قافلة الحمير فإنه يرى نفسه فارسا وفرسه سباقا وإذا تسابق مع راكب جواد انقطع عنه وتبين له نقصه وقصوره وزال عنه اعجابه بهجينه فإن لم يجد في بلده من هو أعلم منه فليكب على مطالعة
Shafi 56