بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي اللهم إنا نحمدك حمدا يكون لنا وسيلة إليك وذريعة للزلفى لديك وذخيرة ليوم العرض بين يديك ونشكرك شكرا نستوجب به الفواضل من نعمك ونستوهب النوافل من كرمك ونسألك أن تصلي وتسلم على رسلك وأنبيائك وأمنائك وأوليائك سيما حبيبك نبي الرحمة ومعلم الكتاب والحكمة المبعوث باكمال الدين واتمام النعمة الصادع بشرايع الأحكام العادلة الداعي إلى مكارم الأخلاق و محاسن الخصال الفاضلة وعلى أهل بيته الأخيار الأطهار وخلفائه الراشدين الأبرار وصحابته المرضيين الأخيار ما تعاقب الليل والنهار وتعاورت الظلم والأنوار وأن تشرح صدورنا بحاق الحق وتهدينا للتي هي أقوم وأحق وتثبتنا على الهدى وتثبطنا عن الردى وتوفقنا لتطهير السر عما سواك وتوقفنا في منشعبات الأهواء على ما فيه رضاك وتعيذنا من كل ما نبوء بإثمه وننوء وتعصمنا من شرور أنفسنا الأمارة بالسوء إنك سميع مجيب وبعد فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربه المفرط في الجهالة المضيع عمره في البطالة عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الموسوي غفر الله بفضله ذنوبه وستر عوراته وعيوبه هذا أيها الأخ الوفي والصديق الصفي والحبر الملي والخليل الجليل العلي أعلى الله قدرك ورفع ذكرك وأصلح أعمالك وحقق آمالك وكثر في الأولياء أمثالك ما توجهت إليه همتك وتوفرت عليه نهمك وتكثر له طلبك وانحصر فيه إربك وعكفت عليه قديما ووليت وجهك شطره مستديما من تعليقة خفيفة على كتاب النخبة للعالم العامل والمرشد الكامل المولى محمد محسن الكاشاني تغمده الله بغفرانه وأسكنه بحبوحة جنانه وجيزة النظم غير كبيرة الحجم تبين عن رموزها وتدل على كنوزها و تفصل مجملاتها وتحل مشكلاتها مقتصدة عن الاخلال والاملال ممتزجة بها امتزاج الماء الزلال بالخمر الحلال موسومة بالتحفة السنية في شرح النخبة المحسنية وقد كان تصدى لهذا المرام والدي العلامة الإمام أعلى الله مقامه في دار السلام فشرح منها بضعة في مجلد يسير وعاقه عن انهائه عوائق الدهر العسير وأرجو من الله أن يسعدني لتمامه التوفيق ببركات الأنفاس الأخ الشفيق المقصود اسعافه بهذا التعليق واعتمدت فيه غالبا في ايضاح العبارات وافصاح الإشارات على ما وقع إلي من كلام المصنف في سائر كتبه وفوائده لأنه أعلم بمقاصده وكذا في نقل الاجماعات والأقوال ونقد الأخبار بحسب الرجال إلا فيما بان لي نادرا رجحان خلافه بعد إجالة النظر في أطرافه فليشبع في مواطن الاختلاف البخت و التنفير لتحقيق الحال وتخليص البر من الشعير وبالله أستمد وأستعين إنه نعم المولى ونعم المعين قال المصنف شرح الله صدره وأضاء في سماء الرضوان بدره بسم الله الرحمن الرحيم الباء للاستعانة أو للملابسة وربما يرجح الأول بأنه أقرب إلى تمام الانقطاع لاشعاره بأن الأمر لا يتأتى إلا بمعونته والثاني بأنه أدخل في التعظيم فإن التلبس باسمه (تع) تيمنا وتبركا أجل من جعله آلة لتبعية الآلة وابتذالها وفيه أن التلبس لا يدل على الوجه المذكور بوجه مع أنه كثيرا ما يكون على وجه التبعية والاستعانة في ذلك بالمقام مشترك فإن ذكره (تع) مما يتبرك به كيف كان والاستعانة به لا ينافي ذلك بل يؤكده على أن الاستعانة بشئ ملزومة بملابسته ولا عكس وفي الحديث بسم الله أي أستعين في أموري كلها بالله وكيف كان فلك اضمار المتعلق خاصا وعاما أي أصنف أو أبدأ ويرجح الأول بأن ما يدل على الاستعانة بالاسم الأقدس في مطلق الفعل أولى مما هو صريح في التقييد بابتدائه والثاني باقتضائه العمل بحديث الابتداء لفظا ومعنى و فوات الامتثال اللفظي في الخاص وهو كما ترى وفعلا واسما ويرجح الأول بزيادة التقدير على الثاني ومقدما ومؤخرا ويرجح الأول بأنه الأصل والثاني بما فيه من تقديم ما هو إلا حق به واقتضائه القصر وأما الحديث فيمكن حمله على بيان حاصل المعنى لا المتعلق المقدر في نظم الكلام وقيل الباء للالصاق والمعنى أبدأ في الكتاب باسم الله وهو أوفق بحديث الابتداء مضافا إلى اشعاره بأن اسمه (تع) أهم أجزاء المقصود إلا أنه غير مطرد والاسم ما دل على المسمى وورد أنه سئل الرضا (ع) عن الاسم ما هو فقال صفة لموصوف وحذفت ألفه خطأ لكثرة الاستعمال المناسبة للتخفيف والاستعانة إنما هي بالمسمى وأقحم الاسم تأدبا وتعظيما له ولكونه أوفق بالرد على القائلين باسم اللات والعزى وعن الرضا (ع) معنى قول القائل بسم الله اسم نفسي بسمة من سمات العبادة قيل ما السمة قال العلامة والله اسم لهذا المعبود الحق الذي دعا إليه الأنبياء وفي الحديث أنه أعظم اسم من أسمائه (تع) لا ينبغي أن يتسمى به غيره وفي حديث آخر أنه مشتق من إله والرحمن والرحيم صفتان من رحم كعلم أو حسن منقولا مع زيادة مبالغة في الأول مدلولا عليها بزيادة المباني ومن ثم خص به سبحانه حتى صار علما أو كالعلم لأنه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ومن ثم حسن توسطه بين الاسم والصفة المحضين ونزل منزلة الاسم في استعماله غير تابع نحو الرحمن علم القرآن وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن وعودل به الاسم مخيرا بينهما في الدعاء في قوله (تع) ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ويعرب
Shafi 1
في البسملة ونحوها بدلا وما بعده نعت له لا لاسم الجلالة إذ لا يتقدم البدل على النعت وأما تسمية مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن باب التعنت في الكفر والخروج عن قانون اللغة كما قيل وفي الحديث الرحمن اسم خاص بصفة عامة والرحيم اسم عام بصفة خاصة وفي حديث آخر الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة وفي الدعاء المأثور يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة وفيهما إيماء إلى معنى العموم والخصوص فيهما فإن الرحمة في الدنيا تعم الصالح والطالح بخلافها في الآخرة وبما تلوناه ظهر لك في الجواب عن السؤال بأنه لم قدم الرحمن مع أن تقديم غير الأبلغ فيقال عالم نحر يرد جواد فياض وجهان وقيل إن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها فتعقيبه بالرحيم من قبيل التتميم ليشمل ما خرج منها وفيه أنه غير مرتبط بالسؤال وإنما يصلح وجها للجمع بينهما ومن ثم لو عكس الترتيب لكان الشمول المطلوب حاصلا أيضا وربما يقرر بوجه آخر وهو أن الملحوظ أولا في باب التعظيم والثناء هو عظايم النعماء وجلائل الآلاء وما عداها يجري مجرى التتمة والرديف وهو أقرب إلى السداد وأسلم من الايراد وأما ما في بعض الأدعية يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما و يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا فمن باب التوسع أو لاختلاف الاعتبارات الحمد لله انشاء للحمد وهو الثناء على ذي علم بكماله بالجملة الاسمية الدالة على الاستمرار والدوام لأنه أبلغ في المرام و أليق بالمقام واللام الأولى جنسية أو استغراقية والثانية اختصاصية تفيد القصر على المشهور والموصول في قوله الذي أوضح بأئمة الهدى بصلته ومتعلقاتها نعت أتى به للمدح مع ما فيه من بسط الكلام حيث الاطناب مطلوب والتبرك بذكرهم (ع) والتنبيه من أول الأمر على أن موضوع الكتاب إنما هو من علوم أهل البيت صلوات الله عليهم ففي الحديث كل علم لم يخرج من هذا البيت فهو باطل والباء للآلة والإضافة لامية إما لملابسة الآلية كما في ثوب الزينة أو السببية كما في سفينة النجاة أو الفاعلية كما في ذباب العسل وطوى المضاف إليه للتعميم أو هو المذكور تجوزا ايذانا بأن الحق يدور معهم حيث داروا والجار في قوله من أهل بيت النبوة للنبيين أو للتبعيض متعلق بمحذوف وفي قوله عن دينه القويم بفعل الإيضاح لتضمنه رفع الإبهام عن الموضح ودين الله المعتدل هو الاسلام الذي ارتضاه الله دينا لهذه الأمة المرحومة بتبليغ النبي المختار صلى الله عليه وآله والناس يومئذ خابطون في الجهالة تائهون في العمة والضلالة فاليهود في نكدهم ومساويهم والنصارى في توسعهم ومخازيهم والمجوس في سرفهم وتعظيمهم النيران والهنود في حيرتهم وعبادتهم الثيران والعرب في جلافة طباعهم ورداءة أوضاعهم والعجم في ترفهم واتباعهم الشهوات وعكوفهم على الأباطيل واللهوات فندبهم جزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته إلى الصواب والسداد ونظم لهم أمور المعاش والمعاد ودعاهم عن الميول الباطلة والأهواء الزائغة إلى العدل والصلاح والرشاد بحيث إن كل عاقل لبيب رزق حظا من الانصاف إذا أمعن النظر في كليات قواعد الملل والنواميس التي يتدين بها يضطر من نفسه إلى الاذعان بأن أشرفها وأعدلها وأقربها إلى النجاة وأكملها وأحقها بالقبول وأمثلها حتى أن الملاحدة المنكرين للنبوات المعتقدين في الأنبياء أنهم حكماء راسخين معترفون بأن الصادع به كان أكمل الحكماء وأقومهم نفسا وأوسعهم نظرا وأدقهم فكرا وأصوبهم رأيا وأرسخهم حكمة وأحسنهم سياسة وأعلمهم بمصالح الخلق في دهره وفي الدهور المتطاولة الغابرة لما يرونه بالنظر الكلي من رزانة قوانين الاسلام واتقان الشرع الأقدس ونظامه الأكمل الأتم وصلاحه الأوفى الأعم وإحاطته بجميع ما لا بد منه مما له مدخل في سعادة الدين والدنيا بحيث لا يكاد يفرض أمر من الأمور الكلية والجزئية كائنا ما كان إلا وشملته أحكام الشريعة الواسعة البيضاء على الوجه اللائق وله فيها حد لا يسوغ التعدي عنه والتخطي إلى ما سواه بما فيها من السماحة والسهولة واليسر والخلوص عن الحرج والإصر والعسر ومن ثم من الله على عباده في غير موضع من كتابه بأن هداهم للاسلام وجعلهم أمة وسطا وحيث إن الشريعة المحمدية باقية مستمرة بامتداد زمان التكليف اقتضت الحكمة البالغة الإلهية والرحمة الواسعة السبحانية أن يقوم بالأمر بعد انقضاء عهد النبوة من يتم به الحجة في كل عصر على أهله يبين لهم من أحكام الدين ما أبهم عليهم ويفصل لهم من العلوم والمعارف التي ورثها عن النبي ما يحتاجون إليه مما لم يبلغهم عنه أو بلغهم اجمالا ولم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وهو الخليفة الحق والإمام المطلق فصارت الأئمة (ع) وسائط في ايضاح الدين وهداية المهتدين كما أن الآلة واسطة بها يعالج الفاعل فعله ومن ثم يسند الفعل إلى الفاعل تارة ويدخل الباء على اسم الآلة إن ذكر فيقال رأيته بعيني وإلى الآلة أخرى فيقال رأته عيني ومساق الكلام على الوجهين على وجه وأبلج أي أوضح بأنوار آثارهم وهي الأخبار المتضمنة لحكاية أقوالهم أو أفعالهم أو تقريراتهم والإضافة الأولى إما بيانية كما في لجين الماء أو من الاستعارة المكنية المخيلة أو لامية كالثانية فالثاني لا غير وهو من أحسن التشبيهات ففي الحديث النبوي أن على كل صواب ويقرب منه القول في قوله في ظلمات البدع والأهواء والبدع جمع بدعة بكسر الباء وهي في اللغة اسم من ابتدع الأمر إذا ابتداه وأحدثه كالرفعة والخلفة من الارتفاع والاختلاف وفي الشرع قيل هي احداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين (ع) في معاني الأخبار أن السنة ما سن رسول الله والبدعة ما أحدث بعده وإليه نظر العلامة في نهاية الأصول من قسمها إلى الأقسام الخمسة قال العلامة في نهاية الأصول والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قول الشريعة فإن دخلت في قواعد الايجاب فهي واجبة كالاشتغال بعلوم العربية التي بها يفهم كلام الله وكلام رسوله وتدوين الحديث والكلام في الجرح والتعديل لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أو في قواعد التحريم فمحرمة مثل مذاهب القدرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة أو الندب فمندوبة كاحداث الربط والمدارس وكل احسان لم يعهد في العصر الأول أو الكراهة فمكروهة كزخرفة المساجد
Shafi 2
وتزويق المصاحف أو الإباحة فمباحة كالتوسع في اللذيذ من المآكل والملابس والمساكن وتوسيع الأكمام ونحوها وقيل إن اسم البدعة لا يطلق إلا على ما هو محرم من هذه الأقسام وهو الموافق للأصل وفي الحديث المستفيض كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار وقد كثر في الأدعية المأثورة الاستعاذة من البدع وسؤال التوفيق لمجانبتها والأهواء جمع هوى بالقصر وهي ميل النفس إلى ما تشتهيه من حق أو باطل ثم غلب استعماله في الثاني لأنه الغالب بحيث لا ينصرف الذهن عند الاطلاق إلا إليه وعليه قوله (تع) ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقوله سبحانه أرأيت من اتخذ إلهه هواه وقول أمير المؤمنين (ع) إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول الأمل ولأجل هذا التشديد العظيم الواقع في أمر البدع والأهواء حسن تشبيهها بالظلمات أو ذواتها لجامع السببية في الضلال عن السبيل المقيم والجار في قوله عن صراطه المستقيم متعلق بفعل الابلاج كما في الفقرة الأولى والصراط المستقيم هو حاق الحق والعدل المطلق وذلك أن النفس الانسانية واقعة في جميع أحوالها بين رذائل متخالفة متعاندة واقعة على طرفي الزيادة والنقصان وذمايم بينها كمال التنافي حاصلة على طرفي الافراط والتفريط كلما تباعد الانسان عن أحدهما تقارب إلى الآخر ولا مخلص منها إلا بالاقتصاد التام وملازمة الوسط الحقيقي الذي هو غاية البعد عن الطرفين ونهاية الانفكاك الممكن عنهما ففي اعمال القوة الشهوية يكون ملازما للعفة التي هي التوسط بين افراط الفجور وتفريط الخمود وفي القوة الغضبية للشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن وفي القوة الفكرية للحكمة المتوسطة بين الجربزة والبلاهة والمراد بها هنا ما يقارب الفطنة وحسن الانتقال منا المبادي إلى الغايات وهذه هي أصول الفضائل المحصلة للعدالة الظاهرة فالعفيف لا فاجر ولا خامد والشجاع لا متهور ولا جبان والحكيم لا جربز ولا إبله وهكذا يختار التوسط والأمر بين الأمرين في سائر الأخلاق والأعمال المنشعبة عن الأصول المذكورة ففي المعاشرة التواضع المتوسط بين التكبر والتخاسس والبشاشة بين التزمت والدعابة والحلم بين الطيش والمهانة والمروة بين الآنفة والدنائة وفي الاكتساب السعي الجميل بين الحرص والكسل وفي المعيشة التقدير بين التبذير والتقتير وفي البذل السخاوة بين الاسراف والبخل وفي الأكل والشرب والنوم والكلام وغير ذلك لا يخرج عن الاعتدال والاقتصاد حتى في العبادة يكون ملازما للرفق خارجا عن مرتبة الإضاعة غير بالغ حد الايغال الذي هو الاكثار منها بحيث يعقب الملال وانتهاك البدن ومن ثم كره صوم الدهر بل وفي مودة ذي القربى يكون مقتصدا ومتقصرا على مرتبة الولاية متجاوزا عن تفريط النصب متقاصرا عن افراط الغلق والتفويض فهذه هي الطريقة المثلى الموصلة إلى الرفيق الأعلى وفي الحديث الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة وفي حديث آخر الصراط أدق من الشعر واحد من السيف وذلك أن الوسط الحقيقي بين الأمور المتنافية كمال التنافي يكون في غاية الغموض والبعد عن الادراك لأنه أشبه شئ بالخط الهندسي الفاصل بين الظل والشمس الذي لا عرض له أصلا ولأجل ذلك لا تؤمن غائلته ولا يبعد أن يكون هذا الصراط في الدنيا هو الجسر المدود على متن جهنم الذي يمر عليه المؤمنون إلى الجنة في النشأة الآخرة وما ورد من أن منهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم مثل عدو الفرس ومنهم من يمشي حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا إلى غير ذلك من الأحوال المختلفة مسببا عن اختلافهم الشديد في مراتب القرب