في الحقد فإنه من فروع الغضب وهو ذميمة فاحشة منافية لكمال الايمان فورد في الحديث النبوي المؤمن ليس بحقود وهو من أصول الحسد كما يأتي وعلاجه قلع الغضب لأنه أصله وذكر ما ورد في فضل العفو الذي هو ضده مثل قوله (تع) والعافين عن الناس بعد قوله سبحانه والكاظمين الغيظ وعن النبي صلى الله عليه وآله عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله وما ارتكبه الحقود من لوازم الحقد من مكروه كترك كثير من التطوعات التي كان يستوجب فضلا عظيما بفعلها لولا الحقد كالمواساة والإعانة في قضاء الحاجة والدعاء والابتداء بالسلم والزيارة وتسميت العطسة والمجالسة على ذكر الله والوعظ والبشاشة وحسن اللقاء والرفق ونحو ذلك فإن التعرض للحرمان عن هذه الفضايل العظيمة غبن فاحش أو حرام كالشماتة بالمصائب والاعراض بالهجر والقطيعة والايذاء والإهانة وانطلاق اللسان بالفرية والغيبة وافشاء السر و ترك كثير من الواجبات الدينية مثل صلة الرحم إن كان المحقود من ذويها وهي مندرجة في الاعراض وأفردت بالذكر اهتماما وكذا ترك قضاء الحق الواجب كما في رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ما حق المسلم على المسلم قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه نصيب ثم قال (ع) أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك الحديث وبمعناه غيره كما يأتي في كتاب المعيشة وفي عدة أخبار أن من حق المؤمن على المؤمن النصيحة فهي داخلة في الحق وأفردت بالذكر افتتاحا للباب باب النصيحة وهي في اللغة الخلوص وفي العرف إرادة بقاء النعمة على المسلم أو حصولها له مما له فيه صلاح ديني وضدها الحسد وقوبل فيما مضى بالتسليم وما هنا أثبت وهو إرادة زوالها عنه أو كراهة حصولها له سواء أرادها لنفسه أم لا مما له فيه صلاح ديني والرسم بيان لحقيقته في الجملة وبانتفاء كل من القيدين ينتفى الحسد ويثبت غيره فإن انتفى الصلاح بثبوت الفساد فغيرة فهي كراهة النعمة على المسلم مما له فيه فساد كما لو استعان بها على تهييج الفتن وارتكاب المحارم فلا ضير في كراهتها من حيث إنها آلة للفساد لا من حيث إنها نعمة أنعم الله بها على غيره فإن أراد مثلها لنفسه دون أن يريد الزوال عنه سواء أراد البقاء عليه أم لم يرد شيئا منهما فغبطة من غبط كنصر فهي تمني حصول مثل نعمة الغير لنفسه لا غير وربما تسمى منافسة وأما من غبط كضرب وسمع فبمعنى الحسد فالأقسام ثلاثة وربما يطلق على بعضها اسم بعض والحسد حرام مطلقا لأنه كراهة نعمته تعالى وفي الحديث النبوي قال الله لموسى بن عمران يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني وكراهة قضائه (تع) في تفضيل بعض عباده على بعض بما يشاء من نعمة وفي الحديث القدسي من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سوائي وكراهة راحة المسلم بما ساقه الله إليه من النعمة ومن حقوقه الواجبة أن تحب له ما تحب لنفسك وورد في الحديث النبوي وغيره الحسد يأكل الحسنات وفي رواية الايمان كما يأكل النار الحطب وبمضمونها غيرها ولأنه يدعو إلى ضرب من المعاصي فالجملة معطوفة على خبر الناسخ دون المبتدأ أو هي معترضة لتقوية الكلام ببيان بعض نتايج الحسد كالتملق للمحسود وهو التودد والتلطف إليه باللسان فوق ما ينبغي مع غش القلب وهو النفاق والغيبة له تشفيا لقلبه في الجملة والشماتة بمسائته كما قال (تع) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وقد قيل للحاسد ثلاث علامات يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة وإلى التعب في الدنيا إذ لا راحة لحسود كما ورد وقال بعضهم لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من الحاسد نفس دايم وعقل هائم وغم لازم والعقاب في الآخرة لحبط حسناته واقترافه السيئات المذكورة فيكون قد خسر الدارين بلا نفع له إذ لا تزول النعمة عن المحسود بحسده وإلا لزم زوال نعمه بحسد حساده إذ لا ينفك هو عن النعمة ولا النعمة من المحسود كما في الحديث النبوي استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود بل ينفع المحسود فيهما جميعا أما في الدنيا فلأن من المركوزات في طباع الخلق شهوتهم لمضرة العدو ومسائته ولا ضرر ولا مسائة أعظم مما أدخله الحسود على نفسه من الغم والشقاء وقد كان يريد ذلك للمحسود فتنجز لنفسه في الحال وعن أبي عبد الله (ع) الحاسد مضر بنفسه قبل المحسود وأما في الآخرة فلاستحقاقه لطلب المكافات لأنه مظلوم سيما إذا خرج إلى الوقيعة فيه بالقول والفعل فهي هدايا يهديها إليه بانتقال حسناته إلى ديوانه فيكون قد أضاف له نعمة إلى نعمة و عنه عليه السلام ميزان الحاسد أبدا خفيف بثقل ميزان المحسود ويدعو إلى عمى القلب بل عمى القلب يدعو إليه فعنه (ع) الحسد أصله من عمى القلب وجحود فضل الله وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا ولا توبة للحاسد أي لا يوفق للتوبة كما تقدمت الإشارة إليه وهو الخذلان فإن قلت كيف يطلق الحكم بتحريم الحسد وقد روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله (ع) ثلاثة لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق وعنه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة قلت لا ريب أن من المركوزات في فطرة الله التي فطر الناس عليها محبة الخير والنعمة كما قال الله (تع) وأنه لحب الخير لشديد وهذه حالة يجدها كل أحد من نفسه لا يليق المكابرة فيها وكل محبوب مراد ومشتاق إليه وهذا الشوق ربما يسكن ويكمن في النفس وربما يهيج بعروض بعض الأسباب ومن جملة الأسباب المهيجة له مشاهدة النعمة عند الغير فإن المحروم منها يثور شوقه إليها حينئذ ويتنبه لألم الحرمان الذي كان غافلا عنه قبل ذلك وهذا من الأمور التي لا تدخل تحت الاختيار ولا يصلح متعلقا للتكليف وهو الذي لم يعر منه نبي فمن دونه لأنه من مقتضيات البشرية من قبيل الهواجس والخواطر النفسانية فإن اعتقد قلبه بذلك وتظاهر بآثاره الاختيارية انقسم إلى الأقسام الثلاثة المذكورة والمحكوم بتحريمه هو أحد الأقسام الاختيارية دون الأول وإن سمي حسدا في الروايتين وهذا الوجه في الأخيرة منهما قريب جدا بارجاع
Shafi 47