من النفس أو قلع أصله بتحصيل ضده المحمود كما يأتي في موضعه الأنسب بالتفصيل ولنذكر هنا بالاجمال علاجا كليا بمنزلة الروادع المستعملة لتسكين المواد الهايجة في البدن وهو مضادة الحسد بأن يحكمه وينظر ما يتقاضاه من قول وفعل وترك فيكلف نفسه بنقيضه الأخص فإن بعثه على اطلاق اللسان فيه بالوقيعة ألزم نفسه المدح له والثناء عليه وذكر محامده وإن بعثه على إيذائه ألزمها الاحسان إليه والتعطف عليه و بعثه على هجره وقطيعته ألزمها الاختلاف إليه ومواصلته وهكذا فإذا فعل ذلك مرارا مالت إليه نفس المحسود بالتودد والتلطف وتطييب نفس الحسود بذلك ويحصل بينهما المودة والمحبة والموافقة ويزول الحسد وأما الأول فالعلاج الممكن فيه المجاهدة والرياضة واكراه النفس على النصيحة حتى لا تتلظى ناره ولا يتدره آثاره كما تقدم والثاني ذكر الآفات الدنيوية والأخروية المذكورة التي هي لوازم الحسد ليتحرز عنها بالاحتراز عن ملزومها وذكر ما ورد فيه من النهي والذم وما ورد في وجوب موالاة المؤمن ورعاية حقوقه التي أيسرها أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه كما تقدم ويأتي وبهذا يعالج العداوة أيضا وما ورد في عظم قدره وأن روحه لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها وأنه ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وأنه ولي الله وأن من قال له أنت عدوي فقد كفر ونحو ذلك مما يدل على أنه لا يحسن كراهة نعمته وذكر ما ورد في التعاون أو في وجوبه فإن ذلك مما يحرك إلى السعي في قضاء حوايجه وهو يتجر إلى حصول المصافات بينهما وزوال الحسد كما عرفت أو يكون معطوفا على الذكر كما يليه وهو أقرب معنى والأول لفظا وبركة الجماعة في الصلاة وفي مجالس الخير فإنها تبعث على التسالم والتصافح والتعاطف ونحوها من المحاسن المرغوبة الدينية الجالبة للتحابب والمناصحة المميتة للأحقاد والضغاين كما هو المشاهد وهو من أوضح الوجوه المعقولة في الحث على الاجتماعات الشرعية باب حب الخمولة يقال أخمل صوته أي أخفاه والخامل الساقط الذي لا نباهة له وهو من ملكات النفس المطمئنة من شعب التواضع وكان الأولى تأخيره عنه وله فضيلة عظيمة والفضيلة هي الدرجة الرفيعة في الفضل فورد في الحديث النبوي طوبى لعبد نؤمة عرفه الله ولم يعرفه الناس أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم الحديث والنؤمة كهمزة وقيل بالتسكين الخامل الذكر وفيه رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك والأشعث المغبر الرأس أو المتفرق الشعر والأغبر الذي فيه لون الغبر محركة وهو التراب وهما من صفات العيوب والطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف ولا يؤبه به أي لا يفطن له وضمن الأقسام معنى التحكم فعدى تعديته والأبرار امضاء اليمين على الصدق وضده حب الجاه وهو من ملكات النفس الأمارة من شعب الكبر ولو اتسع من جهة الله بلا تكلف طلب من العبد فلا بأس إلا أن فيه فتنة على الضعفاء دون الأقوياء كالغريق الضعيف السباحة إذا كان معه جماعة من الغرقى فالأولى به أن لا يعرفه أحد منهم فإنهم يتعلقون به فيضعف عنهم فيهلك معهم وأما القوي فالأولى أن يعرفه الغرقى ليتعلقوا به فينجيهم ويثاب عليهم وربما يجب عليه أن يعرفهم نفسه ويدعوهم إلى التعلق به انقاذا لهم من الهلكة وعلى هذا تحمل ما بلغك من حال بعض الأكابر في تعرفهم إلى الخلق وعرض أنفسهم على السلاطين والولاة وقبول الولايات أو طلبها و حينئذ فالمطلوب بالحقيقة ليس هو الجاه بل ما يترتب عليه من الفوايد الدينية كالاقتدار على إقامة شعاير الحق والحسبة وارشاد المسترشدين وقضاء الحوائج وعموم النفع وإنما المذموم حبه لغير ما ذكر إما لنفسه أو للمقاصد الدنيوية أو للضعفاء الذين ليسوا من أهل الفوايد الدينية إلا أن ههنا موضع غرور وقد أشرنا إلى نظيره فيما سلف وهو أن من الضعفاء من يشتبه عليهم حال أنفسهم فيعتقدون بأنفسهم القدرة ويظنون أنهم من الأقوياء الذين من شأنهم انقاذ الهلكى فيهلكون وأيضا إذا انفتح باب الرخصة ربما يتخذ ذلك رخصة علة ويتسع الخرق فمن ثم ورد ما ورد في ذم الجاه والنهي عن حبه مطلقا من غير تقييد قال الله (تع) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا و في الحديث ملعون من ترائس ملعون من هم بها ملعون من حدث بها نفسه وأصله انتشار الصيت وهو قريب من كلام أهل اللغة أنه القدر والمنزلة مقلوب وجه وحقيقته تلك القلوب وهو أحد شطري الدنيا والآخر المال وحقيقته تلك الأعيان فإن الموصل إلى المقاصد بأسرها من نيل الشهوات ودفع الآفات منحصر فيهما ومن ثم يتهالك عليهما توصلا إليها وربما يفضي الأمر إلى إهمال معنى التوصل والتهالك عليهما لنفسهما لتعلق القلب بهما بالذات من غير أن يقصد ورائهما غرض ولا غاية وذلك كما أن الرجل قد يحب حليلته من حيث إنه يدفع بها فضلة الشهوة كما يدفع ببيت الماء فضلة الطعام ولو كفى مؤنة الشهوة لكان يهجرها كما يهجر بيت الماء لو كفي قضاء الحاجة وربما يحبها محبة العشاق بحيث لو كفي الشهوة لبقي مستصحبا لها أيضا لشغفه بها لنفسها لا لأجل شئ آخر والجاه هو الشطر الأعظم فإنه أشهى من المال لوجوه أما أولا فلأن تحصيل الغرض فيما يطلب لأجله به أيسر فإن المميل لا يحصل به غرضه إلا ببذله فهو وإن كان مستكملا بحصول الغرض إلا أنه منتقص بذهاب المال بخلاف الوجيه فإنه مستكمل بتحصيل الغرض من غير انتقاص وأيضا التوصل بالجاه إلى المال لو كان هو الغرض أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه فالعالم أو الزاهد الذي تقرر له جاه في القلوب لو قصد اكتساب الأموال لم يتعسر عليه فإن أموال أرباب القلوب مبذولة له وأما الخسيس الذي لا جاه له إذا وجد كنزا مثلا وأراد أن يكتسب به جاها فربما تعوقه عنه العوائق وأما ثانيا فلأن المال معرض للتوى والتلف لأنه يسرق ويغصب ويطمع فيه الملوك والظلمة ويتطرق إليه أخطار كثيرة لا سلامة منها إلا بتعب شديد مع صرف بعضه في حراسة الباقي بخلاف الجاه فإنه مأمون عن نحو السرقة والغصب نعم ربما تنحرف القلوب وتتغير الاعتقادات وذلك مما يهون دفعه عند المتقيدين به وأما ثالثا فلأن الجاه نام بنفسه من غير تعب لأن القلوب إذا اعتقدت في أحد كمالا
Shafi 49