من العدل الحقيقي والبعد عنه وتفاوتهم في قلة الالتفات إلى الميول الطبيعية و كثرته وهذا كله مبين في كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل البيت صلى الله عليه وآله ومن ثم ورد في تفسير البطون تفسير البطون الصراط المستقيم بالقرآن وبالإمام وعقب الحمد بانشاء الصلاة والسلام على محمد وآله قضى لحقوقهم وتبركا بذكرهم (ع) المعصومين من الذنوب بالاجماع والسهو والنسيان على المشهور ما دامت الصلاة والتسليم وهي أبد الأبدين كما في بعض الأدعية المأثورة صلاة يصعد أولها ولا ينفد أخرها وفعل الدوام تام لا يحتاج إلى الخبر كما في قوله (تع) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض و بعد الحمد والصلاة السلام فيقول خادم العلوم الدينية وهي العلوم الثلاثة الأخروية التي يأتي بيانها وهي المسماة بالفقه في الصدر السالف وخدمتها عبارة عن الاشتغال بها ونشرها وترويجها وكثيرا ما يصف المصنف وهو محمد بن مرتضى الملقب بمحسن أحسن الله إليه نفسه بهذا الوصف يتمدح به و يتبجح ومن ثم قدمه على الاسم مع أنه بحسب المعنى نعت حقه التأخير اهتماما به وشوقا إليه وحق له ذلك فإنه لم يجتهد أحد من علماء المائة الحادية عشر اجتهاده في ذا الباب وقد بلغ في كثرة التصانيف المختصرة والمطولة وتلخيص المعاني وتقريبها إلى الأفهام والتوفيق بين العقل والشرع وتسهيل الأمر على الناظرين مبلغا لم يسبقه إليه سابق ولا يشق غباره لاحق وفي التسمية على الوجه المذكور إشارة إلى أن الاسم في هذه المركبات التي شاعت التسمية بها في هذه الأعصار المتأخرة إنما هو الجزء الأول لا غير فالتركيب تقييدي خلافا لمن جعله مجموع الجزئين واعتبر التركيب مزجيا وبيان مقالته إن الله (تع) خلق الانسان في أحسن تقويم وجعله في الأرض خليفة وخصه بالتكريم وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب وقد ورد عن الصادقين صلى الله عليه وآله تفسير الحكمة بوجوه متقاربة يعمها جميعا ما قيل إنها خروج النفس إلى كمالها الممكن في قوتيها العلمية والعملية معا فهي مركبة من جزئين علم هو تصور حقايق الموجودات والتصديق بأحكامها وما يتبع ذلك وعمل هو ممارسة الحركات الإرادية ومزاولة الصناعات الاختيارية لاخراج ما في القوة إلى الفعل على وجه يؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد وينقسم الجزء العلمي بحسب المعلومات إلى قسمين لأنها إما أن يتوقف وجودها على الحركات الإرادية الانسانية أو لا ويسمى الأول حكمة
Shafi 3
عملية لتعلقها بالعمل والثاني حكمة نظرية تسمية للنوع بوصف جنسه وتنقسم الحكمة النظرية في معلوماتها أيضا بحسب مفارقتها للمادة مطلقا وملابستها لها في الوجود فقط أو فيه وفي التعقل جميعا أقساما ثلاثة فالعلم بما يفارق المادة فيهما هو الإلهي وبما يلابسها في الوجود دون التعقل هو الرياضي وبما يلابسها فيهما هو الطبيعي ويبحث في الأول عن المجردات كالواجب وصفاته والعقول والنفوس ويتبعه الكلام في النبوة والإمامة والمعاد وعن الأمور العامة كالوجود والعدم والحدوث والقدم والوحدة والكثرة ونحوها وربما يخص العلم بالمجردات باسم الإلهي ويسمى العلم بالأمور العامة بالفلسفة الأولى ويطلق على المجموع علم ما بعد الطبيعة وفي الثاني عن المقادير وهو الهندسة وعن الأعداد وهو الحساب وعن أوضاع الأجرام العلوية وهو الهيئة عن النسب التأليفية وهو الموسيقى وفي الثالث عن مبادي المتغيرات كالزمان والمكان والحركة والسكون وعن الأجسام البسيطة والمركبة وتبذل الصور على المواد وعلل حدوث الحوادث ونحوها وربما ينوع أنواعا ويخص كل منها باسم تقليلا للانتشار وتسهيلا للضبط كما يسمى البحث عن البسائط العلوية والسفلية بعلم السماء والعالم وعن الأركان والعناصر وتوارد الصور على المادة المشتركة بالكون والفساد وعن كائنات الجو كالرعد والبرق والمطر وثواني النجوم كالشهب والنيازك وبعض الأرضيات كالزلزلة والخسف بالآثار العلوية وعن المركبات التامة وكيفية تركيبها وما يتعلق بذلك بعلم المعادن والنبات والحيوان والنفس ومن فروع القسم الرياضي المناظر والجبر والمقابلة وجر الأثقال ونحوها ومن فروع الطبيعي الطب وأحكام النجوم والفلاحة وأما الحكمة العملية فتنقسم بحسب المأخذ إلى قسمين ما يؤخذ من العقل من دون توقف على غيره وما يؤخذ من الشرع والأول إما أن تكون مصلحته المقصودة بالذات مقصورة على العامل بخصوصه وهو علم الأخلاق أو عليه وعلى من يختص به أتم اختصاص كالمشارك له في المنزل مثل الزوجة والولد والخادم وهو تدبير المنزل أو يعم غيرهم ممن يساكنهم في المدينة أو يجاورهم فيها وهو السياسات المدنية فهذه الأقسام مما يستقل به العقول الكاملة وقد ورد في جميع ذلك عن الشارع الحكيم مما يصدق حكم العقل وينبه عليه ويؤكده ويزيده وضوحا ما يقطع العذر والحاجة إلى الأقسام الثلاثة ماسة جدا أما الأول فلأن القوى النفسانية التي هي مبادي الأفعال الاختيارية و الحركات الإرادية متخالفة متدافعة جدا كما سبق وعائقة عن الوصول إلى مرتبة الكمال الانساني بل ناكبة بذويها إلى أسفل سافلين فإن الافراط في الشهوة مثلا ملحق لصاحبها بمرتبة البهائم التي همها شهواتها وفي الغضب بمرتبة السباع التي همها الغلبة والافتراس والتفريط فيهما بمرتبة الجمادات الفاقدة لقوة التوليد والانتصار بل البهيمة والسبع والجماد خير منه في هذه الحيثية لأنها لم تفوت على أنفسها كمالا فترتيب هذه الدواعي المتعاضدة على وجه يتحقق بينها المسالمة وتصدر أفعالها منتظمة من أهم المهمات والعلم بكيفية هذا الترتيب وتضعيف القوى منها وتقوية الضعيف بحيث تتعادل وتتساوى من أشرف العلوم وأما الأخيرين فلأن الانسان لا بد له من زوجة بها يدافع سلطان الشهوة ويستعمل القوة المولدة ويستعين بها على بعض أموره وحينئذ يحصل الولد وتشتد الحاجة إلى الخادم ولا بد من النظر في مصالحهم ومصالح المسكن الذي يأوون إليه ويدخر فيه اقواتهم فتتكثر الحوائج بحيث يتعسر على الواحد القيام بها إن أمكن فلا بد له من الاجتماع بعدة من أبناء نوعه يتعاونون جميعا على مصالح المعيشة ونعني بالمدنية محل هذا الاجتماع وحيث إنه مظنة الهرج والفساد لغلبة النفوس الشريرة الخارجة عن الاعتدال فلا بد من سياسات عدلية يتفق عليها الجميع طوعا أو كرها بها يستقيم أمر الاجتماع ويحصل الغرض المطلوب منه وهو الصلاح النوع الانساني وتوجهه إلى ما خلق لأجله من السعادة الباقية والعيشة الراضية وأما ما يؤخذ من الشرع فينقسم أيضا بالتقسيم المذكور إلى العبادات والمناكحات والمعاملات والسياسات الشرعية والعلم بها هو المختص باسم الفقه في عرف الأخيرين فصار علم الأحكام الشرعية التي هي خطابات الشارع أو مدلولاتها المتعلقة بأفعال المكلفين من أقسام الحكمة العملية وعطفها عليها فيما سيأتي من قبيل عطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة والعقل وإن كان مما يستقل بادراك بعض كلياتها ومجملاتها مثل حسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار ووجوب رد الأمانة وحرمة الغصب إلا أن تفاصيلها وحدودها لا تكاد تعرف إلا من جهة الشرع ولا مدخل لعقولنا وآرائنا فيها بوجه من الوجوه فهذا بيان الحكمة وشرح ماهيتها بجزئيها العلم والعمل والحكيم الكامل هو المستجمع لهما الراسخ علمه بالعمل وهو العالم الصغير المنطوي فيه ما في العالم الأكبر والكتاب المبين الذي بآياته يظهر المضمر والآدم الذي خمر الله طينته بيده أربعين صباحا أو عاما وخلقه على صورته وأسجد له ملائكته تعظيما له واكراما وهو الانسان المطلق موجود بما هو انسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان لتحققه ظاهرا وباطنا بخاصيته الانسانية التي بها يمتاز عن سائر الممكنات ومن عداه انسان في الظاهر حيوان في الباطن بحسب الخلق الغالب عليه وفي كلام أهل البيت صلى الله عليه وآله إشارات جلية إلى ذلك والمقتصر على أحدهما ناقص مطعون على قدر نقصه وقد ورد في الانكار والتشديد عليه ما ورد ففي الحديث لا علم إلا بعمل ولا عمل إلا بمعرفة وأن العلم بلا عمل وبال والعمل بلا علم ضلال وفيه أن العالم التارك لعلمه أشد الناس حسرة يوم القيامة وأن أهل النار ليتأذون من ريحه وأن العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا وتبين مما تقدم أن الحكمة العملية من أشد العلوم حاجة إليها ومن ثم يقال بوجوب تحصيلها عينا في الجملة وأوثقها حجة فإن الأدلة الشرعية والوجدانيات التي لا ريب فيها من أقوى البينات وأشرفها موضوعا وهي النفس
Shafi 4
الانسانية من حيث صدور الأعمال عنها جميلة أو قبيحة وغاية لأنها ترقية النفس الناقصة التي هي أخس الموجودات إلى مرتبة الخلافة التي هي أشرف المراتب الممكنة ومن ثم سميت الإكسير الأعظم وربما يعبر عنها في كتب الأقدمين بالطب الروحاني لأنها تحفظ الكمال على النفوس الكاملة كما تحفظ الصحة على الأمزجة الصحيحة في الطب الطبيعي وتأخذ بالنفوس الناقصة إلى الاعتدال بإزالة الذمايم التي هي أمراض الأرواح كما قال (تع) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال صم بكم عمي فهم لا يعقلون و وللمصنف قدس الله روحه كتب جيدة مبسوطة ومتوسطة في أقسام الحكمتين ثم رجع إلى مطولاته في الحكمة النظرية فانتخب مهماته في متون وجيزة وهذه أيضا نخبة وجيزة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية على ما ورد به الكتاب والسنة وهي ما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله كما سبق وآثار الأئمة الاثني عشرا و المقتدى بهم من أهل بيت العصمة ومن اقتبس من أنوارهم (ع) من المشايخ الموثقين فإن الاقتداء بهم فيما يتسامح فيه من الآداب والسنن وفضايل الأعمال مما لم يثبت عن أهل العصمة صلى الله عليه وآله خلافه مما لا ضير فيه وكلها راجعة إلى السنة وفيه إشارة إلى حصر الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة وأما الاجماع ودليل العقل والاستصحاب فما يصلح منها للحجية وهو من الأول ما بلغ مبلغا يعلم دخول المعصوم فيه المرادف لضرورة الدين أو المذهب أو المتاخم لها ومن الأخيرين ما ينطبق على قواعد الكتاب أو السنة فهي غير خارجة عنهما وما عدا ذلك لا تعويل عليه كما صرح به في غير موضع وهذه النخبة تفصل بين ما وضح دليله منهما وهو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إليه بوضوح دلالته من غير ابهام سواء كانت مطابقية أو تضمنية أو التزامية على تشكيك في الأخيرتين لا يصغى إليه وبأن سبيله بخلوصه عن المعارض ابتداء أو بعد الترجيح بالوجوه المأثورة الآتية مما لا ريب فيه لحصول العلم الشرعي به الموجب للعمل ولا ينافي ذلك ظنية الدلالة أو الطريق لأن المعلوم إنما هو وجوب العمل فهو غير المظنون وهذه هي الأحكام الموردة فيها على وجه الفتوى والجزم وبين ما أبهم مأخذه وأظلم مسلكه بصيغة المعلوم في الفعلين واقحام البين للفصل الكثير بين المتعاطفين مما يتشابه الأمر فيه لفقد الدليل أو وجود المعارض حيث لا ترجيح وهذه هي المشفوعة بالإشارة إلى نوع من التردد مع بيان ما يحصل به يقين البراءة والخروج عن العهدة ليكون العامل على بصيرة من الأخذ باليقين والاحتياط في أمور الدين إذ ورد في الأمر بذلك ما ورد فعن أمير المؤمنين (ع) أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت و في الصحيح عن عبد الرحمن الحجاج قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما جزاء فقال لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت إن بعض أصحابنا سئلني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسئلوا عنه فتعلموا وفي مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في الرجلين المتنازعين قلت فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلف في حديثكم قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيتجنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم قلت فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا قال إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وفي بعض خطب أمير المؤمنين (ع) إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقضوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فلا تكلفوها فاقبلوها ثم قال (ع) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له ترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها وفي معناها روايات أخر وقد دخلت الشبهة على عصبته من الآخرين في تحقيق الشبهة وذلك أنهم اتفقوا في مفهومها وأنه كل ما فيه اشتباه وخفاء وزعموا أن ذلك حقيقتها الشرعية والعرفية واللغوية وهو مقتضى مقابلته بالبين في أحاديث التثليث وعلى صدقها على ما تعارضت فيه الأدلة واختلفوا في شمولها لما لا نص فيه فمن قائل إنه ليس بالحلال البين ولا بالحرام البين لأن البيان إنما هو بالنص والفرض انتفاؤه فيندرج تحت الشبهات وإلا لاختل التقسيم وأيضا قد ورد الأمر بالاحتياط في الصحيحة فيما لا نص فيه وفي المقبولة وما في معناها في الشبهات على وجه يفيد القصر بالقرائن والاجماع على أنه للاحتياط في غير الشبهات و زعموا أنه المراد بالمسكوت عنه في كلام أمير المؤمنين (ع) وهو ظاهر المصنف هنا وصريحه في غيره ومن قائل إن حديثي التثليث اللذين فيهما ذكر الشبهات إنما يدلان على ثبوت شبهات بين الحلال البين والحرام البين ولا دلالة فيهما على أن كل ما بينهما شبهة لفقد ما يدل على العموم والمهملة في قوة الجزئية فيكفي تحققها في ضمن المتفق عليه وهو ما تعارضت فيه الأدلة أو يخص التثليث بغير المسكوت عنه وأما المسكوت عنه فهو مباح رحمة من الله على عباده للعمومات الدالة على إباحة ما لا نص فيه وخارج عن مجرى هذا التقسيم
Shafi 5
