بأن لا يظهر الأثر منه في الوجه وغيره من الأعضاء الظاهرة لارتباط الملك بالملكوت كما تقدم وسببه في الجملة أحد أمور ستة الكبر والعجب والمزاح معه والاستهزاء به والايذاء له والحرص أي التشاح في الفضول من المال والجاه وغيرهما لكن سببية هذه الأسباب ليست على حد واحد والأصل العجب فإنه سبب الكبر كما يأتي فالمتكبر إذا أوذي بالتجري عليه بالمزاح أو الاستهزاء أو المساحة فيما هو منهوم به من مال أو جاه أو غيرهما غضب وحقد بل لا يكاد يتحقق ماهية الغضب إلا ممن يرى نفسه فوق المغضوب عليه كما سبق ثم لا يكاد يصدر الغضب منه من حيث إنه متكبر فقط بل إذا انضم إليه أحد الأمور المذكورة وعلاج كل من الكبر والعجب والحرص يأتي في موضعه الأنسب بالتفصيل وإذا عولجت هذه الذمايم فأزيلت عن النفس لزم ذلك زوال ذميمة الغضب لأن زوال السبب مستلزم لزوال المسبب كما مر ولنذكر هنا بالاجمال علاج الغضب عند هيجانه ليسكن ويفتر وهي عدة أمور عملية وعلمية يختار المعالج منها ما يناسب واحدا أو أكثر وربما لا يرجى برؤه إلا بالجميع وذلك بحسب قوة المادة وضعفها كما في الأمراض الطبيعية وهي التوضي والاغتسال بالماء البارد لتنطفئ نايرته وتبرد حرارته وروى أبو حامد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله إذا غضب أحدكم فليتوضأ أو ليغتسل فإن الغضب من النار والقعود إن كان قائما والاتكاء إن كان قاعدا مستقلا وقد يتصور الاتكاء للقائم أيضا والقعود أبلغ والاضطجاع إن كان متكئا والنزول إن كان راكبا كل ذلك ليقرب من الأرض الذي منها خلق فيعرف ذل نفسه فيسكن وروى أبو حامد أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أن الغضب جمرة تتوقد في القلب ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فلينم والصاق الخد بالأرض لتستشعر به النفس الذل وتزايل الزهو الذي هو سبب الغضب و هو من اطفاء النار بالتراب وجعله صاحب الاحياء إشارة إلى السجود وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض والمروي من طرقنا ما أورده المصنف في الحقايق عن أبي جعفر (ع) وفيه فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإن رجز الشيطان يذهب عنه عند ذلك وفي رواية أخرى فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك قال وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه وليمسه فإن الرحم إذا مست سكنت والاستعاذة بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فإن المهيج للغضب كما ذكر والاستعانة به (تع) على كفايته وتتأدى الوظيفة بالبسملة على ما فسرت في الرواية المتقدمة في شرحها واستحضار العلم بثواب الحلم وفضله العظيم وما ورد في ذلك من الروايات فعن أبي عبد الله (ع) إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما قلت و قلت وأنت أهل لما قلت ستجزى بما قلت ويقولان للحليم منهما صبرت وحملت سيغفر الله لك إن أتممت ذلك فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان وعن الرضا (ع) لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما وفي الحديث النبوي إذا جمع الخلايق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقول ناس وهم يصيرون فينطلقون سراعا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيئ إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين وكذا التحلم فورد في التنزيل وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ أي المتحملين فإن كظم الغيظ عبارة عن التحلم وعن أبي عبد الله (ع) إذا لم تكن حليما فتحلم وعن أبي جعفر (ع) من كف غضبه عن الناس كف الله عنه عذابه يوم القيمة وليعلم أن غضبه وقدرته على المغضوب عليه بالنسبة إلى شدة غضبه (تع) الذي لا يقوم له شئ وقدرته عليه يسير فيستسهل كف اليسير في جنب ما يرجوه من كف الخطير وكذا فضيحة المغضوب عليه بالانتقام منه في الدنيا بالنسبة إلى فضيحته بالعذاب في الآخرة فليستر عليه رجاء أن يستر عليه وعن أبي عبد الله (ع) من كف غضبه ستر الله عورته أو المعنى أنه ربما يكون الباعث على الاصرار في الانتقام التحرز عن مقالة الناس فيه بالمهانة والذل والافتضاح بصغر النفس وجبن القلب فيحقر في الأعين ويجترى عليه وهذا من وساوس الشيطان فيأنف عن الاحتمال مخافة الفضيحة فليعلم أن جزى يوم القيامة والفضيحة فيه بانتقام المغضوب عليه في محضر الأولين والآخرين أشد وأحرى بالأنفة عنه وعن أبي عبد الله (ع) ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عزا في الدنيا والآخرة والنظر في تشبه الحليم بالأنبياء والأولياء الذين هم أفضل البشر باتفاق العقلاء كافة حتى أن أجلاف العرب وأغنياء الترك والنفوس الغليظة الشريرة التي هي طرف النقيض المطلق في جميع الحالات والأخلاق منهم يعترفون بفضلهم ويتبركون بآثارهم ويفدونهم بأنفسهم وآبائهم و أمهاتهم وقد وصفهم الله بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و نحو ذلك وتشبه الغضوب بالسبع الضاري والكلب العاوي لا يشتفى إلا بالكلب والاغتيال والنظر إلى قبح هيئة غيره عند الغضب ليعلم بذلك قبح هيئته عنده بتغير اللون واحمرار الأحداق وظهور الزبد على الأشداق واستحالة الخلقة وانقلاب المناخر ولو رأى الغضبان في حال غضبه كراهة منظره لسكن غضبه حياء من قبح ظاهره وباطنه أقبح وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم سرى ذلك إلى الظاهر وأن يحدث نفسه عاقبة الضراوة وهي انتقام المغضوب عليه عند مساعدة الدهر الدواري والشماتة بمصائبه ونحو ذلك وما يستلزمه الغضب غالبا من حدوث الذنوب الظاهرة والباطنة كأخذ اللسان في الفحش والسب وقبيح الكلام الذي يستحي منه ذوو العقول ويستحي منه قايله عند فتور الغضب وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ والجوارح في التمزيق والضرب والجرح والقتل من غير مبالات فإن فاته المغضوب عليه بهرب أو سبب آخر رجع الغضب على صاحبه فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه وربما يعدو عدوا لواله المدهوش وربما سقط سريعا لا يطيق النهوض وربما يضرب الحيوانات والجمادات ويكسر القصعة والخوان ويتعاطى أفعال المجانين وربما يجرح نفسه أو يخنقها أو يلقيها من شاهق ونحو ذلك وربما لا يحصل له التشفي فيحتقن في الباطن ويأخذ القلب
Shafi 46