تحسين بالألم فقالت إن حلاوة ثوابها أدهشتني عن مرارة المها ويعزى إلى علي بن الحسين (ع) يفرح هذا الورى بعيدهم ونحن أعيادنا مأتمنا وقيل بالفارسية تهنيت جز در مصيبت پيش ما عيب است عيب عبد را در شهر ما رسم مبارك باد نيست وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أمير المؤمنين (ع) بشهادته وأنه تخضب هذه من هذه ثم قال له فكيف صبرك يا علي فقال ذاك مقام الشكر لا مقام الصبر وأنه لما أصيب على رأسه أهل فرحا فزت ورب الكعبة وعلم مما ذكر أن مقام الرضا فوق مقام الصبر ومقام الشكر فوقهما وفي ذلك يقول القائل وفوق مقام الصبر للمتصبر مقام الرضا فالشكر للمتصبر ومن الصريح في الأول قوله صلى الله عليه وآله ا عبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير وهو إنما ينال بالغيبة عن حظوظ النفس بالموت الإرادي والفناء في الله كما ذكر والشهود معه (تع) وهو البقاء بالله والحياة الطيبة الموعودة في قوله عز وجل ولنحيينه حياة طيبة ويلزمه عدم التمييز بين الألم واللذة الحسيين لاستهتار القلب به (تع) الموجب لانقطاع الالتفات إلى ما سواه من المنافر والملائم وليس ذلك بمستنكر فإن القلب إذا قيل إلى شئ انصرف عن غيره وكلما كان تعلقه بما أقبل الله أقوى كان اعراضه عما عداه أكثر وينبه عليه قوله (تع) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه والمشغوف بمغالبة العدو في الحرب ربما تصيبه الجراحات الهائلة وهو لا يشعر بها ولا يحس بألمها في حاله وقد قص الله قصة النسوة مع يوسف وأنه لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن اشتغالا بما بهرهن من النظر إلى جماله عما أصبن بأنفسهن من الجراحة وسيأتي لهذا تتمة في موضعها الأليق انشاء الله (تع) باب الحلم وهو لغة العقل والأناة وشرعا يطلق على ما يناسب الأول وهو المقابل بالسفه والثاني وهو الصبر على كظم الغيظ وهو رده باحتمال سببه وضده الغضب أو خفته كما تقدم وهو غليان دم القلب بهيجان الجزء الناري الكامن في الجبلة لدفع المؤذي قبل وقوعه ولطلب الانتقام والتشفي بعده فينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدور ومن ثم يحمر الوجه والعينان والبشرة بصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها وذلك إذا استشعر القدرة على الدفع والانتقام فإن غضب على المأيوس من القدرة عليه بهما تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار خوفا أو حزنا ومن ثم يصفر اللون وإن كان على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر تارة ويصفر أخرى والناس في هذا الخلق بحسب الجبلة الأولى على درجات ثلاث من التفريط والافراط والاعتدال ومحموده الاعتدال وهو الضبط تحت حكم الشرع والعقل بحيث لا يتقاصر عنهما ولا يزيد عليهما فالتفريط يضعف هذه القوة وسكونها حيث ينبغي لها الحركة شرعا وعقلا كالتقرير على المنكرات والاغضاء على قصد الحريم مع القدرة على الدفع مذموم و صاحبه ناقص ملوم كالافراط فيها بغلبتها حتى يخرج عن سياسة العقل والدين وطاعتهما فلا يبقى للمرء معها بصيرة ولا اختيار وأغلب ما يكون ذلك في المحرورين خصوصا المنتسبين بأمزجتهم إلى الخلط الناري ومن ثم ورد عن أبي جعفر (ع) أن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في جوف ابن آدم فإن اللعين مخلوق من النار كما حكى الله عز وجل عنه خلقتني من نار وربما يكون افراط الغضب اعتياديا بأن يخالط قوما يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيجب التشبه بالقوم ويرسخ في نفسه الخلق المذموم ومن آثاره في الظاهر شدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام و اضطراب الحركة والكلام وأما ما ورد من أن في المؤمن حدة وخيار أمتي أحداؤها وما ورد في مدح الغيرة مثل قوله صلى الله عليه وآله إن سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير منا ونحو ذلك فمحمول على ذم التفريط لا مدح الافراط ومرجعه إلى مدح الاعتدال واستعماله في مواقع الحاجة بقدرها فورد في مدح الصحابة أشداء على الكفار رحماء بينهم وفي جهاد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم وليجدوا فيكم غلظة وفي حد الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فإن الشدة والغلظة والقسوة في الجهاد والنهي عن المنكر من الغضب المحمود وفي الحديث النبوي إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه وفيه إشارة إلى أنه كما يحصل للجاهل ملكة العلم بسبب الاستفادة والاكتساب شيئا فشيئا كذلك يمكن تحصيل ملكة الحلم وإزالة الغضب المذموم وقلعه من النفس بتكلف الحلم وبعثها على الاحتمال إلى أن تعتاد وتطمئن لكن ذلك ليس بمطرد فإن لاختلاف الأسباب والأحوال في ذلك مدخلا عظيما وذلك لأن المؤذي الذي يهيج الغضب لدفعه أو الانتقام منه أما أن تكون أذيته زوال ما يستغني عنه كفضول المال والجاه أو ما يحتاج إليه وجميع ما يفرض من أسباب الغضب مراجعة إليها وقلعه في زوال ما استغنى عنه بالتحلم والمجاهدة وقلع أسبابه بالعلاجات الآتية ممكن كما لو كان له دار زائدة على مسكنه فهدمها ظالم فيمكن أن يتحلم أو يكون بصيرا بأمر الدنيا وأن عروضها لا يزاد لأنفسها بل لتدفع بها الحاجات فيزهد في الزيادة على الحاجة ويفرع القلب عن حبها فلا يغضب لزوالها ولا يمكن قلعه في زوال ما احتيج إليه من الضروريات التي لا غنى عنها سواء كان ضروريا في حق الكافة كطعام يسد جوعته وجوعة عياله وثوب يستر عورته وعوراتهم ويقيهم الحر والبرد وبيت يواريه ويواريهم أو في حق بعض الناس كآلات يحترف بها الكاسب وكتاب يطالعه العالم لصعوبة تفريغ القلب عن حبها في حال من الأحوال إلا لمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها من الله كما قال (تع) قل كل من عند الله فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يريهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع عليه الملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم أو حسن الظن بالله وهو أن يرى أن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخير كما ورد عن أبي جعفر (ع) أن الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولكن الناس يجهلون وربما تكون الخيرة في فقره ومرضه وضعفه فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد في إيلامه بالفصد لأنه يرى أن الخيرة فيه إلا أن غلبة التوحيد وحسن الظن على هذا الوجه إنما يكونان كالبرق الخاطف لا يدومان فلا يمكن قلع الغضب في زوال ما احتيج إليه بهما إلا في أحوال نادرة وأما في سائر الأحوال فالقدر الممكن فيه الكسر لسورته والتضعيف لقوته حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن ويتبين ضعفه
Shafi 45