لأنه (ع) وسع في المسكوت عنه وضيق في الشبهات فدخوله فيها يوجب التناقض في الكلام والصحيحة إنما تضمنت الأمر بالاحتياط عن الفتوى في المسائل الشرعية للجاهل بأحكامها ولا دلالة فيها على أكثر من ذلك و هذا معنى متفق عليه لا ارتباط له بموضع البحث هذه خلاصة كلماتهم مع تتميم وفصل الخطاب في هذا الباب يتوقف على تحرير محل النزاع أولا فاعلم أنه إن أريد بالنص المنفي فيما لا نص فيه النص الخاص بالأمر المبحوث عنه فاطلاق الحكم باندراجه في الشبهات ممنوع كما أن اطلاق الحكم بخروجه عنها كذلك وذلك لانقسامه إلى قسمين أحدهما ما لا يمكن ادراجه تحت شئ من عمومات الكتاب والسنة وهذا من الشبهات والمشكلات الذي التي يرد علمها إلى الله ورسوله ويحتاط فيها في العمل والآخر ما يمكن ادراجه تحت شئ منها وهذا يشمله حكم ذلك العموم ويلتحق بأحد الأمرين البينين ما لم يتعارض فيه عمومان وحينئذ يندرج في الشبهات ويحتاط فيها علما وعملا وانحصار البيان في النص الخاص ممنوع كما يشهد بذلك مراجعة طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم وتبين من هذا البيان حال ما لو أريد بالنص ما يعم العمومات وحمل الكلام على المهملة مما يخل بفائدته على أن حديث تقسيم الأمور مشتمل على صريح الحصر ونقله (ع) بعد ذلك حديث التثليث في مقام الاستدلال كما هو الظاهر كالصريح في إرادة التقسيم الحاصر وإلا لاختل الاستدلال فظهر أن اخراج ما لا نص فيه عن مجرى التقسيم وتخصيصه بغير المسكوت عنه غير جيد واطلاق الحكم بأن المسكوت عنه وهو ما لا نص فيه مباح للعمومات الدالة على إباحة ما لا نص فيه غير مقبول بل الوجه التفصيل بأنه إن شملته عمومات الإباحة فهو مباح بين الحكم غير مسكوت عنه كما قدمنا وإن لم تشمله كما في مسألة عبد الرحمن فلا معنى للحكم بالإباحة والقول بأنها خارجة عن المبحث فكلام خال عن التحصيل لأن المسألة المجهولة الحكم لا شبهة أنها عند الجاهل بها مما لا نص فيه لأن المراد به ما لم يبلغنا فيه عن الشارع حكم معين لا ما ليس له حكم في الواقع لأنه لا وجود له في نفس الأمر إذ ما من شئ إلا ورد فيه كتاب أو سنة وإن لم يبلغنا كله كما تظافرت به الروايات وهذا من الأمر بين الأمرين فليكن منك على ذكر وأما المسكوت عنه في حديث أمير المؤمنين (ع) فيشبه أن يكون المراد به ما ليس له ذكر صريح في ظاهر القرآن مثل الكلام في حقيقة الروح والبحث عن ماهية كلام الله وحدوثه وقدمه وغير ذلك من الصفات مما يخوض فيه الفضوليون من القاصرين وقد وضعه الله عنهم رحمة لهم و يسرا بهم فإن تكلف ذلك منهي عنه ولا سيما للنفوس الناقصة بل الأصلح لهم الاكتفاء بالايمان المرسل والتصديق المجمل وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بأصحابه وهم يخوضون فغضب حتى احمرت وجنتاه ثم قال أفبهذا أمرتم تضربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا إلى ما أمركم الله به فافعلوا وما نهيكم عنه فانتهوا وعن أبي عبد الله (ع) في جواب من سأله أن يكتب إليه بالمذهب الصحيح في التوحيد اعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات فانف عن الله البطلان والتشبيه هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان وفيهما دلالة واضحة على ما قلناه وإذ لا سبيل لنا إلى القطع في الشبهات لابهام المأخذ واظلام المسلك فالأمور بحسب القسمة الحاصرة الأولى بالنسبة إلينا قسمان محكم ومتشابه وبحسب الثانية ثلاثة أقسام هذا في الحلال والحرام وكذلك في الفرض والنفل ففرض بين ونفل بين وشبهات يتردد أمرها بينهما من أتى بها نجا يقينا من ترك الفرايض احتمالا ومن تركها وقع فيه فهلك من حيث لا يعلم ومن هنا يعلم أنه كلما وقع الاشتباه بين فعلين وجوديين يعلم وقوع التكليف بأحدهما يقينا ولا يعلم يقينا فالأخذ باليقين يأتي بهما جميعا تحريا للنجاة وحذر من الوقوع في ترك الفرائض يقينا وما يقال في المنع من أن الاتيان بفرد من الأفراد المشكوكة ينفي اليقين ببقاء التكليف وينفي احتماله بالأصل فتشكيك شارح الدروس لا يلتفت إليه الحازم الورع وإذ قد بينا الأمر في الأحكام الشرعية على أساس التثليث واقتصرنا في مداركها على القرآن والحديث فارتفع الخلاف أو قل ونجونا عما نهينا عنه من القول بالرأي والجزاف إلا من زل فإن أكثر الاختلافات الواقعة في الفروع إنما نشأت من الخوض في المتشابهات التي يضطر الناظر فيها إلى الاستمداد بالرأي المتلون السيال الذي لا يقف على حد ولا على حال ومن ثم ترى اختلاف الفتوى عن عصابتنا الأخباريين أقل منه عن الأصوليين لابهامنا ما أبهم الله وسكوتنا عما سكت الله و اقتصارنا على البين المحكم وردنا ما سواه إلى الله والرسول وأولي الأمر فإنهم أعلم وفي الحديث من عمل بما علم كفى ما لا يعلم قال المصنف طاب ثراه في سفينة النجاة ولعلك تقول إن الحكم في كل مسألة واحدة في نفس الأمر كما هو مذهب أهل الحق والأحكام الشرعية إنما تراد معرفتها للعمل وحاجة المكلفين إليها جميعا سواء فما الوجه في اخفاء بعض المسائل وابهامه فتقول إن الحكمة في أكثر الأمور الشرعية غير معلومة لنا إلا أنه يمكننا أن نشير ههنا إلى ما يمكننا يكسر سورة استبعادك بأن نقول يحتمل أن يكون من الحكم في المتشابه المحتاط فيه أنه يتميز المتقي المتدين باحتياطه في الدين وعدم رتاعه حول الحمى خوفا عن الوقوع فيه ممن لا تقوى له ويجترئ في الرتاع حوله ولا يبالي بالوقوع فيه فتتفاضل بذلك درجات الناس ومراتبهم في الدين فكما أن تارك الشبهات في الحلال والحرام وفاعلها في الفرض والنفل ليس كالهالك من حيث لا يعلم فكذا الهالك من حيث لا يعلم ليس كالهالك من حيث يعلم فالناس ثلاث فرق مترتبين وأن يكون من الحكم في المتشابه المخير فيه أن يتوسع التكليف لجمهور الناس باثبات التخيير في كثير من الأحكام وهذه رحمة من الله عز وجل وبه تختلف مراتب التكليف باختلاف مراتب الناس في العقل والمعرفة ولعل أمير المؤمنين (ع) إلى هذا أشار بقوله فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها وما لا نعلم من الحكم أكثر مما نعلم هذا كلامه زيد اكرامه ولا تعبؤ فيما لا يتسامح فيه بقول من لا نقف على برهان له به من الكتاب والسنة وإن كان ذلك القول في الأخيرين مشهورا لأن أكثر الأقوال المشهورة بين الآخرين إنما حدثت شهرتها من الشيخ الطوسي (ره) كما حققه العلامة والشهيد الثاني (رض) وذلك لأن الفقهاء الذين نشؤوا بعده كانوا يتبعونه ولا يجترؤون على مخالفته لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فكانوا يفتون ويعملون
Shafi 6
على وفق مذاهبه وتحقيقاته فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومن بعده فحسبوا ذلك شهرة بين العلماء وما فطنوا أن مرجعها إلى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتابعته وتخطى ذلك قوم وسموها اجماعا وفي الكلام إيماء إلى أن الشهرة بين الأولين من أصحاب الأئمة صلى الله عليه وآله وأرباب النصوص ليست حالها على هذا المنوال وهو كذلك لأن المفهوم من سيرهم وأحوالهم بالتتبع أنهم كانوا يتثبتون كثيرا ويراجعون المعصوم في جلائل الأمور ودقائقها ولا يتسارعون إلى الحكم والفتوى في المسائل إلا بثبت مركون إليه ودليل مقبول يسوغ التعويل عليه فاشتهار الحكم بينهم مما يستبعد جدا أن يقع جزافا بل الذي يقوى في النفس أنهم أخذوه عن الحجة بإحدى الطرق المعتبرة ومع ذلك كله فلا تنهض حجة فيما لا يتسامح فيه و المستيقن لا يفارق الاحتياط في العمل ما أمكن على أن البحث عنها قليل الجدوى إذ معرفة المشهور بينهم في آحاد المسائل التي يختلف فيها الآن مما كاد يلحق بالمحالات لأن كتبهم في الفتاوى المجردة قليلة جدا وإنما يوجد نبذ منها متفرقة في أسفار الناقلين كما في كتاب الكافي وغيره كالفقيه والتهذيب ولا يبعد أن تكون الإشارة إلى هذا فإن روى صاحب العوالي مرفوعا عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر (ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال (ع) خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت إنهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع فقال إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط فقلت إنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال (ع) إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر قال وفي رواية أنه (ع) قال إذن فارجه حتى تلقي إمامك وتسئله وهي صريحة في التعويل على الشهرة فكيف ينفى الاعتداد بها بقسميها قلت المعول عليه في الحديث إنما هو اشتهار الرواية بين أصحابه دون اشتهار القول المجرد عن البرهان بين القائلين به وكذا لا نعتد باجماع يدعى في محل الخلاف كما كثر من ابن إدريس والمحقق الثاني وبعض من تقدمهما فإنه ليس إلا زورا إذ المجمع عليه لا ريب فيه كما تقدم في المقبولة وفي معناها مرسلة الإحتجاج فكيف يشتبه بالمتنازع فيه وقد يوجه للذب عن هؤلاء الأجلة قدس الله أرواحهم بوجوه مثل أن مرادهم الشهرة كما سبق سواء ألحقناها به في الحجية أم لا أو تأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع وإن بعد كجعل الحكم من باب التخيير أو عدم اعتداد مدعيه بخلاف معلوم النسب أو اطلاعه في عصره على الخلاف وهو الذي ارتضاه المصنف (ره) في المفاتيح وغيره ويرد عليها جميعا عدم الاطراد لما اتفق منهم كثيرا من ادعائه على ما لم يبلغ حد الشهرة وفي مواضع لا تكاد تنالها أيدي التأويل وقدحهم في الاجماع تارة بخلاف معلوم النسب وعدم اعتدادهم بمخالفة مجهوله أخرى على أنه لا فرق بين معلومه ومجهوله إذ المقدمة التي بنوا عليها أمر الاجماع وهو قبح الاجتماع على الخطأ على تقدير تسليمها تهدم في الصورتين كما بيناه في شرح المفاتيح وربما يكون المدعي هو الناقل للخلاف أو هو المخالف وربما تتعارض الدعويان مع اتحاد المدعي والحق أنه وإن تقاصر كل منها عن شمول هذه الاجماعات إلا أنها غير خارجة عن مجموعها كما لا يخفى على المتتبع وأكثر الاجماعات المنقولة في المسائل النظرية من هذا القبيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل مقدمة في تقسيم العلم بوجه آخر غير ما تقدم في ضمن تقسيم الحكمة وبيان مرتبة كل قسم وآداب العالم والمتعلم فهي يسيرة الألفاظ كثيرة الفوائد والتنوين للتحقير أو التعظيم العلم هو حصول الصورة في الذهن أو الصورة الحاصلة فيه أو انتقاشها بها وهذا الحد ينطبق طردا وعكسا على جميع أنواعه بتصوراتها وتصديقاتها وهي وإن كانت كثيرة إلا أن مجامعها علمان علم الدنيا وعلم الآخرة وعلم الدنيا ما يرتبط به مصالح الدنيا كالطب والحساب وعلم الآخرة علمان أحدهما علم يقصد لذاته وهو العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو إما تحقيقي أو تقليدي فالتحقيقي نور يظهر في القلب عند تطهيره وتذكيته من ذمائمه فينشرح للحق فيشاهد بذلك النور و والانشراح الغيب ففي الحديث النبوي ليس العلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه وفيه ما من عبد إلا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه فيرى ما هو غايب عن بصره فعند ذلك ينكشف عليه أمور كان يسمع من قبل أسماءها ويتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فيتضح له جميع ذلك حتى تحصل له المعرفة التامة بذات الله وبصفاته وأفعاله و حكمته ومعنى النبوة والإمامة والوحي وكيفية وصوله إلى النبي وحديث الملك مع الإمام ومعنى الآخرة والجنة و النار وما يتعلق بهما إلى غير ذلك فإن للناس في تصور حقايق هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات متفاوتة ودرجات متفاضلة فنعني بالعلم المقصود لذاته أن يرتفع الغطاء حتى يتضح جلية الحق في هذه الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا شك فيه كما في حديث أمير المؤمنين (ع) لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا ولم أعبد ربا لم أره لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الايمان وذلك بتفريغ القلب عن الشواغل وتخليته عن الهموم المختلفة المتنوعة وجعلها كلها هما واحدا كما يأتي فيتسع بذلك وينفسح فيحتمل البلاء لسعته وفي الحديث أن أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل ويحفظ السر وهو ما ظفر به من مكنون العلم الصعب المستصعب الذي لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للايمان ولقد بولغ في الحث على كتمان الأسرار والمنع عن الافشاء والإذاعة والهتك بما لا مزيد عليه أما لغموض الأمر وقصور الأفهام العامية عن ادراكه و افشاء مثل هذا وضع للحكمة في غير موضعها كتعليق الدر في أعناق الخنازير وفي الحديث لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ومشغلة لأذهانهم بما لا يرجع إلى طائل وذلك مثل حقيقة الروح التي هي من عالم الملكوت والنفوس الناقصة التي لم يتجاوز عالم الملك بمعزل عن ادراكها
Shafi 7
وأما لكون الكشف مفسدة للمستمعين وإن كان لا يتعسر عليهم ادراكه وسببا لافتتانهم أو لتفويت مصلحة راعاها الشارع الحكيم في التعبير عن بعض المسميات بغير أسمائها وتصوير بعض المعاني في غير قوالبها المعروفة تمثيلا ورمزا لكون ذلك أوقع في النفوس وأدخل في حصول الغرض المطلوب من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد ومن ذلك بيان حقيقة الكسوف والخسوف على النهج المقرر في الهيئة وتأويل الملائكة الجاذبة الدافعة بروحانيات الشمس والبحر المظلم بظل الأرض ونحو ذلك وهذا النوع عريض جدا ويندرج تحته كثير من متشابهات الكتاب والسنة إلا أن الخوض فيه مما يختص بأهله وكان أكابر الصحابة مع ما هم فيه من تقارب المنازل والتشارك في بركة الصحبة يستخفى بعضهم من بعض بسره وفي الحديث لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بساير الناس وعن أمير المؤمنين (ع) اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة وعنه (ع) حملت عن النبي صلى الله عليه وآله دعامين من العلم أما واحد فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم وسئله كميل بن زياد النخعي وقد بلغك جلالة قدره عن الحقيقة فقال (ع) مالك والحقيقة قال أولست صاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني الحديث ومما نسبه المصنف في كثير من مسفوراته إلى علي بن الحسين صلوات الله عليهما وغيره إلى غيره. إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا. وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين ووصى قبله الحسنا يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا - ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا - وهذا العلم هو المسمى باللدني وعلامته ما ورد في الحديث النبوي وقد سئل صلوات الله عليه عن قوله (تع) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ما هذا الشرح فقال النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتهيؤ للموت قبل نزوله وهو العلم الأفضل بقول مطلق لأنه المقصد الأقصى من الايجاد أو غاية مقاصد السالكين أو هو الغاية للقسم الآخر المقصود للعمل المتوسل به إليه والتقليدي هو تلقي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم والحوصلة كما وكيفا ثم التدين به و الآخر علم يقصد المعمل ظاهرا وباطنا ليتوسل به إلى ذلك النور وهو العلم بما يقرب إليه (تع) وما يبعد عنه من طاعات الجوارح ومعاصيها ومكارم الأخلاق ومساويها فهو قسمان علم الشرايع وعلم الأخلاق وكله تقليد لصاحب الشرع إما عن بصيرة أو استبصار إلا ما لا يختلف فيه العقول منه وربما يسمى الفقه ومن علاماته ما في حديث الرضا (ع) أن من علامات الفقه الحلم والصمت وليس المراد بالفقه فيه مجرد معرفة الفتاوى في المسائل الفرعية وحفظا لأقوال المختلفة فيها والإحاطة بمتعلقاتها لما يشاهد في ذويها غالبا من العلامة بنقيض ما هو مذكور في الحديث فإنهم أكثر الناس طيشا وهذرا وتصديق الفعل القول إذ به يعرف موافقة الباطن للظاهر والخروج عن ذميمة النفاق وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء قال يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم وهذا العلم المقصود للعمل هو الأقدم في الوجود الخارجي بالنسبة إلى تحقيقي الأول لأنه الشرط فيه وفي الحديث من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وفيه إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون وبيان ذلك أن الانسان إذا عمل بمقتضى علمه يؤدي عمله إلى صفاء في قلبه فيستعد لعلم آخر فوق ما علمه أولا ثم إذا عمل بمقتضى هذا العلم يحصل له استعداد آخر وبسببه يحصل علم و انكشاف آخر وهكذا يتزايد العلم قوة وضياء بحسب تتابع الأعمال حتى ينتهى إلى الاهتداء بهدى الله وهو نور اليقين المقصود لذاته قالوا ومثال ذلك من يمشي بمصباح في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى وهكذا تترادف الأضواء بتعاقب الحركات وتترادف الحركات بتعاقب الأضواء إلى أن يتأدى الماشي إلى الغاية وتنتهي الحركة وبحسب هذه الشرطية والتوسل تعد هذا العلم من علم الآخرة فإن أريد به الدنيا التحق بالدنيا وقد وقد وقع حصر العلم في هذه العلوم الثلاثة الأخروية في الحديث النبوي إنما العلم ثلاثة آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل قيل الأول إشارة إلى أصول العقايد وأركانها المستفادة من الآيات المحكمات القرآنية والثاني إلى علم آفات النفس وتعديل قواها وتهذيب الأخلاق والثالث إلى علم الشرايع والحلال والحرام ويسمى كل منها علم الدين وعلم الفقه كما مر وأما مجادلة علم الكلام في أصول العقايد والتعمق في الفروع في فتاوي غير منصوصة تستنبط بالرأي فليسا في عرف الأولين من العلم والفقه في شئ بل لم يكن عندهم منهما عين ولا أثر وإنما هما من محدثات الأمور وقد ذكر أبو حامد وغيره في مبدأ نشوءهما وبسبب تدوينها كلاما ملخصه أنه لما انتهت الخلافة إلى أقوام تولوا بغير استحقاق واستيهال واستقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في جميع مجاري أحكامهم وكان العلماء قد تفرعوا العلم الآخرة وتجردوا له وكانوا يتدافعون الفتاوي وما يتعلق بأحكام الخلق وأقبلوا على الله بكنه اجتهادهم فكانوا إذا طلبوهم هربوا وأعرضوا واضطروا الخلفاء إلى الالحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء واقبال الولاة إليهم مع اعراضهم عنهم ما شربوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوي وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصلاة منهم فمنهم من حرم ومنهم من أنجح ومن أنجح لم يخل عن ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مظلومين طالبين وبعد أن كانوا أعزة بالاعراض عن السلاطين أذلة بالاقبال عليهم إلا من وفقه الله في كل عصر من علماء دينه ثم لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري وقرر عقايده في العدل و الصفات وغيرهما ونشأ بعده الشيخ أبو الحسن الأشعري واشتغل بالرد عليه وابطال مقالاته وتبع
