الملائكة لانحصاره فيها في باعث الدين وليس في شئ منهما قوتان متقاومتان تغالب إحديهما الأخرى كما كما في الصورة الانسانية التي هي مجمع الأضداد وأكبر حجة لله على العباد وكل واحدة من القوتين تصول على الأخرى وتجاهدها لتطردها ويخلو لها المحل أو تقهرها فتسخرها وتستخدمها في حوايجها فمن غلب فيه باعث الدين رقى إلى أعلى عليين أعني ما فوق مرتبة الملائكة ومن غلب فيه باعث الهوى انتكس إلى أسفل سافلين أعني ما دون مرتبة البهائم كما قال (تع) أولئك كالأنعام بل هم أضل وتقوية باعث الدين في الاستمرار على مخالفة باعث الهوى وهو الجهاد الأكبر الذي تكررت الإشارة إليه في الأخبار والآثار كما يأتي وكلما كانت أقوى وأتم كانت ملكة الصبر أرسخ وأثبت وهو ضربان بدني ونفسي فالأول كالثبات على تحمل المشاق بالبدن إما بالفعل كتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات أو غيرها أو بالانفعال كاحتمال الضرب الشديد والمرض العظيم والمحمود منه ما وافق الشرع والثاني يتشعب شعبا بحسب تشعب البواعث النفسانية والجميع مندرج تحت الصبر إلا أن لكل منها اسما يخصه فالثبات المحمود على الفعل الشاق كالعبادة والانفعال الشاق وهو المكروه بالطبع سواء كان بدنيا كما ذكر أو نفسيا كالمصيبة بالأولاد صبر مطلقا من دون قيد بحيث لا يتبادر الأذهان عند الاطلاق إلا إليه والوجه اختصاص المطلق بالأخير وضده فيه الجزع والهلع وهو اطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت ولطم الوجه وشق الجيب ونحوها وحبس النفس عن مقتضى الشهوتين البطنية والفرجية عفة و ضده الشره وفي الأخيرة خاصة التهتك والفجور كما مر وحبسها في حالة الفقر عن السئول واظهار الحاجة لغير أهلها تعفف وضده الالحاف وفي حالة الغنى عن الزهو والطغيان ونحوهما من الذمايم التي تعرض الأغنياء غالبا ضبط النفس وضده البطر بالتحريك وهو قلة احتمال النعمة وفي حالة الحرب عن التفريط والافراط شجاعة وضده في الأول الجبن وفي الثاني التهور كما عرفت وفي حالة ثوران الغيظ شوقا إلى الانتقام بمقاسات المنافر وكظم الغيظ حلم وهو غير المقابل بالسفه في حديث الجنود وغيره وضده الغضب أو الطيش وهو خفته وسرعته فإن الحليم من لا يتسارع إليه الغضب دون من لا يغضب أصلا وفي الحديث أعوذ بالله من غضب الحليم والمقابل بالغضب فيما مضى الرضا وربما يسمى الصبر في النوائب وهي المصائب سعة الصدر وضده وهو الجزع ضيقه والضجر بفتحتين يقال مكان ضجر ككتف أي ضيق والتبرم وهو الملال وضبطها في اخفاء الأمر الذي حقه أن يكتم من أسرار الشريعة وأمانات المجالس وغيرها كتمان وضدها الإذاعة وهي الافشاء وبوجه خاص النميمة وفي مرافق المعيشة عن طلب فضول العيش زهد بمعنى أخص من المقابل بحب الدنيا وهو القناعة وعن امساكها سخاء وضده في الأول الحرص وفي الثاني البخل وفي المخاطبات عن اكثار الكلام صمت وضده الهذر وفي سائر الأمور عن الزيادة والنقصان قصد وضده العدوان ومن ثمة قيل العلم والصبر أبو الفضايل فقد علمت فيما مضى أن كمال القوة النظرية بالعلم وكمال القوة العملية في شعبتيها الشهوية والغضبية بالعفة والشجاعة وأصول الفضايل منحصرة في هذه الثلاثة وملكه الصبر من حيث تضمنها ضبط النفس عن الشهوات تشمل العفة وعلى المكروهات تشمل الشجاعة فإذا حصل العلم والصبر نتج منهما سائر الفضايل فالعلم بمنزلة الأب لكونه المؤثر الأول والصبر بمنزلة الأم لانطوائه عليها بالقوة القريبة وقد أمر الله سبحانه بالصبر وأثنى على الصابرين في نيف وسبعين موضعا من الكتاب فقال واصبروا إن الله مع الصابرين وقال و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة وأولئك هم المهتدون وقال ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وقال أولئك يؤتون أجرهم بما صبروا إلى غير ذلك من الآيات وورد في الحديث النبوي وأحاديث أهل البيت (ع) بعدة طرق الصبر رأس الايمان ولا ايمان لمن لا صبر له لما عرفت من انطوائه على خصاله كلها وجدوته سهولة العبادة فإن الصبور كالمديون الموطن نفسه على ايفاء حق الغريم فإنه لا يشق عليه الأداء عند الاقتضاء ومن ثم أمر الله سبحانه عباده بعد ما أمرهم بما أمرهم بالاستعانة بالصبر في غير موضع من القرآن فقال واستعينوا بالصبر وتوفية الأجر بغير حساب كما قال (تع) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ويكتب له من الدرجات ما في حديث أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش وحقه أن يكون خالصا لله عز وجل كغيره من العبادات لا لحمية ورياء ونحوهما وإن كان من اللوازم والظاهر أن قصد الحمية إذا كان طارئا ولم تكن جاهلية ليس بصاير في ترتب الثواب الموعود كما اختاره المصنف في طريان قصد التبرد في الوضوء إذا كان الباعث الأصلي هو التقرب كما يأتي وهذا من المشتركات بين أنواعه الثلاثة المعدودة في الرواية ويختص كل من الصبر على الطاعة والمصيبة بأمور تخص بالذكر أما الأول فإن النفس الأمارة نافرة عن العبودية ومن ثم تشق عليها العبادات إما بسبب الكسل كالصلاة أو البخل كالزكاة أو بهما جميعا كالحج فالعابد يحتاج إلى الصبر عليها في ثلاثة أحوال الأولى قبل العبادة وذلك بأن يثبت نفسه على الاخلاص ويصون النية في الطاعة عن شوايب الرياء ودواعي الآفات والثانية في أثناء الأداء والاشتغال بالعبادة فيتحفظ عن الغفلة عن الله والتكاسل عن تكميل آدابها وسننها إلى الفراغ والثالثة بعد الفراغ منها واستحقاق الثواب حينئذ إلى ضبط النفس عن الافشاء و التظاهر بها للسمعة والرياء وعن النظر إليها بعين العجب وغير ذلك من مبطلات العمل ومحبطات الأجر وقد نهى الله عنها بقوله عز وجل ولا تبطلوا أعمالكم وقوله سبحانه لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وقوله ولا تمنن تستكثر ومدح قوما بذلك حيث قال ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا أذى وعن أبي جعفر (ع) الابقاء على العمل أشد من العمل قيل وما الابقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت
Shafi 43