مضطر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أو النظر في أعمالها وخساسة ثمنها فأجرة أجير يعمل طول النهار ويحمل الأثقال على ظهره في شمس الصيف أو يحرس طول الليل المظلم في برد الشتاء درهم أو درهمان في العرف العام وإنما يعطى هذا المال الخسيس بالاستخدام على الدوام في جميع الوقت المشروط ولو أخل بها في جزء يسير حوسب عليه ونقص من أجرته والالقاء بالنفس في الأخطار والمهالك كذلك فإذا علم هذا وشفع ذلك بالنظر في كرمه (تع) عليه بالتوفيق للعمل والاقدار عليه بتهيئة الأسباب التي لا تتهيأ إلا بكرمه عز وجل ورفع الموانع التي لا ترتفع إلا بكرمه سبحانه أيضا ووعده الثواب الجزيل المخلد على ساعة من العمل المعيوب استحى من نفسه واستحقر عمله ووجد نفسه في عجبه واستعظامه لصلاته أو تسبيحه أو غيرهما مما يعجب به نظير سوقي خامل بائس فاقد لقوة السمع والبصر والفهم والبطش والمشي وسائر الحركات فتفقده الملك وأكرمه وأسبغ عليه النعمة وأصلح أحواله حتى عاد سميعا بصيرا موسرا قادرا قويا ورتب له جميع ما يرتفق به في معاشه من المطعم والمسكن والملبس والمركب ومن أسباب الزينة والتجمل والتفكه مثل ذلك وأمره أن يأتي كل يوم باب السلم ويمكث هناك هنيئة مع أمثاله من المأمورين ويرجع ووعده أن يجزل له يوم العرض العام بإزاء هذه الخدمة اليسيرة ضروبا من الانعامات مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم إنه بعد ما اعتدلت أحواله يركب كل يوم مركبه الذي أعطاه الملك ويغدوا إلى الباب كما أمر لحظة خفيفة ثم يعود مرحا إلى مأواه مترفا مسرفا في اتباع هواه مشتغلا باللذات متوسعا في الشهوات متنعما بالطيبات التي أدرها له الملك ثم يكون هذا الغافل الكفور مستصغرا جميع هذه المحامد الجليلة ومستعظما غدوه إلى الباب ومعجبا به وهل هذا إلا جهل وشقاء وسفه وقلة حياء بل حال المعجب بعمله أفحش وأشنع من حال هذا الجاهل أضعافا مضاعفة لا تحصى على مقدار التفاوت بين كرمه ونعمه تعالى وكرم الملك المفروض ونعمه وفي بعض الآثار أن عابدا من بني إسرائيل كان مقيما في كهف وبجنبه عين ماء وأشجار مثمرة كان مكتفيا بها العابد فمكث ما شاء الله صايما نهاره قائما ليله فدخله العجب فلما أفطر ليلته بشئ من الثمار وذهب إلى العين ليشرب على عادته رآها قد غارت ولا ماء فاضطرب واشتد به العطش فانحدر من الجبل ليطلب الماء فلقيه ملك في هيئة رجل معه قربة من ماء فقال له العابد اسقني سقاك الله قال هات الثمن قال ما عندي شئ وأنا فلان العابد فقال هات عبادتك فقال العابد أنى يسوغ هذا وأنا أعبد الله منذ كذا سنة كيف أبذلها على شربة من ماء فقال الرجل لا بد من ذلك فساومه بالعشر والتسع ولا زال يزيد شيئا فشيئا والرجل لا يرضى إلى أن رضي العابد بالجميع فلما بذلها له جميعا ناوله الماء فلما شرب وارتوى عرك الملك أذنه وقال له مهلا أيها المعجب بأعمال قدرها شربة من ماء وأنت تشرب كل يوم كم شربة فأي شئ تستعظم من عملك فعلم العابد أن ذلك كان تنبيها من الله له والآخر بمعرفة حقيقة الكمال وانقسامه بادي الرأي إلى الديني والدنيوي وأن الكمال الدنيوي وهو ما عدا العلم والعمل من المفارقات وهمي لا حقيقة له كما تقدم فلا يحسن استعظامه والعجب به والكمال الديني وهو العلم النافع والعمل به ينافيه وينفيه فالعلم وهو في الحقيقة من جملة الأعمال القلبية وإذا قوبل به العمل أريد القسم البدني والصناعي منه النافع منه ما يزيد خوفا منه (تع) بحمل المواطاة ومن ثم ينعكس كليا كما ينبه عليه الحصر في قوله عز وجل إنما يخشى الله من عباده العلماء ولا عبرة بغيره من العلوم لأنه من المفارقات فهو من الكمالات الوهمية بل لا يحسن اطلاق اسم العلم عليه كما سبق التنبيه عليه وكل عمل دونه من البدنيات والصناعيات فلا نفع له بدون العلم النافع النافي للعجب إذ هو شرط له في القبول وترتب الجزاء الموعود وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط فلا يتحقق العمل النافع ما لم يتحقق العلم النافع وحينئذ لا عجب وبدونه فالعمل خيبة وضلال كما تقدم في الحديث أن العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا يزيده كثرة السير إلا بعدا وعن أبي الحسن (ع) أنه سئل عن العجب الذي يفسد العمل فقال العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فرآه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا الحديث و فيه تمليح إلى قوله (تع) قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأيضا فالاطلاع على تفاصيل الذنوب الباطنة الموبقة للعمل بالمنع عن القبول أو الاحباط صعب سيما لمن لم يتفرغ الفحص عن دقائقها وتهذيب الاخلاص فالخلوص عنها أصعب وما لم يتحقق الخلوص عنها والأمن من غوائلها فالعجب بالأعمال بناء على شفا جرف هار وفي الحديث النبوي أن الله خلق سبعة أملاك وجعلهم على أبواب السماوات فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ السماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ثم تجئ الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمر به حتى تبلغ السماء الثانية فيقول الملك قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنما أراد بهذا عرض الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ويقول الملك الثالث أنا صاحب الكبر ويرد العمل والرابع صاحب العجب والخامس صاحب الحسد والسادس صاحب الرحمة يقول إن صاحب هذا العمل لا يرحم شيئا إذا أصاب عبد ذنبا للآخرة أو ضرا في الدنيا شمت به ويقول السابع أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله أنه أراد رفعة عند القواد وذكرا في المجالس وصيتا في المداين وتصعد الحفظة بعمل العبد تشيعه ملائكة السماوات بجماعتهم حتى يقوموا بين يدي سبحانه فيشهدوا له بعمل ودعاء فيقول أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه لم يردني بهذا العمل عليه لعنتي فتقول الملائكة عليه لعنتك ولعنتنا والحديث مختصر وأيضا فالأمور بخواتمها والخاتمة مستورة وسوءها غير مقطوع الانتفاء فلا يليق الركون إلى الأعمال الواقعة تحت الخطر وعن أبي عبد الله (ع) العجب كل العجب ممن يعجب بعمله وهو لا يدري بما يختم له فمن أعجب بنفسه وفعله فقد ضل عن نهج الرشاد وعنه (ع) قال الله لداود يا داود بشر المذنبين إني
Shafi 55