Shafi 8
كلا منهما من تبعه وخرجوا من الطريقة الساذجة التي مشى عليها الصحابة والتابعون وأعانهم على ذلك أن نقلت الفلسفة اليونانية إلى العربية فخاض فيها الفريقان وطفقوا في الابرام والنقض وابطال بعضهم مذهب بعض فأخذوا ذلك فتاوسموه الكلام إما لأن مسألة الكلام كانت أشهر مباحثه أو أكثرها نزاعا وجدلا ويحكي أنه قتل فيها خلق كثيرا وأولها كما يحكي عن بعض الصحابة قال حضرت ذات يوم مجلس عمر فسأله رجل يا أمير المؤمنين أخبرني عن كلام الله مخلوق أم لا فتعجب عمر وأخذ بيد السائل حتى جاء به إلى أمير المؤمنين (ع) وقال يا أبا الحسن أما تسمع مقالة هذا الرجل فلما سمعها تغير وجهه ثم أقبل إلى عمر وقال إنها فتنة يكون لها شأن تثور في مستقبل الزمان أما أني لو كنت مكانك لقطعت وريديه أو لأنه يورث قدرة على الكلام والزام الخصوم كالمنطق أو لأنه إنما يتحقق بالمباحثة وإدارة الكلام من الجانبين وغيره قد يحصل بالتأمل والمطالعة أو لأنه أكثر العلوم خلافا فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين و الرد عليهم أو لأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من العلوم كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام أو لأنه أشد العلوم تأثيرا في القلب وتغلغلا فيه فسمي الكلام من الكلم وهو الجرح أو لأنهم كانوا يعنونون مباحثه في المدونات بقولهم الكلام في كذا والكلام في كذا وظهر بعد ذلك من الصدور والأمراء من سمع هذه المقالات وقواعد العقايد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فانكب الناس إلى علم الكلام وأكثروا فيها التصانيف ورتبوا فيها فيها طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات والمقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن الستة وقمع البدعة ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه لما تولد من فتح بابه من التنعضات والخصومات الناشئة من اللداد المفضية إلى تخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذاهب المجتهدين فترك الناس الكلام وفنون العلم وأقبلوا على المسائل الخلافية وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذاهب وتمهيد أصول الفتاوي وأكثروا فيها الفتاوى والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا إليه ولم يسكتوا عن التعلل والاعتذار بأن ما اشتغلوا به علم الدين وأن لا مطلب لهم سوى القيام بفرض الكفاية تقربا إلى رب العالمين والفطن يعلم أنه لو كان غرضهم ذلك لقدموا عليه فرض العين ترى الواحد منهم إذا سألته عن شئ من فقه الظهار أو اللعان أو السبق ليرد عليك من التفريعات الدقيقة أشياء كثيرة تنقضي الدهور ولا يتفق الاحتياج إلى شئ منها وإذا سألته عن معنى من معاني الاخلاص والتوكل والرضا ونحوهما مما يجب على كل مكلف في كل حال يتوقف في الجواب ويتلجلج في الكلام بل كثيرا من فروض الكفايات فكم من بلد ليس فيه طبيب إلا من أهل الذمة والاحتياج إليه فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه أكثر وقوعا منه إلى هذه التعمقات والفروض التي يتعبون ليلا ونهارا في حفظها ودرسها والبحث عنها ثم لا ترى أحدا يشتغل بالطب و يتهافتون على الفقه الذي شأنه ما عرفت والبلد مشحون من الفقهاء وليس الباعث إلا أن الطب لا يتيسر الوصول به إلى ما يتوصل إليه بالفقه والله المستعان انتهى وليس الغرض اخراج علم الشرايع والفتاوي من الفقه وسلب صدق هذا الاسم المحمود عليه في الشرع عليه بل الفرق بين ما سبيله الكتاب والسنة على الوجه المتقدم وما سبيله الآراء والظنون التي يستمد بها المتعمقون والاجماعات التي حالها ما عرفت والأول معدود من الفقه وإن كان أحط أقسامه و تخصيص هذا الاسم به في عرف الآخرين من قبيل تخصيص اسم الحكمة بالطب الذي هو من فروع أدنى أقسامها أعني الطبيعي كما مر بخلاف الثاني وهذا التفصيل بعينه يجري في المجادلة فإن كانت بالتي هي أحسن دخلت تحت الاستثناء في قوله عز وجل ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن والأمر في قوله (تع) وجادلهم بالتي هي أحسن وإلا فهي المجادلة المذمومة نظير القسم المذموم من فقه الفتاوي وهما مما يقسي القلب ويبعد عن الله عز وجل فإن المتمرن فيهما يعتاد الاستعانة بقوة الشيطنة والخروج عن حد الحكمة والاعتدال في القوة الفكرية إلى افراط الجربزة وجحود ما تستيقن به نفسه وخلط الباطل بالحق إلى غير ذلك من الذمايم تقويا بذلك على ما هو بصدده من الفوز بالغلبة وادراك لذة الظفرة فيقسو قلبه عن قبول الحق إلى أن يعود كالسباع التي همها في الاعتداء ولذتها في الضراوة على من اعترضها وذلك من أقوى الأسباب في البعد عن الله سبحانه والحرمان عن نور الهداية لأنه من أشد أمراض القلوب وفي الحديث لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب على أنه لا بد أن يعترض المتكلم في فنه الشكوك والشبه وربما يتشبث بدهنه شئ منها إذ الشبهة قد تكون جلية والجواب عنها دقيقا يقصر عن ادراكه فيخرج إلى الشك من اليقين وينسل من الدين انسلال الشعرة من العجين وعن أمير المؤمنين عليه السلام من طلب الدين بالجدل تزندق وفي حديث آخر الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك وإنما رخص في التكلم لضرورة دفع شبه المعاندين كما في حديث الشامي الذي جاء إلى أبي عبد الله (ع) وقال إني رجل صاحب كلام وفقه وفرايض وقد جئت لمناظرة أصحابك فكلمه أبو عبد الله (ع) ثم التفت إلى يونس بن يعقوب فقال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته فقال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهي عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله فقال أبو عبد الله (ع) إنما قلت ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال أخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال فأدخلت حمران بن أعين والأحول وهشام بن سالم وقيس الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين (ع) فلما
Shafi 9
استقر بنا المجلس ورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته فوسع له أبو عبد الله (ع) وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال يا حمران كلم الرجل فكلمه فظهر عليه حمران ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه الأحول ثم قال يا هشام بن سالم كلمه فتعاوقا ثم قال لقيس الماصر كلمه فكلمه فأقبل أبو عبد الله (ع) يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي فقال للشامي كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فكلمه وقطعه واستبصر الشامي ثم التفت أبو عبد الله (ع) إلى حمران فقال تجري الكلام على الأثر فتصيب والتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر ولا تعرفه ثم التفت إلى الأحول فقال قياس رواع تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر فقال تتكلم وأقرب ما تكون من الخير عن رسول الله أبعد ما تكون منه تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان ثم قال يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت مثلك فليكلم الناس فاتق الزلة والشفاعة من ورائها انشاء الله والحديث مختصر وحيث يرخص فيه للضرورة فليقتصر منه على قدر الحاجة كما في سائر الاضطراريات و ربما وجب حينئذ نصرة للدين وحراسة للمذهب وحماية عن الحق كفاية أو عينا على الماهر بالصنعة الحاذق فيها مثل هشام بن الحكم والاطلاقات السابقة محمولة على الغالب من الأحوال وأفراد المتكلمين فهو كما قيل نظير منع الصبيان عن شاطئ الدجلة شفقة عليهم من الغرق ورخصة الماهر القوي تضاهي رخصة الكاملين في صنعة السباحة إلا أن ههنا موضع غرور ومزلة قدم وهو أن كل ضعيف في عقله يظن بنفسه أنه يقدر على ادراك الحقايق كلها وأنه من جملة الأقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهات لا من حيث لا يشعرون وهذا الوجه فيما قد ورد من التصريح بالتعميم فيما رواه محمد بن عيسى قال قرأت في كتاب علي بن هلال أنه سئل عن الرجل يعني أبا الحسن (ع) أنهم نهوا عن الكلام في الدين فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فلم ينهه فهل ذلك كما تأولوا أو لا فكتب (ع) المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه فإن إثمه أكبر من نفعه وربما أوردناه يتضح لك أمر المجادلة والتفصيل الذي أشرنا إليه ويتسهل عليك الإحاطة بقسميها ويزيد ذلك بيانا ما ورد أنه ذكر عند أبي عبد الله (ع) الجدال في الدين وأن رسول الله والأئمة صلى الله عليه وآله قد نهوا عنه فقال (ع) لم ينه عنه مطلقا وإنما لكنه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن قيل يا بن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن فقال أما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبه الله (تع) ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له على باطله وأما الضعفاء فتغتم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل وأما الجدال بالتي هي أحسن وهو ما أمر الله به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت واحياء الله له فقال الله له حاكيا عنه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم فقال الله في الرد عليه قل يا محمد يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون إلى آخر السورة فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فق الله قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ا فتعجز من ابتداه لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلي بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أي إذا كن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما يلي أقدر ثم قال أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة الباقي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي قال فهذا الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم وأما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر والحديث مختصر وحق العلم اخلاص النية في طلبه وبذله لله جل جلاله فإن مدار الأعمال على النيات وبسببها يكون العمل تارة خزفة لا قيمة لها وتارة جوهرة لا يعلم قيمتها لعظم قدرها وتارة وبالأعلى صاحبه مكتوبا في ديوان السيئات وإن كان بصورة الواجبات كما يأتي فيجب على كل من طالب العلم وباذله أن يقصد بعمله وجه الله سبحانه وامتثال أمره واستصلاح نفسه وغيره ولا يقصد بذلك شيئا من أغراض الدنيا من مال أو جاه أو شهوة أو امتياز عن أشباه وافتخار وترفع على الأقران أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة التي ثمرتها الخذلان من الله عز وجل والبعد عن الدار الآخرة والثواب الدائم فيصير من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وفي الحديث من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار وفيه من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة وعن أبي عبد الله (ع) من تعلم العلم وعمل به وعلم لله دعى في ملكوت السماوات عظيما فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم لله واخلاص النية مما يحق في كل عمل وإن كان في العلم أحق والعمل به فيما يطلب للعمل إذ بدون ذلك لا ينفعه عمله في سلامة العاقبة وكان كمن به مرض شديد وهو يعلم كيفية العلاج وترتيب الأدوية فيظن أن ذلك يكفيه في خلاصه عن مرضه ويشفيه بدون العمل به فلا يزال يزداد مرضه حتى يهلكه وفي الحديث لا تطلبوا علم ما
Shafi 10
