القيد إلى الثلاثة الأخيرة ويدل عليه صريحا ما رواه ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد وعنه (ع) ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده وهذا هو الوجه في اعتبار التظاهر في الحسد القادح في العدالة كما في الشرايع والدروس والمفاتيح و غيرهما وقيل إنهما محمولتان على الغبطة وفيه أن عموم الغبطة ممنوع كما يأتي وأيضا ينافيه التقييد في الأخيرتين فإن المقيد تحريمه مفهوما إنما هو الحسد وهو المرسوم المعدود من ذمائم الأخلاق بخلاف الغيرة فإنها من الأخلاق المحمودة مطلقا وورد في الحديث النبوي أن الغيرة من الايمان وفيه كان أبي إبراهيم غيورا وأنا أغير منه وارغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين وفيه أيضا كما تقدم بتغيير يسير أتعجبون من غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير منا وربما تتصف بالوجوب إذ بها تنكر المناكير وعن أبي عبد الله (ع) إن الله تبارك وتعالى غيور ويحب كل غيور ومن غيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها وكذا الغبطة والمنافسة فإنها محمودة في الجملة روى ثقة الاسلام عن أبي عبد الله (ع) قال المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط بل ورد الأمر بها في قوله عز وجل وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليست على حد قسيميها من اطلاق الحكم بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة فهي تتبع ما غبط فيه حرمة وكراهة وإباحة ووجوبا وندبا وفي حديث أبي كبشة الأنصاري قال رسول الله صلى الله عليه وآله مثل هذه الأمة مثل أربعة رجال رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فيقول رب لو أن لي مال فلان كنت أعمل بمثل عمله فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق في معاصي الله ورجل لم يؤته الله مالا فيقول لو أن لي مال فلان كنت أعمل فيه بمثل عمله فهما في الوزر سواء وسبب الحسد لا يخلو عن أحد أمور سبعة أما خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله فإن من الناس من لا يشتغل برياسة ولا طلب مال ولكن إذا ذكر عنده حسن حال عبد من عباد الله وإن كان لا يعرفه ولا يعاديه شق ذلك عليه وغمه وإذا وصف اضطراب أمور الناس وتنغض عيشهم تسلي همه وانجلى كربه فهو أبدا يبخل بنعم الله على عباده وهو داء مزمن لا يرجى برؤه لأنه جبلي وإلا خلاق الجبلية لا مطمع في إزالتها كما تقدم وهذا رجوع من المصنف إلى ما قررناه من التفصيل وإنما يعلل لتنكسر سورته ويخفف ضرره أو الرغبة في نعمة الغير بعينها فيحب انتقالها منه إلى نفسه كالرئاسة المعينة و المملوك والزوجة الخاصين أو خوف فوت المقاصد كما في المتزاحمين على مقصود واحد يحب كل منهما الانفراد به وإذا ظفر به أحدهما حرم الآخر مثل الضرة مع ضرتها والأخ مع أخيه على نيل المنزلة في قلب الزوج والأبوين وهما مندرجان تحت رذيلة الحرص أو العداوة وهي تحت الحقد فإن من أساء إليه أحد كرهه وبغضه لا محالة كما في الحديث جبلت القلوب على بغض من أساء إليها فيكره نعمته ويتمنى زوالها عنه وإن لم يرج حصولها لنفسه أو التعزز وهو عزة نفسه مع كراهة ترفع الغير عليه بسبب النعمة فيتمنى زوالها عنه أنفة عن تكبره ولا يأنف عن مساواته وهو من شعب التكبر أو التكبر نفسه بأن يكون في طبعه استصغار المنعم عليه واستتباعه ولا تسمح نفسه معه بالمساواة فيكره نعمته لئلا يتشوق هو إلى مساواته والخروج عن متابعته بسبب النعمة أو التعجب برجحان من ساواه بزعمه في المرتبة بالفوز بالنعمة كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون إذ استعظموا أن يفوز بنعمة النبوة و الوحي بشر مثلهم بزعمهم فحسدوهم وهو من شعب الكبر مع الجهل وقد تتركب هذه الأسباب مثنى وثلاث فصاعدا فيقوى الحسد وينهتك حجاب المجاملة وأغلب ما يكون بين أقوام تجمعهم روابط مخصوصة يتواردون بها على المقاصد ويتقيدون بحفظ المراتب ويكثر بينهم التنازع والتجاذب وكلما قويت الرابطة كثر ترادف الأسباب وكلما ضعفت قل فمن ثمة شذ الحسد بين العالم والتاجر وبين الحايك والإسكاف إذ لا رابطة بينهم تجتمع بها الأسباب وكثر وقوي بين الأمثال والأكفاء لاجتماع الأسباب فيهم لقوة الرابطة سيما بين الأمثال من الأقارب لأن اجتماعها فيهم أكثر منه فيمن عداهم فإن بنى الأعمام المتكافئين في النسب مثلا يحصل فيهم التعجب والتعزز وفي بعضهم التكبر وتفشو بينهم المخاصمة بسبب الدعاوي على المواريث المشتركة والمزاحمة على المقاصد الظاهرة والخفية لاطلاع بعضهم غالبا على أحوال بعض ولعله السر في كراهة مجاورة القريب كما يأتي فإن انصاف إليها خبث الباطن كان الداء العضال وكذا بين علماء الدنيا القاصدين لها لكثرة تحققها فيهم أيضا وقلة التفاتهم إلى تهذيب الأخلاق وإنما هممهم مقصورة على ما يكتسبون به القبول في قلوب المريدين ويتوصلون إلى نيل المال والجاه وحسن الصيت وجميل الأحدوثة والأصل في ذلك كله حب الدنيا وحيث إنها ضيقة المجال لا تسع لجميع آمال الآملين فمن ثمة يكثر على مقاصدها التزاحم والتشاح وبقدر ما يخطئ بعضهم يحرم الآخرون وينشأ من ذلك ضروب المباغضات وأسباب الحسد فإن القلوب إذا امتلأت من تعظيم أحد العالمين وحسن الاعتقاد فيه انصرفت عن تعظيم الآخر وكذا إذا سامحت ببذل ما يصرف إلى العلماء لأحدهم صفرت أيدي الآخرين فيتحاسدون دون علماء الآخرة لتهذيب أخلاقهم واقتصار هممهم على معرفة الله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والمعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الإفادة والاستفادة ومن ثمة لا محاسدة في نعم الجنة كما أخبر (تع) عن حال أهلها بقوله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا لأن المنزلة عند الله لا ضيق فيها فإن أجل ما عند الله سبحانه من النعم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ولا مزاحمة كما لا مزاحمة على لذة النظر إلى زينة السماء بما فيها من الزواهر ومن ثمة لا يتحاسد فيها وعلاج الحسد بوجهين رفع المقتضي وإيجاد المانع فالأول قلع كل ما يجده بنفسه من الأسباب الستة الأخيرة
Shafi 48