لا تعلمون ولما تعلموا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد من الله إلا بعدا وقلما ينتفع بذلك العلم غيره أيضا فإن الذي يتناول مطعوما بنهمة وينهى الحاضرين عنه معللا بأنه مسموم منهوم عند الناس بالكذب وسخافة الرأي بل هم لفعله أطوع منهم لقوله إذ لولا أنه أطيب الأطعمة لما استأثر به وفي الحديث أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا ولو فرض أن واحدا من الأكياس أو ممن لا خبرة لهم بحاله اهتدوا بعلمه كان ذلك حسرة ووبالا عليه كما تقدم وعن النبي صلى الله عليه وآله العلماء رجلان رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك وأن أشد الناس ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي إلى النار بتركه علمه الحديث على أن العمل عقال العلم وهو بدونه في معرض الذهاب وفي الحديث العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه والقول بما يعلم والوقوف عند ما لا يعلم فعن زرارة بن أعين قال سألت أبا عبد الله (ع) ما حق الله على العباد قال إن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون وعن أبي عبد الله (ع) مثله وزاد فإن فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه وفي حديث آخر ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم وعن أبي عبد الله (ع) قال للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك وعنه (ع) إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل لا أدري ولا يقل الله أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا وإذا قال المسؤول لا أدري فلا يتهمه السائل والاحتراز عن الفتوى بالرأي و التدين بما لا يعلم ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم والتفهم وهو أن يستوضح في كل مقام ما يليق به من تفهم المسألة إذا فهمها شيئا بعد شئ دون الاقتصار على مجرد حفظ الأقوال والألفاظ فيكون مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا وعن أمير المؤمنين عليه السلام لا خير في علم ليس فيه تفهم والاستبصار في أنحاء الحق حتى لا ينفلح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة كما في حديث أمير المؤمنين (ع) في وصف حملة العلوم وبذله قال الله (تع) إن الذين يكتمون ما بينا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وعن أبي عبد الله (ع) قال قرأت في كتاب على أن الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال وعن أبي جعفر (ع) من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم من شئ وفي حديث آخر وإن مات وأيضا يقوى بالبذل ويتكامل كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) العلم يزكو بالانفاق وفي حديث زكاة العلم أن تعلمه عباد الله كما يراعى في زكاة المال استحقاق المبذول له وأهليته لها حتى يترتب على اعطائه ما وعد الله المزكين من المثوبات فيمنع غير المستحق الذي لا يليق العطاء وإن سأل الحافا كذلك يراعي في بذل العلم كونه لأهله المستوجبين له المنتفعين به ومنعه عن غير أهله حذرا عن الظلم وتعليق الدر على أعناق الخنازير كما تقدم وسئل بعض العلماء عن مسألة فلم يجب فقال السائل أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار فقال له العالم اترك اللجام واذهب فإن جاءني من ينفعه فكتمته فليلجمني قال بعض المحققين ليس الظلم في اعطاء غير المستحق أقل منه من منع المستحق بل هو في الثاني أقل لأنه تأخير يمكن أن يتدارك بخلاف الأول لأنه تفويت ونعم ما قيل فمن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم قال الشهيد الثاني ولا يمتنع المعلم من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية فربما عسر على كثير من المبتدئين بالاشتغال تصحيح النية لضعف نفوسهم وانحطاطها عن ادراك السعادة الآجلة وقلة أنسهم بموجبات تصحيحها فالامتناع من تعليمه يؤدي على تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا أنس بالعلم لكن يجب على المعلم إذا أشعر من المتعلم فساد النية أن يستدرجه بالموعظة الحسنة وينبهه على خطر العلم الذي لا يراد به وجه الله ويتلو عليه من الأخبار الواردة في ذلك حالا فحالا حتى يقوده إلى القصد الصحيح فإن لم ينجع ذلك ويئس منه قيل يتركه حينئذ فإن العلم لا يزيده إلا شرا وفصل آخرون فقالوا إن كان فساد نيته من جهة الكبر و المراء ونحوهما فالأمر كذلك وإن كان من جهة حب الرياسة الدنيوية فينبغي مع اليأس من اصلاحه أن لا يمنعه لعدم ثوران المفسدة وتعديها ولأنها لا يكاد يخلص من هذه الرذيلة أحد في البداية فإذا وصل إلى أصل العلم عرف أن العلم أنما يطلب للسعادة الأبدية بالذات والرياسة لازمة له قصدت أم لم تقصد انتهى والشفقة في التعليم ففي رسالة علي بن الحسين (ع) إلى بعض أصحابه في تعداد الحقوق الواجبة ثم حق رعيتك في العلم فإن الجاهل رعية العالم إلى أن قال فإن تعلم أن الله إنما جعلك قيما لهم فيما أتاك من العلم و فتح لك من خزائنه فإن أحسنت في تعليم الناس ولا تخرق بهم ولا تضجر عليهم زادك الله من فضله و أنت منعت الناس من علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله أن يسلبك العلم وبهائه ويسقط من القلوب محلك الحديث وأيضا فإن المتعلم بالنسبة إلى المعلم ولد روحاني فينبغي أن ينظر إليه نظر الوالد الشفيق إلى الولد البار المسترشد ويؤدبه أحسن الأدب وأول ذلك أن يحرصه على الاخلاص لله في علمه وسعيه ومراقبته (تع) في جميع اللحظات ويعلمه أن بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف وينشرح صدره وتتفجر من قلبه ينابيع الحكمة ويبارك له في حاله وعلمه ويوفق للإصابة ويتلو عليه الآثار الواردة في ذلك ويزهده في الدنيا ويصرفه عن التعلق بها والاغترار بزخارفها و يرغبه في العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورثة الأنبياء وأن مدادهم يرجح دماء الشهداء وأن الملائكة لتضع أجنحتها لهم وأنهم على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء ونحو ذلك مما ورد في فضل العلم وأهله من الأخبار والاشعار والأمثال ففي الأقاويل الخطابية والكلمات الشعرية هز عظيم للنفوس الانسانية كما يرى ويتلطف في موعظته للاقتصار على الميسور وقدر الكفاية من الدنيا
Shafi 11
والقناعة بذلك عما يشغل القلب عن طلب العلم ويفرق الهم ويحب ويكره له ما يحب لنفسه ويكره ويزجره عن سوء الأخلاق وارتكاب المناهي وكلما يؤدي إلى فساد حال أو بطالة عن اشتغال أو إساءة أدب أو كثرة كلام لغير فائدة أو معاشرة من لا يليق أو نحو ذلك بطريق التعريض ما أمكن فإن لم ينجع نهاه سرا ثم جهرا وغلظ عليه القول إن اقتضاه الحال لينزجر هو وغيره ويتأدب به كل سامع فإن لم ينته فلا بأس حينئذ بطرده والاعراض عنه إلى أن يرجع لا سيما إذا خاف على بعض رفقته من الطلبة موافقته و أن يسامح في نشر العلم وتقريبه إلى ذهنه متلطفا في الإفادة برفق ونصيحة وتحريض على حفظ ما يبذله له من الفوائد النفيسة ولا يدخر عنه من فنون العلم شيئا يحتاج إليه ويسأل عنه إذا كان أهلا لذلك فإن لم يتأهل بعد لما سئل عنه نبهه على أن ذلك يضره وأنه لم يمنعه عنه شحا بل شفة ولطفا ثم يرغبه بعد ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك ولغيره وقد ورد في تفسير الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ويأمر الطلبة بالاجتماع في الدرس لما يترتب عليه من الفائدة التي لا تحصل مع الانفراد وينصفهم في البحث فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان صغيرا ويسمع السئول من مورده على وجهه ولا يترفع عن سماعه فيحرم عن الفائدة ويطرح عليهم أحيانا من النكات والدقايق الغريبة ما تتشحذ به أذهانهم وإذا سلك أحدهم في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله أو فهمه حمله برفق على الاقتصار على مقتضى الحال وقدر الفهم أو المراد أنه يقتصر له في بيان المسائل وتوضيح المشكلات التي لها وجوه متعددة متفاوتة على ما يبلغه فهمه ويكتم عنه ما لا يبلغه فهمه لأنه يفرق عليه الهم وينفر الطبع ويفسد الحال وفي الحديث النبوي نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم فنكلمهم على قدر عقولهم وفيه ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وعلى الوجهين فهو من آداب المعلم ويحتمل أن يعتبر من آداب المتعلم بأن يكون المراد اقتصاره على ما يبلغه فهمه من المراتب مندرجا من كل مرتبة إلى ما فوقها ولا يخالف الترتيب فيتبلد ذهنه ويضيع سعيه وقطع الطمع عن المتعلمين لمنافاته الاخلاص فلا يسألهم عليه أجرا تأسيا بالأنبياء فإن العلماء ورثتهم بل يعلمهم لوجه الله لا يريد منهم جزاء ولا شكورا ولا يرى لنفسه منة عليهم وإن كانت المنة لازمة عليهم بل يرى الفضل لهم لأن ثوابه في التعليم أكثر من ثوابهم في التعلم عند الله ولولاهم لما نال هذا الثواب الجسيم والتواضع بخفض الجناح وحسن اللقاء والتلطف وبشاشة الوجه إلى غير ذلك للمتعلم لما له من المدخل في حصول الأجر للمعلم ولكونه باعثا لمزيد العلم له وتمرنه بالمذاكرة والتكرار معه وعن أبي عبد الله عليه السلام اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه وتواضعوا لم طلبتم منه العلم ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم وفي مرفوعة محمد بن سنان قال عيسى بن مريم يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي قالوا قضيت حاجتك يا روح الله فقام وقبل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثم قال (ع) بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل والتملق وهو التودد ولين الجانب والمراد هنا أبلغ التواضع للمعلم زيادة على غيره من ذوي الحقوق حتى الأبوين كما يأتي من المصنف التصريح به لأنهما وإن تسببا لوجوده فإن ذلك إنما اتفق منهما من غير قصد له في الأغلب بل بمقتضى الشهوة البهيمية المركوزة فيهما وهو وجود ناقص في أخس المراتب يشترك فيه الديدان والخنافس والمعلم المرشد يتسبب بقصده وعنايته لتكميل هذا الوجود الناقص وايصاله إلى أقصاها واستخراج ما فيه بالقوة إلى الفعل فحقه أعظم و نعمته أحق بالشكر والموفق لا يألوا جهدا في تعظيمه وحسن الأدب والخدمة له في محضره ومغيبه وفي الحديث النبوي ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم وسئل إسكندر ما بالك توقر معلمك أكثر من والدك فقال لأن الوالد سبب لحياتي الفانية والمعلم سبب لحياتي الباقية والتسليم بأن يلقي إليه زمام أمره بالكلية ويذعن له في كل ما يعين له من العلم المناسب لمرتبته وحاله حتى يجعل نفسه بين يديه كالمريض المجاهل بين يدي الطبيب الحاذق يداويه بما يشاء من الدواء بل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء فيذعن لما ينقله من علم إلى علم واحضار القلب والاقبال بكليته عليه في مجلسه متعقلا لقوله بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام ولا يلتفت من غير ضرورة ولا سيما عند بحثه معه أو كلامه له وقد اشتمل على جملة من آداب المتعلم مرسلة الجعفري عن أبي عبد الله (ع) قال كان أمير المؤمنين (ع) يقول إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤل ولا تأخذ بثوبه وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعا وخصه بالتحية دونه واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ولا تغمز بعينيك ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول قال فلان وقال فلان خلافا لقوله ولا تضجر بطول صحبته فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شئ الحديث وفي حديث الحقوق وحق سايسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله عز وجل بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس والسؤال فإنه دواء العي كما ورد عن أبي عبد الله (ع) إنما هلك الناس لأنهم لا يسألون وعنه (ع) أن هذا العلم قفل ومفتاحه السئول وينبغي ترك الحياء والاستنكاف عنه فإن من رق وجهه رق علمه ومن رق وجهه عند السئول ظهر نقصه عند اجتماع الرجال وفي الصحيح عن أمير المؤمنين (ع) قوام الدين بأربعة عالم ناطق مستعمل له وغني لا يبخل بفضله على أهل دين الله وفقير لا يبيع آخرته بدنياه وجاهل لا يتكبر عن طلب العلم فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله على مستحقه وباع الفقير آخرته بدنياه واستكبر الجاهل عن طلب العلم رجعت الدنيا على ورائها قهقري
Shafi 12
الحديث ويتجنب الاكثار والالحاح في المسألة كما في الحديث المتقدم وفي حديث آخر نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن القيل والقال وافساد المال وكثرة السئول وعما لا يهمه فإنه من الخوض فيما لا يعني المذموم كما يأتي ويتخير الوقت المناسب ويغتنمها عند طيب نفس الشيخ وفراغ باله والخلوة وهذا حسن السئول وفي الحديث النبوي حسن السئول نصف العلم وكان النصف الآخر حسن الحفظ أو حسن التفكر وتقديم الأهم من العلوم فالأهم فإنها وإن كانت مرتبطة بعضها ببعض إلا أن لكل منها مرتبة ومقاما معلوما فلا يشتغل بالغايات قبل المبادي ولا بالنتائج قبل المقدمات ولا باختلاف العلماء في العقليات والسمعيات قبل إتقان الاعتقادات فيختل ذهنه ويحار عقله ويضيع سعيه ويعسر عليه طلبه بل يلاحظ الترتيب اللائق فيكون ممن أتى البيوت من أبوابها ويتسهل له درك البغية ونجح الأمنية فيشتغل أولا بحفظ كتاب الله وتجويده ليكون مفتاحا صالحا ومعينا ناجحا وليستنير القلب به ويستعد بسببه للإحاطة بباقي العلوم ثم بالعلوم العربية فإنها أول آلات الفهم وأعظم أسباب العلم الشرعي لأن الكتاب والسنة عربيان فيتقن التصريف والنحو واللغة والمعاني والبيان اتقانا جيدا بحيث إذا عرضت عليه عبارة عربية غير موحشة قوي عليها ويكفيه في غريب اللغة أصل مركون إليه يراجعه عند الحاجة ثم بالمنطق ويحقق مقاصده فإن له مدخلا عظيما في تقويم الفكر واصلاح صور الأقيسة ولا يبالغ فيه مبالغته في العربية إذ المقصود يحصل بدونها ثم بالعقليات كالإلهي وشئ من الطبيعي يتشحذ به ذهنه ويرسخ فيه ملكة الاستدلال وينظر في أصول الفقه ودراية الحديث والرجال ويتعرف الاصطلاحات الموضوعة بين أهلها ثم يشتغل بالحديث والتفسير وليمعن النظر في كشف أغوار كلام الله فإنها لا تقف على حد وهو بحر عميق ولا يقنع بما ذكره المفسرون وليكن كثير التفتيش عن الروايات المأثورة في تفسير الظهور والبطون فإن فيها من علوم الأسرار شيئا كثيرا وليتقن من فقه الأحكام الشرعية طرفا صالحا ويطلع على أقوال الفقهاء رضوان الله عليهم ومواقع الخلاف والاجماع ولا يكتفي في ذلك بالمتون الوجيزة فإن الشروح والكتب الاستدلالية أكثر فائدة وأوفى بالمقصود وإذا اشتغل بفن فلا ينتقل عنه حتى يتقن فيه كتابا أو أكثر إن أمكن وليحذر التنقل من كتاب إلى كتاب ومن فن إلى آخر من غير موجب فإن ذلك علامة العجز وعدم الفلاح وليأخذ من كل فن حظه ويصرف تمام قوته في العلوم الدينية الأخروية مما يوجب كمال النفس وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومرجعه إلى معرفة الكتاب والسنة ومكارم الأخلاق وما ناسب ذلك والمذاكرة مع أقرانه من الطلبة الصالحين فإنها نعم المعين على الحفظ و رسوخ العلم في الذهن وانتعاش النفس وتوسع القلب وفي الحديث النبوي إن الله عز وجل يقول تذاكر العلم بين عبادي مما يحيي عليه القلوب الميتة إذا هم فيه انتهوا إلى أمري وفيه تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤه الحديث وعن أبي جعفر (ع) رحم الله عبدا أحيى العلم قيل وما احياؤه قال إن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع وعنه (ع) تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة وقد يترائى كون المناظرة من جملة أنواع المذا كرة بل أقوى أنواعها لما تلزمه غالبا من استحضار الذهن وتذكر الأدلة وتنقيحها والفحص عن دلالتها وتشحيذ الخاطر ورياضة الفكر وتقوية النفس لدرك المآخذ وترغيب الناس في العلم ونحو ذلك لكنها كثيرة الآفات غير مأمونة التبعات والتحفظ على شروطها وآدابها على وجه السلامة في غاية التعسر و الصعوبة إلا ما رحم ربي فالأولى ترك المناظرة إلا مع الاضطرار كتجدد قضية واقعة أو مترقبة لا يسعه الجهل بحكمها ولا يثق بنفسه إذا انفرد بالنظر فلا بد له من الاستعانة بنظر غيره من الثقات المأمونين فيقتصر على قدر الحاجة وهي معرفة حكم ذلك المشكل الواقع أو القريب منه ولا يتخطى إلى غيره من النواد وكما تتفق كثيرا وليكن ذلك في الخلوة فإنها أجمع للهم وأحرى بصفاء الفكر ودرك الحق وأبعد من حركة دواعي الريا والحرص على الافحام وأن يكون في طلب الحق كمنشد ضالة يكون شاكرا متى وجدها ولا يفرق بين أن يظهر على يده أو يد غيره فيرى طرفا مشيرا وناصحا ومعينا لا خصما ويتناظران على سبيل التشاور والتناصح والتعاون دون الخصومة والمغالبة شاكرا للمصيب إذا عرفه خطأه كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه غيره عليها في طريق آخر معترفا بالخطأ إذا ظهر منه غير مهتم بظهوره من الطرف فإنه من المراء المذموم وقد بلغك ما فيه مقدما لافحام النفس الأمارة بالمراء والخصومة وحب الافحام وكل سوء وطرد الشيطان المسؤول لهذه الذمايم وهو أول الممارين حيث قال خلقتني من نار وخلقته من طين فينبغي افتتاح الأمر بافحامه وابعاده و فهذه أصول ما يتأدب به المناظر ليخلص من آفاتها ويسلم من تبعاتها انشاء الله (تع) والتمسك في الأصول الاعتقادية من اثبات الصانع وصفاته وما يتبع ذلك من الإلهيات بمحكمات الكتاب والسنة بمعونة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فلا يقال إن ثبوت الكتاب والسنة والأنبياء والشرايع متوقف على ثبوت الصانع وصفاته فكيف يعرف الصانع وصفاته بالكتاب والسنة وذلك لأنه لو لم يكن الصادع بهذا الدين القويم الذي استوفى المحاسن كلها كما سبقت الإشارة إليه مقبول القول ومعصوم الفعل لكان فيه الحجة أيضا لمطابقته لمقتضى العقول الرزينة والفطر السليمة التي لم يخرجها عن صرافتها الأصلية مخرج على أن ما يتوقف عليه الشرع من معرفة الصانع وصفاته يجري مجرى الضروريات التي يحكم بها كل ذي أدنى مسكة ومن مواقع الاجماع المقطوع به قال الله (تع) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله فظهر أن ما ورد في الشرع كاف في الاهتداء إلى سبيل الحق مع ما جبل عليه أهل السلامة من الفطرة المعبر عنها في بعض كلمات أمير المؤمنين (ع) بالعقل المطبوع ولا حاجة إلى تكلفات المتكلفة وكلمات المتكلمين في إبداء الأدلة وإقامة الحجج ومن ثم لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله الذي كان أعقل العقلاء باتفاق العقلاء إلا بالتمسك بالثقلين وأخبر في الروايات بين فرق الاسلام كلها أن المتمسك بهما لن يضل أبدا
Shafi 13
على أن جميع ما حرره المتكلمون في ذا الباب فإنما أخذوا أصوله من كلام الله وكلام أهل البيت (ع) خصوصا أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله الذي هو آية الله الكبرى وفي كلماته من العلوم الإلهية والمعارف الربانية ما تتقاصر دونه علوم الأولين والآخرين وإنما وقعوا فيما وقعوا في الزيادات التي أردفوها من تلقاء أنفسهم والمقتصر على لباب الحق في غنية عنها فالراشد للبصير لا يكدر قلبه السليم برين ولا ولا يعدو التشبث بأذيال الثقلين ويقتصر على محكمات الكتاب والسنة غير متصرف بعقله الجزئي في شئ منها لاعتصامها عن الهوى والمسترشد المستبصر إذا حفظ ترجمة العقايد التي لقنها في مبدأ نشوه فلا يزال ينكشف له معانيها ويتكامل بتكامل تميزه حتى يبلغ حد الاعتقاد إلا أنه اعتقاد ضعيف يقبل الزوال بالقاء نقيضه إليه فلا بد من تقويته واثباته في نفسه حتى يترسخ به ولا يتزلزل لا بأن يعلم صنعة الجدل والكلام فإن ما يفسده الجدل أكثر مما يصلحه وما يشوشه أكثر مما يمهده كما تقدم ومن المشاهدات أن عقايد العوام أرسى وأرسخ من عقايد المتكلمين بل بأن يشغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال يقوى اعتقاده ويزداد رسوخا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه وما يرد عليه شواهد الأحاديث وفوائدها وبما يسطع عليه من أنوار العبادات وما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وروية سيماهم وسيرتهم و هيئاتهم في الخضوع لله والاستكانة له واستماع مواعظهم اللينة وأمثالهم فيكون أول التلقين كالقاء بذر في الصدور وهذه الأسباب كالسقي والتربية له حتى ينمو ذلك البذر ويقوى ويرتفع شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وليس تأييد الاعتقاد بالعمل بمقتضاه وصحبة الصالحين واصغاء الوعظ اللين مما يختص به المسترشدون ويندب إليه المبتدؤون فقط بل انتفاع العلماء الكاملين بملازمة هذه الآداب عظيم كما يقضي به المشاهدة وكذا ترك مجادلة المتكلمين سواء اعتبر المصدران مضافين إلى المفعول أو الأول إلى مفعوله النوعي والثاني إلى الفاعل هذا كله في الأصول الاعتقادية وفي الفروع العملية يتمسك بالمجمع عليه لأنه لا ريب فيه كما تقدم وروى صاحب الإحتجاج عنهم (ع) إذا اختلف أحاديثنا فخذوا عليكم بما اجتمعت عليه شيعتنا فإنه لا ريب فيه ثم الأحوط عند فقد الاجماع ووجود الخلاف إن أمكن ثم عند فقده يختار الأوثق دليله إما لموافقته لشواهد الكتاب والسنة كذا دون دليل الخلاف أو لمخالفته للمشهور بين القوم وموافقته له أو لكونه أشهر بين الرواة ثم عند تعذر هذه الوجوه يأخذ بقول من ظن أنه أعلم وأورع وإن اختلفا في الوصفين عول على أعلم الورعين وأورع العالمين فهذه هي الوجوه المأثورة في باب الترجيح عند التعارض في مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة اللتين هما الأصل في الباب إلا أن الترتيب المذكور غير منطبق على شئ منهما وما اعتبره في الوافي وسفينة النجاة من أنه يؤخذ بخبر الأوثق وما للقرآن أوفق وعن رأي المخالفين أبعد وأسحق ثم التخيير على وجه التسليم المطلق فإنها كلها حق مع مخالفته لما هنا مخالف أيضا للروايتين وهما أيضا متخالفتان في الترتيب وتنفرد الأولى باشتمالها على الترجيح بموافقة الكتاب والارجاء أخيرا والثانية بالاحتياط والتخيير وقد ورد في روايات أخر الاكتفاء ببعض هذه روى الصدوق في عيون الأخبار أنه سئل الرضا عليه السلام وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا تنازعوا في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الشئ الواحد فقال (ع) إن الله عز وجل حرم حراما وأحل حلالا وفرض فرائض إلى أن قال فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله إلى أن قال وما لم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا وفي كتاب الإحتجاج للشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي (ره) عن الحسن بن الجهم قال قلت للرضا (ع) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منا وإن كان لم يشبهها فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق قال إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت وعن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله (ع) قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقي صاحبك فتسأله عنه قال قلت لا بد من أن يعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة وفي كتاب الأصول الأصلية ووسائل الشيعة والفوائد المدنية نقلا عن رسالة الفقهاء للشيخ قطب الدين الراوندي طاب ثراه في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه و وفي الموفق عن الحسن بن الجهم قال قلت للعبد الصالح يسعنا فيما يرد علينا منكم إلا التسليم لكم فقال لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا قلت فيروي عن أبي عبد الله (ع) ومروي عنه خلافه فبأيهما نأخذ قال خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه وعن أبي عبد الله (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم وعن محمد بن عبيد الله قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فانظروا ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه والمتقيد بالأخبار لا محيص له عن إهمال الترتيب بوجوهه والاقتصار على القدر الجامع بين جميعها وهو جواز الترجيح بكل منها في الجملة والزيادة على ذلك موكولة إلى بصيرة الناظر في الحلال والحرام فيبحث بقوته القدسية في كل مورد مورد من موارد التعارض عن القرائن والخصوصيات التي لا تندرج تحت قاعدة كلية فإنها من أقوى البينات على تعيين الوجه الراجح وفي الحديث النبوي أن على كل حق
Shafi 14
حقيقة وأن على كل صواب نورا وهي غير عزيزة في روايات أئمتنا صلى الله عليه وآله يعرف ذلك من له أنس بكلامهم والباذل جهده في تتبع الأخبار والإحاطة بها يستشهد ببعضها على بعض ويسهل عليه الأمر جدا ولتتبع أقاويل العامة ومعرفة ما حكامهم وقضاتهم إليه أميل في كل عصر من أعصار الأئمة (ع) مدخل عظيم في ذلك فإن أكثر اختلاف رواياتنا إنما جاء من تلك الجهة كما صرح به الشهيدان وغيرهما و الحمل على التقية أظهر الوجوه التي ترتفع بها المنافاة غالبا بل كثيرا ما يقترن الخبر بما ينادي بالتقية في مضمونه كما لا يخفى على الممارس وأورد هنا أن مذهب الإمامية في حل الأحكام موافق لمذهب من المذاهب الأربعة ولا سيما مذهب الشافعي وكلهم مصونه فيمكن الفتوى في أكثر الأحكام بالحق من غير تقية غايته أن تكون الفتوى خطأ بزعم أكثرهم وإن كانت صوابا عند بعضهم مع اتفاق كلهم على نفي التخطئة وعدم التفسيق وفيه أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المستفيضة التي تقدم شطر منها بل ورد الأمر بمخالفتهم في غير صورة التعارض أيضا روى الشيخ في التهذيب والصدوق في عيون الأخبار وعلل الشرايع عن علي بن أسباط قال قلت له يعني الرضا (ع) يحدث الأمر من أمري لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد استفتيه من مواليك فقال (ع) ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه وفي العلل عن أبي عبد الله (ع) قال أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال إن عليا لم يكن يدين الله بدين إلا خالفته عليه الأمة إلى غيره إرادة ابطال أمره وكانوا يسألون عن أمير المؤمنين (ع) عن الشئ فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس وفي التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال ما سمعته شيئا يشبه قول الناس فيه التقية وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه ومن العجب أن معظم تأويلهم في باب الترجيح إنما هو على رواية بن حنظلة وقد تلقوها بالقبول وسموها المقبولة وإن كان لهم فيه كلام وهي مشتملة على هذا الوجه بأبلغ الوجوه مع أن اتفاق القوم على التصويب ممنوع لاشتهار الخلاف فيه بينهم كما نقله العلامة منا والعضدي منهم بل نقل بعض متأخريهم أن المذهب المختار للفقهاء الأربعة التخطئة واهتمام علمائهم في كل عصر بانتشار أقاويلهم وحرصهم على عمل الناس بها وحمل السلطان على ترويجها وايصال الأذى والضرر إلى من خالفها وعدل عنها مما امتلأت به كتب السير خصوصا في حق أئمتنا الطاهرين صلوات الله عليهم إذ كانوا متهمين عندهم بالمخالفة ومحسودين على ما آتاهم الله من فضله وظنونهم سيئة فيهم فكانوا مضطرين إلى التحبب إليهم باظهار الموافقة لهم ومداراتهم بالقول والعمل بالمشتهر في كل عصر من مذاهبهم وبالجملة فهذا من القطعيات التي لا يحوم حولها شك وقد ورد في بعض الأخبار ترجيح الأحدث روى ذلك ثقة الاسلام عن المعلي بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله (ع) إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتى يبلغكم عن الحي وإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال الكليني وفي حديث آخر خذوا بالأحدث وعن الحسين بن مختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ بالأخير فقال لي رحمك الله ولعل الوجه في ذلك فيما لو كان الأسبق بنويا ما ورد في موثقه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه قال إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن وأما في غيره فإن تغاير المروي عنه فلان المتأخر منهم (ع) أعلم بمقاصد آبائه الطاهرين وأعرف بواقع كلامهم كذا قيل وهو يجري في صورة اتحاده أيضا وقيل إن الأزمنة تختلف في مراعاة مصلحة التقية وهو أعلم بذلك فيتكلمون في كل وقت بما تقتضيه مصلحة ذلك الوقت وهذا أحد معاني قول أبي عبد الله (ع) وقد سئله منصور بن حازم ما بالي أسئلك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيره فتجيبه فيها بجواب آخر فقال إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان فليس لأحد أن يأخذ في العام بما حكم به عام أول فيختص العمل به بزمن الحضور دون هذه الأزمنة وهو قريب في رواية بن المختار ومن الصريح فيه رواية أبي عمرو الكناني قال قال لي أبو عبد الله (ع) يا أبا عمرو أرأيتك لو حدثتك بحديث أو أفتيك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ قلت بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله أن يعبد إلا سرا أما و الله لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي ولكم أبى الله لنا ولكم في دينه إلا التقية واعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه لا معارضة بين عام وخاص ولا مطلق ومقيد ولا مجمل ومبين بل يبنى كل من الأدلة على ما يقابله عملا بالدليلين وقال الصدوق في اعتقاداته اعتقادنا في الحديث المفسر أنه يحكم على المحمد كما قال الصادق (ع) وكثيرا ما يبنى على هذه القاعدة في الفقيه وربما يقال وجوب حمل المطلق على المقيد ليس بمسلم مطلقا لأن في حمل المطلق على المقيد لا بد من ارتكاب خلاف ظاهر البتة فلو جاز تأويل في المقيد لم يكن ارتكاب خلاف الظاهر فيه أكثر منه في الأول لم يتعين حمل المطلق على المقيد بل مع التساوي ويحكم بالتوقف ومع النقصان يرتكب التأويل في المقيد انتهى وهو راجع إلى ما قلناه بقي الكلام في التدافع الواقع بين ما تضمن الارجاء عند تعذر الترجيح وما تضمن التخيير وربما يرفع بتخصيص الأول بالعبادات والثاني بالماليات ولا يعرف له وجه أو تخصيص الأول بمن يمكنه ذلك ويرجو اللقاء والثاني بغيره فيكون هو الحكم زمن الغيبة أو أن الارجاء والتوقف إنما هو في العلم والتخيير والتوسعة في العمل وهو ظاهر شيخ الأجل محمد بن يعقوب الكليني مجدد المذهب في المائة الثالثة بعد أبي جعفر الباقر (ع) في المائة الأولى وأبي الحسن الرضا (ع) في المائة الثانية على ما ذكره علماء الفريقين (رض) حيث قال في أول كتابه الذي لا يوجد له في كتب الاسلام عديل اعلم أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلفت الروايات فيه عن العلماء برأيه إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام
Shafi 15
أعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه وقوله (ع) دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم وقوله (ع) خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد ذلك كله إلى العالم (ع) وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم انتهى ما أردنا نقله قال المصنف في الوافي فإن قلت آذنوا (ع) بالتخيير مع أن حكم الله (تع) واحد في كل قضية قلنا إن مع الجهل بالحكم يسقط الأخذ به للاضطرار دفعا لتكليف ما لا يطاق ولهذا جاز العمل بالتقية أيضا فالحكم في مثله اضطراري قال الله عز وجل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم على أنا لا نمنع أن يكون الحكم في بعض المسائل التخيير وكانوا قد أتوا في كل خبر بأحد فردي المخير فيه كما يستفاد من رواية علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (ع) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله (ع) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم أن صلهما في المحمل وروى بعضهم أن لا تصلهما إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك فوقع (ع) موسع عليك بأنه عملت هذا كلامه وهو جيد جدا إلا أن في تمثيله نظرا هذا كله في حق الناظر في الأدلة الشرعية بشرايطه وغيره يرجع إليه كما يأتي في كتاب الحسبة هذا تمام الكلام في المقدمة والحمد لله و يتلوها المقاصد وهي في غيرها محصورة في نيف وأربعين كتابا وفيها بما فيها في اثني عشر تقليلا للانتشار وتسهيلا للضبط ومن ثم وقعت مخالفة المنظم للكتب المشهورة فحسن هنا ذكر فهرس ما فيها من الكتب وأبوابها تسهيلا لمراجعة موضع الحاجة منها على الطالبين وهي كتاب الطهارة وأبوابه ثلاثة وثلاثون (13) باب التعداد (14) باب جرائم الجوارح (15) باب التوبة (22) باب التدارك (22) باب الحد والتعزير (27) باب الجناية (31) باب ذمائم القلب (33) باب الصبر (35) باب الحلم (36) باب النصيحة (31) باب حب الخمولة (41) باب التواضع (44) باب الفقر (46) باب الزهد (48) باب السخا (50) باب الرضا (51) باب الشكر (52) باب الرجاء والخوف (54) باب قصر الأمل (55) باب النية (57) باب الاخلاص (65) باب الصدق (60) باب التوحيد والتوكل (62) باب تطهير السر عما سوى الله (65) باب الماء (67) باب الأخباث وتطهيرها (70) باب آداب التخلي (71) باب الاتفاث وإزالتها (71) باب آداب التنظيف (73) باب الأحداث ورفعها (74) باب الوضوء (75) باب الغسل (79) باب التيمم كتاب الصلاة وأبوابه ثمانية عشر (79) باب التعداد (80) باب الشرايط (84) باب الأوقات (85) باب المكان (88) باب اللباس (89) باب القبلة (90) باب النداء (90) باب الهيئة (92) باب الآداب والسنن (93) باب المكروهات (94) باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين (95) باب آداب العيدين وسننهما (95) باب آداب الآيات وسننها (95) باب الجماعة (97) باب الخلل (99) باب التعقيب (99) باب الدعاء (101) باب قراءة القرآن كتاب الزكاة وأبوابه تسعة (102) باب التعداد والشرايط (103) باب المقادير والنصب (104) باب المصرف (105) باب الأداء (105) باب الخمس (107) باب المعروف (107) باب آداب المعطي (109) باب آداب الآخذ (109) باب زكاة الجسد كتاب الصيام وأبوابه سبعة (110) باب التعداد (111) باب الشرايط (112) باب الهيئة (112) باب الآداب (114) باب الحلل (115) باب فوايد الجوع (116) باب الاعتكاف كتاب الحج وأبوابه ثمانية (117) باب التعداد (118) باب الشرايط (119) باب الهيئة (120) باب المحرمات (121) باب الآداب والسنن (126) باب الخلل (128) باب حرمة الحرم (129) باب الزيارات كتاب الحسبة وأبوابه أيضا ثمانية (130) باب الجهاد (132) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (133) باب إقامة الحدود (134) باب الفتيا (135) باب القضا (136) باب الشهادة (137) باب أخذ اللقيط (138) باب الحجر كتاب البر وأبوابه ستة (139) باب العطية (140) باب العتق (142) باب التدبير (142) باب الكتابة (142) باب النذر والعهد (143) باب اليمين كتاب الكسب وأبوابه أربعة وعشرون (144) باب التعداد (146) باب الآداب (147) باب البيع (150) باب الربا (151) باب الشفعة (152) باب الشركة (152) باب القراض (153) باب الجعالة (154) باب الإجارة (155) باب المزارعة (155) باب المساقاة (156) باب احياء الموات (157) باب الغصب (158) باب اللقطة (159) باب السبق (159) باب الدين (160) باب الرهن (161) باب الضمان (161) باب الحوالة (162) باب الكفالة (162) باب الوكالة (163) باب الوديعة (163) باب الاقرار (163) باب الصلح كتاب النكاح وأبوابه سبعة عشر (164) باب التعداد والجدوى (166) باب المحارم (170) باب الولاية (171) باب العقد (172) باب الصداق (173) باب الخلوة (175) باب الحقوق (176) باب النشوز والشقاق (176) باب الفسخ (178) باب الطلاق (179) باب الخلع والمبارات (179) باب الظهار (180) باب الايلاء (180) باب اللعان (181) باب العدد (183) باب الولد (186) باب القرابة كتاب المعيشة وأبوابه خمسة عشر (187) باب الطعام (191) باب الأكل (193) باب الشرب (194) باب الضيافة (195) باب اللباس (195) باب الطيب (195) باب المسكن (196) باب المنام (197) باب التحية (198) باب الكلام (201) باب الإخاء (203) باب المعاشرة (205) باب العزلة (207) باب الورد (208) باب السفر كتاب الجنائز وأبوابه اثنا عشر (211) باب المرض (213) باب العيادة (213) باب الوصية (215) باب الاحتضار (215) باب التغسيل (216) باب التكفين (217) باب التشييع والتربيع (217) باب الصلاة (218) باب الدفن (219) باب التعزية (220) باب الهدية (221) باب زيارة القبر (222) كتاب القرايض وأبوابه ثلاثة (223) باب الأسباب والطبقات (224) باب الموانع باب التعداد والقسمة وافتتح كلا من الكتب بالبسملة ايذانا بأنه أمرد وبال وقد كان الأوايل يفردونها بالتدوين ويعنونونها بالكتاب ثم جمعها المتأخرون تكثيرا للفائدة وبقيت العنوانات بحالها كتاب الطهارة بسم الله الرحمن الرحيم الطهارة هي التنظيف عن الأدناس والمصنف كثيرا يكتفي عن التعاريف بتعداد الأقسام لأن التقسيم بمنزلة التعريف باب التعداد الطهارة بحسب المحل طهارتان تنقسم إليهما انقسام الجنس إلى أنواعه طهارة الباطن وطهارة الظاهر وينحصر كل منهما بحسب أدناسه في ثلاثة أقسام أما طهارة الباطن فبالحصر الجعلي فهي إما عن جريمة الجوارح أي جنايتها من إضافة المصدر إلى الفاعل أو ذميمة القلب أي الملكة المذمومة الحاصلة له أو فيه أو شغل السر بما سوى الله والسر هنا هو القلب من تسمية المحل باسم الحال حذرا عن التكرار وإنما تعد جريمة الجوارح من الأدناس الباطنة مع أن الجوارح هي الأعضاء الظاهرة بحسب المبدأ فإن الأعضاء إنما تتحرك وتسكن إلى أعضائها وتروكها الاختيارية بالإرادة التي هي فعل القلب فرجعت جرائمها إلى ذميمة القلب وشغل السر بما سوى الله مما يندرج أيضا تحتها سواء اعتبر المصدر مبنيا للفاعل أو المفعول وإنما أفردهما بالذكر تثليثا للقسمة تتميما للمقابلة ومزيد
Shafi 16
اعتناء بهما فانحصرت ذمائم القلب في الأخلاق السيئة كما يأتي بيانه ثم إن كانت عن قبيح يذم أو يعاقب صاحبه ففرض وإلا فنفل فانحلت الأقسام إلى ستة وأما طهارة الظاهر فبالحصر الاستقرائي لأنها إما عن الخبث بفتحتين فيه وفي قسيميه وهو النجس أو التفث وما هو يستهجن في البدن من فضلاته وغيرها أو الحدث وهو ما يوجب الوضوء أو الغسل ثم إن كانت مقدمة بواجب مشروط بها كطهارة الثوب واليد والوضوء للصلاة والطواف الواجبين أو جزء من واجب كالحلق والتقصير من الحج والعمرة ففرض وإلا فنفل فهذه أيضا ستة أقسام وورد عن النبي صلى الله عليه وآله الطهور نصف الايمان وهو بضم الطاء التطهر مصدر كالوضوء وبفتحها يرد مصدر أيضا كالقبول وآلة بمعنى ما يتطهر به كالسحور والوقود ومبالغة في الفاعل كالآكول وهو حث على الطهارة وتأكيد في أمرها من المبالغة المقبولة مجازا شايعا وكان النصف الآخر هو العمارة بالطاعة ظاهرا وباطنا أو إشارة إلى التخلية التي هي للقلب بمنزلة تنقية الأرض عن الأشواك والأعشاب الفاسدة والنصف الآخر هو التخلية التي هي بمنزلة غرس الأشجار المثمرة والقاء البذور الصالحة والايمان عبارة عنهما والباطن هو الأصل فإن الحركات الظاهرة إنما تنبعث منه كما ذكر ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة لو خشعت قلبه لخشعت جوارحه فهو الأولى والأهم بالتطهير وطهارته ملزومة لطهارة الظاهر ففي الحديث أن القلب في الجسد بمنزلة السلطان في الرعية فإذا صلح السلطان صلحت الرعية وإذا فسد فسدوا والسلف الصالح من قرن النبوة وهم من خير القرون ثم من بينهم الأقرب فالأقرب كانوا يبالغون فيه زيادة على مبالغتهم في غيره ويفحصون عن مقاماته ويتساءلون عن دقايق عيوبه وآفاته لمزيد اهتمامهم به كما سبق نقله ولكن لطهارة الظاهر أثر في تنوير الباطن كما يصادف عند إسباغ الوضوء وغسل الجمعة وسائر الأعمال الظاهرة فإنها مما يحس بتأثيراتها في النفوس ولو بعد التكرار ومن ثم يتمرن على الأعمال بكثرة المداومة عليها وهي مبدأ الملكات العادية كما يأتي لارتباط الملك وهو عالم الشهادة بالملكوت وهو عالم الغيب وانطباق كل منهما على الآخر وبسبب هذا الارتباط والانطباق والعلاقة الخفية بين العالمين ربما يسري حكم أحدهما إلى الآخر وتؤثر العلة المشهورة في المعلول الغيبي وبالعكس وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعد مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أتعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله أعلم قال حجر ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة وصل الآن إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ من كلامه صلى الله عليه وآله إلا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم الحاضرون أن الحجر هو ذلك المنافق الذي كان يهودي في جهنم مدة عمره فلما مات استقر في قعرها كما قال (تع) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والعارف تحقيقة العالمين وتفصيل المطابقة بينهما ينكشف له كثير من الأسرار ويصدق يقينا واعتقادا لا تقليدا بجميع ما ورد به الدين القيم من أحوال النشأة الآخرة ويحيط بتأويل كثير من الآيات المتشابهات قائلا آمنا به كل من عند ربنا ومن ثمة تصدق غالبا روية من اعتاد الصدق حتى عدت في الصديقين من أنواع الوحي وأجزاء النبوة فإن النفس إذا تمرنت بالصدق في حال اليقظة التي هي من عالم الشهادة سرى ذلك إليها في حال الرويا التي هي من عالم الغيب أو المراد أن الصدق يسري من اللسان إلى القلب والأول أقرب لفظا والثاني معنى ولأجل ذلك تكذب أيضا رؤيا الكذوب والشاعر وأمثالهما من المعتادين بالصور المتخيلة التي لا حقيقة لها كما يأتي في باب المنام ونبدأ ببيان طهارة الباطن وموجباتها بالترتيب المذكور لأنها الأهم كما ذكر باب جرائم الجوارح بالهمزة بعد الألف عوضا عن الياء الزائدة وهي ما يخالف حكمة (تع) من فعل ما حكم بتركه أو ترك ما حكم بفعله والفعل والترك حدثان فالجريمة هي نفس المخالفة دون ما يخالف أعني الهيئة المخالفة والحمل على معنى الهيئة لا يجري في الأخير إذ المعدوم لا هيئة له وكيف كان فهو من أجود التعاريف وتنقسم الجرايم مطلقا تارة إلى ما هو جريمة بأصل الشرع كشرب الخمر والزنا وما يصير جريمة بالنية والعزم كالأكل للتقوي على المعصية مثلا كما يأتي وأخرى إلى حقه (تع) محضا كافطار الصوم وترك الصلاة الواجبين وما يتركب من حقه (تع) وحق العبد كقتل النفس المحترمة وقطيعة الرحم ويضاف إلى العبد تغليبا إذ حق العبد أغلظ لأنه لا يغفر حتى يعفو عنه صاحبه كما يأتي وفي المتفق عليه ان الدواوين يوم القيمة ثلاثة ديوان يغفر وديوأن لا يغفر وديوأن لا يترك اما الذي لا يغفر فالاشراك بالله عز وجل وأما الذي يغفر فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين ربه وأما الذي لا يترك فمظالم العباد بعضهم لبعض والقسمتان على هذا الوجه حاصرتان للطاعات أيضا والضابط في الأخيرة أن ما تعلق به الخطاب الاقتضائي من الشارع إن كانت مصلحته مقصورة على المخاطب كالصلاة والحج فهو حق الله المحض وإن كانت غير مقصورة عليه بل لغيره فيه مصلحة فهو حق الآدمي أعني ذلك الغير سواء كان للمخاطب منها حظ كبذل العلم للمتعلم أو مقصورة عليه كانقاذ المتردي من البئر وسواء كان ذلك الغير محصورا بشخصه كأداء الأمانة إلى أهلها أو بوصفه كايتاء الزكاة إلى أصنافها أما لو لم يكن محصورا لا شخصا كان الحق معدودا من حقوق الله كالحدود والسياسات الشرعية التي يخاطب بها أولو الأمر لمصلحة عامة المكلفين وربما يوجد في كلام بعضهم الحاق المحصور بوصفه بغير المحصور إذ لا يجوز له المطالبة ولو كان الحق له لجازت له مطالبته فتندرج الزكاة وأمثالها في حقوق الله وفيه أن المستفاد من الروايات اندراج الزكاة في حقوق الآدميين على أن تخصيص ذي الحق بمن يجوز له المطالبة ممنوع إذ لا دليل عليه بل ربما يتفق الاستحقاق مع عدم جواز المطالبة كما في المحلوف له غموسا ومما ذكرناه يظهر أن اطلاق أكثرهم القول بأن الزنا من حقوق الله يحتاج إلى تفصيل وهو أن المزني بها إن كانت حرة مطاوعة خلية فكذلك وإن كانت أمة أو مكرهة أو ذات بعل أو ما تركب منها ثنائيا أو ثلاثيا غلب فيه حق الآدمي وفي الحديث يحكم البعل في حسنات الزاني وفيه دلالة على ما قلناه وإليه شيخنا البهائي زاد الله بهائه وأصرح منه ما رواه الصدوق في الفقيه مسندا عن أبي عبد الله (ع) في رجل فجر بجارية أخيه فما توبته قال يأتيه فيخيره فيسأله أن يجعله في حل ولا يعود قلت فإن لم يجعله من ذلك في حل قال يلقى الله زانيا خائنا
Shafi 17
الحديث وتنقسم الجرائم ثالثة إلى كبيرة وصغيرة ممتازة كل منهما عن الأخرى حقيقة وتكفر الصغيرة مطلقا باسقاط عقابها المستحق باجتناب الكبيرة مطلقا قال الله (تع) أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم والمراد بالسيئات الكبائر بقرينة المقابلة وقيل إن الصغيرة المكفرة هي ما كانت مقدمة لكبيرة مجتنبة لله سبحانه بعد الاشراف عليها والتمكن منها كما لو تمكن من الزنا فكف نفسه عن الوقوع واقتصر على المس والنظر فإن مجاهدته نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من اقدامه على المس والنظر في اظلامه ولو كان عنينا أو كان الامتناع لخوف ونحوه فلا تكفير ومن يشتهي الخمر والأوتار فأمسك نفسه بالجهد عن الخمر وأطلقها في السماع فمجاهدة النفس بالكف عن الخمر تمحو عن قلبه الظلمة التي ارتفعت عليه من معصيته السماع بخلاف من لا يشتهي الخمر بطبعه فإن سماعه للأوتار لا مكفر له حينئذ والكبيرة ما أوجب الله عليه النار كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) وكذا رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) وغيرهما وقيل ما أوعدها عليها وهو أعم من الأول لتطرق الاخلاف إلى الابعاد المطلق بخلاف الايجاب ولو ادعاء ويشهد له كثير من الروايات والوجه في الجمع حمل العام على الخاص وفي بعض الأخبار دلالة ظاهرة على ذلك مع التصريح بأنها سبع مثل صحيحة الحسن بن محبوب قال كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي فكتب (ع) الكبائر ما اجتنب ما أوعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف ومثله رواية أحمد بن عمرو الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وفي صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) الكبائر سبع قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله تعالى عليه النار وفي معناها رواية العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا (ع) ويستفاد منهما أن للإيجاب درجات بعضها فوق بعض وأن المعدودات هي المؤكدات منها ويؤكده حديث أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال أكبر الكبائر سبع ثم عدها والمراد بقتل النفس الحرام ازهاق الحياة من النفس المحترمة بالاسلام أو ما في حكمه كما هو الظاهر أو بالايمان حرا كان أو رقا ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا حتى الجنين مباشرة أو تسبيبا بقطع أو ضرب أو احراق أو اغراق أو ارداء أو سقي سم أو اغراء كلب أو غير ذلك وإن لم يوجب القصاص والكفارة وقد شدد الله أمر القتل عظيما وجعل من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا لهتكه حرمة الدماء وتسنينه سنة القتل وتجرئة الناس عليه وعن أبي جعفر (ع) يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان قيل فإن قتل أخر قال يضاعف عليه وعن أبي عبد الله (ع) من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها وبعقوق الوالدين تضييع حقوقهما حيين أو ميتين وقد أمر الله سبحانه بالاحسان إليهما في سبعة مواضع من القرآن وعن أبي عبد الله (ع) أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه لنهي عنه وفي حديث آخر من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما وفي حديث هشام عنه (ع) أن صوم الولد تطوعا بدون إذن الوالد من العقوق ويلوح من بعض الأخبار أن تضييع الوالدين حقوق الولد عقوق أيضا ففي الحديث يلزم الآباء من العقوق لأولادهم ما يلزم الأولاد من العقوق لآبائهم وفيه لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما وفي رواية الكناسي عن أبي عبد الله (ع) والذي إذا دعاه أبوه لعن أباه والذي إذا أجابه ابنه يضربه والاكثار في الحث على بر الوالدين والنهي عن عقوقهما دون الأولاد من أسرار حكمة الشريعة فإن كل ما إليه محرك من الطبع لا حاجة إلى الترغيب والتأكيد فيه كثيرا في الشرع بخلاف مالا باعث إليه طبعا فإن الحاجة إلى الحث عليه والمبالغة في المنع عن مخالفته شديدة جدا وهذا أصل ينفعك في مواضع كثيرة في الأفعال والتروك جميعا ويستفاد من كثير من الأخبار والآثار أن محافظة حقوق المشايخ والمعلمين من أقوى البر وتضييعها من أفحش العقوق وقد تقدمت الإشارة إليه ويأتي لهذا تتمة في باب المعاشرة وبأكل الربا الانتفاع بالمعاملة الخاصة مطلقا وإنما خص الأكل لأنه أظهر الانتفاعات ومثله في أكل مال اليتيم وورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الربا وأكله وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه ومن تأمل في حكمة الباري جل شأنه في خلق النقود والأطعمة الربوية وعنايته (تع) بمصالح العباد وشدة احتياجهم إلى المعاوضات المقتضية لتحليل البيع انكشف له الوجه في تحريم الربا من غير ريب كما يأتي في كتاب الكسب وكذا تحريم أواني الذهب والفضة فإن ذلك كله ظلم ووضع للشئ في غير موضعه ومضادة للحكمة الإلهية وبالتعرب بعد الهجرة أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد قاله ابن الأثير وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) التعرب و الشرك واحد وفي كلام بعض علمائنا أن التعرب في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه وقال المصنف في الوافي لا يبعد تعميمه لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها وفي معاني الأخبار عن أبي عبد الله (ع) قال التعرب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته والمشهور أن التعرب بالمهملة وربما يضبط بالمعجمة والأول أوفق بالتعميم وبقذف المحصنة رمي العفيفة بالفاحشة حرة أو أمة ذات بعل أو خلية مواجهة أو غايته وبالفرار من الزحف الانهزام من جيش الكفار والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون وقيل الكثير بحيث يرون من كثرتهم كأنهم يزحفون أي يدبون من زحف الصبي إذا دب على مقعده والزحف أيضا تقارب القدم إلى القدم فهذا بيان السبع الموجبات المعدودة في حديث الحسن بن محبوب اجمالا وزيد في غيره ذنوب أخر روى ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه وعيون الأخبار في الصحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (ع) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ثم أمسك فقال أبو عبد الله (ع) ما أسكتك قال أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وبعده الإياس من روح الله لأن الله يقول إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وبعده إلا من من مكر الله لأن الله يقول فلا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون ومنها عقوق الوالدين لأن الله جعل العاق جبارا شقيا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن
Shafi 18
الله يقول فجزاؤه جهنم خالدا فيها إلى آخر الآية وقذف المحصنة لأن الله يقول لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وأكل مال اليتيم لأن الله يقول إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا والفرار من الزحف لأن الله يقول ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله و ماويه جهنم وبئس المصير وأكل الربا لأن الله يقول الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والسحر لأن الله يقول ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق والزنا لأن الله يقول ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا واليمين الغموس الفاجرة لأن الله يقول الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة والغلول لأن الله يقول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ومنع الزكاة المفروضة لأن الله يقول فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله يقول ومن يكتمها فإنه إثم قلبه وشرب الخمر لأن الله نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله يقول أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في العلم والفضل انتهى الحديث والوجه في كون الاشراك بالله أكبر الكبائر واضح ومن أمعن النظر رأى أنه ما من معصية صغيرة أو كبيرة إلا وفيها منه نصيب فهو بمنزلة الحقيقة الجنسية الموجودة في الأنواع كلها إلا أن مراتبه متفاوتة جدا وبعضها أجلى من بعض والأذهان العامية متسارعة إلى مرتبة واحدة منها هي أجلى المراتب وأعلاها أعني عبادة الأصنام المعمولة من الذهب والخشب أو غيرهما والسجود لها وهو الموسوم عندهم بالشرك الجلي غير ملتفتة إلى المراتب النازلة مع أن غائلتها أعظم والبلوى بها أشد واعم ولنكتف في بيانها بايراد بعض الروايات في ذلك فعن أبي عبد الله (ع) أمر الناس بمعرفتنا والرد إلينا والتسليم لنا وإن صاموا وصلوا وشهدوا أن لا إله إلا الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا إلينا كانوا بذلك من المشركين وعنه (ع) لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه النبي إلا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين الحديث وعنه (ع) في قول الله عز وجل وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك وعنه (ع) كل رياء شرك وعنه (ع) في قوله (تع) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قال الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه الحديث وسئل عنه (ع) عن أدنى ما يكون به الانسان مشركا فقال من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه وفي الصحيح عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفر (ع) عن أدنى ما يكون به العبد مشركا قال فقال من قال للنواة أنها حصاة وللحصاة أنها نواة ثم دان به وفي بعض الروايات أن الاستعانة في الوضوء اشراك وقوله عز وجل إنما المشركون نجس لا يبعد عمومه لجميع هذه المراتب المتباينة لاشتراكهم في الوصف المحكوم به عليهم أعني خبث الباطن ودرن القلب ورجاسة الغيب وإن كانت شهادتهم نقية مستطابة وصدقه عليها صدق المشكك على ما تحته وقد نطقت النصوص باثبات نظير هذه المراتب للكفر أيضا وبإزاء كل واحدة منها مرتبة من مراتب التوحيد والايمان والإياس من روح الله هو افراط الخوف وتفريط الرجاء كما أن الأمن من مكر الله افراط الرجاء وتفريط الخوف وكلاهما خروج عن الاعتدال ونكوب عن الصراط المستقيم كما يأتي والسحر في الأصل صرف الشئ عن وجهه وسحر كمنع خدع وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر سواء كان من أعمال اليد أو خواص الجواهر أو الأعراض مفردة أو مركبة أو غير ذلك فيندرج فيه الشعوذة وقد يطلق على ما يباينها وربما يفسر بكل عمل يحدث بسببه ضرر على الغير من كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام وعزايم أو نحوها ومنه عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطيها والقاء البغضاء بينهما كما قال الله (تع) فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ومنه استخدام الملائكة والجن و استنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب واستحضارهم وتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة فتعلم ذلك وأشباهه وتعليمه والعمل به حرام إلا للتوقي أو دفع المتنبي وقيل بوجوب تعلمه لذلك كفاية وعن أمير المؤمنين (ع) من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر عهده بربه وحده أن يقتل إلا أن يتوب ويجوز حله بالقرآن والأقسام وهل يجوز بالسحر الذي حكم به العلامة في المنتهى المنع لأنه سحر وحديث عيسى بن سيفي صريح في الجواز وأما الطلسم وهو مزج القوى العالية بالقوى السافلة ليحدث منها أمر غريب في عالم الكون والفساد فما كان منها مشتملا على اضرار أو تمويه على المسلمين أو استهانة بشئ من حرمات الله كالقرآن وأبعاضه وأسماء الله الحسنى ونحو ذلك فلا ريب في تحريمه سواء عد من السحر أو لا وما عدا ذلك للأغراض المباحة كحضور الغائب وبقاء عمارة الدار والضيعة وفتح حصن الكفار على المسلمين ونحوه فمقتضى الأصل جوازه ويحكي عن بعض عظماء الأصحاب فعله وربما يستندون في بعضها إلى أمير المؤمنين (ع) وإن كان في السند كلام وأطلق في الدروس تحريم عمل الطلسمات الحاقا له بالسحر ووجهه غير ظاهر وأما تسخير رونيات الكواكب فالذي وقفت عليه من أعمالها يشتمل على مناكير كثيرة ومن جملتها أوراد وأذكار لا يجترئ المسلم على التلفظ بها وإن كانت الغاية المقصودة مباحة وما يحكى عن بعض المتأخرين من فعل ذلك فغير ثابت وبعد التسليم فلعله كان على نهج آخر وهذه أمور مباينة للمعهود من آداب الاسلام في التوصل إلى المقاصد بالدعاء والتضرع والابتهال إلى الله والاستشفاع والتوسل إليه بأرواح النبي والأئمة صلوات الله عليهم وإنما تناسب مذهب الصبوة والتنجيم والزنا هو ايقاب الحشفة بامرأة محرمة قبلا أو دبرا وهي الفاحشة وقد يقال إنه في الدبر لواط
Shafi 19
ويشتد التفاحش باحصانه فإن كانت أمة أو محصنة أو مكرهة فأفحش لتعلق حق الآدمي حينئذ كما سبق واليمين الغموس هي الحلف على الماضي كذبا وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم قال بعض العلماء ولو حلف واقتطع مال مسلم أو ذمي فالإثم أشد والعقوبة أعظم و لو لاعن ونفى النسب كاذبا فأشد ولو أقسم في دعاوي الدم كاذبا فأشد ولا تنفع التورية إذا كان المحلوف له مظلوما والغلول الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة وكل من خان في شئ خفية فقد غل وسمي غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة وحذفه المصنف لفقد موضوعه في هذا الزمان ومنع الزكاة المفروضة مندرج في ترك شئ مما فرضه الله فاكتفى به عنه وشهادة الزور هي الشهادة بما لا يعلم وإن كان المشهود به صدقا في نفس الأمر ولا فرق بين أن يكون لا علم له بالواقعة أصلا أو له علم بخلافه أو كان له علم فنسيه سواء كان صاحبه ثقة ومعه ثقة يشهد أم لا وسواء عرف خطه وخاتمه أم لا وما ورد بخلاف ذلك معارض بما هو أقوى منه كما يأتي ووجوب أداء الشهادة على الشاهد المستشهد كفاية أو عينا مما لا ريب فيه والمشهور الوجوب في غيره أيضا وفي حديث المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله من كتم الشهادة أطعمه الله لحمه على رؤس الخلايق وكذا الخلاف في وجوب التحمل عينا أو كفاية بالاستشهاد كما يأتي والخمر يطلق في العرف على هذا المسكر المتخذ من ماء العنب وفي الروايات على النبيذ والفقاع أيضا وكل ما خمر العقل أي ستره ولا فرق بين قليله وكثيره في التحريم والنهي عنه وعن عبادة الأوثان مسوقان مساقا واحدا في قوله عز وجل إنما الخمر و الميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه وترك الصلاة معدود في بعض الروايات من الكفر وربما يقيد في كلامهم بالاستحلال والمستفاد من بعضها الاطلاق وصرف التقييد إلى الكفر نظير تارك الحج أو أغلظ منه فيعود النزاع لفظيا والظاهر أن المراد بشئ مما فرضه الله ما أوجبه في القرآن فإنه اصطلاح قديم والفرايض بهذا المعنى قد صارت من ضروريات الدين وتارك شئ منها في مرتبة تارك الصلاة أو يدانيه ومن ثم حسن سوقهما مساقا واحدا وفيهما خروج عن شرط السئول اهتماما بهما وإشارة إلى أن الكباير ليست منحصرة فيما توعد عليه الكتاب كما هو الأقوال ولم يستشهد (ع) لنقض العهد بقوله (تع) وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا لأن الأمر بالوفاء أعم من كون النقض كبيرة توعد عليها بالوعيد الشديد واكتفاء بما سبق من شاهد اليمين ففيه إشارة إلى أن المراد ما عوهد الله عليه دون عهود العباد بعضهم لبعض وإن وجب الوفاء بها وعن أبي عبد الله (ع) ثلاثة لا عذر لأحد فيها ولم يجعل الله لأحد فيهن الرخصة الوفاء بالعهد للبر والفاجر وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين وأداء الأمانة إلى البر والفاجر والرحم الذي تظافرت الآيات والروايات بالنهي عن قطيعته والأمر بصلته هو القريب المعروف بنسبه وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه دون من يحرم نكاحه خاصة كما قيل وفي الحديث أن قوله (تع) فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم نزلت في بني أمية وعن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما متعلقة بالعرش يشكو رحما إلى ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أبا وقطعه عبارة عن هجره والاعراض عنه وقلة الاكتراث به من دون سبب شرعي وليس منها القطيعة ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) إن لي ابن عم فيقطعني وأصله فيقطعني حتى لقد هممت لقطيعته إياي أن أقطعه قال إنك إذا وصلته وقطعك وصلكما الله جميعا وإن قطعته وقطعك قطعكما الله وعنه (ع) أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أهل بيتي إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم قال إذن يرفضكم الله جميعا قال فكيف أصنع قال تصل من حرمك قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير وعنه صلى الله عليه وآله لا تقطع رحمك وإن قطعك وصلته بره والاحسان إليه بالتزاور وحسن اللقاء والتعاون والمواساة وكل ما قدر عليه من الخيرات ولو بالسلم كما يأتي في باب المعاشرة وعن الرضا (ع) أفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها وقد استفاضت الروايات بأنها منساة في الأجل ومدفعة للبلاء وميسرة للحساب وموسعة للرزق ومزكاة للعمل فهذا بيان الزيادات الواقعة في هذا الخبر وورد في خبر ثالث اسقاط بعض هذه وزيادة غيرها وهو حديث شرايع الدين برواية الأعمش وما كتبه الرضا (ع) للمأمون برواية الفضل بن شاذان قال الكباير هي قتل النفس التي حرم الله والزنا واللواط والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله من غير ضرورة وأكل الربا بعد البينة والسحت والميسر و هو القمار والبخس في الكيل والوزن وقذف المحصنات وشهادة الزور واليأس من روح الله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله ومعونة الظالمين والركون إليهم واليمين الغموس وحبس الحقوق من غير عسر والكذب والكبر والاسراف والتبذير والخيانة والاستحقار هكذا وجدناه فيما وجدناه من نسخ الكتاب والمفاتيح وفيما وجدناه من نسخ الخصال وعيون الأخبار المحاربة لأولياء الله والاستخفاف بالحج والاشتغال بالملاهي والاصرار على الصغاير من الذنوب واللواط هو الايقاب بذكر من غير شبهة حرا كان أو عبدا طايعا أو مكرها مسلما أو كافرا وهو أفحش الفجور وأبعده عن الحكمة المقتضية لتسليط الشهوة وقد خلق الله الذكورة مئنة للفعل والأنوثة للانفعال فاللائط ظالم ممتثل أمر إبليس في تغيير خلق الله وفي الحديث أن اللواط هو ما كان بين الفخذين وأما الايقاب فهو الكفر بما أنزل الله والمفعول أسوأ حالا والسرقة هي أخذ المال المحترم خفية فإن كان جهرا فغضب ولا فرق بين القليل والكثير وقد وردت الرخصة بها على وجه النقاض عند انحصار العلاج فيها ويأتي في محله
Shafi 20