والتحفظ على ناموس الشريعة فلو تأخر قتله وتاب فالحق أن توبته مقبولة فيما بينه وبين الله على كل حال فطريا كان أو مليا حذرا من التكليف بما لا يطاق لو كان مكلفا بالاسلام أو خروجه من التكليف ما دام حيا كامل العقل وهو باطل بالاجماع والضرورة فتصح عباداته ومعاملاته وإن لم يعد إليه ماله ولا زوجته بذلك باب الجناية وهي الجريمة المستتبعة في الدنيا لتعلقها ببدن الغير أو ماله وربما تطلق على غير ذلك توسعا وإنما أفرد لها بابا لكثرة مباحثها وتنقسم إلى عمد وشبيه به وخطأ محض فالعمد هو فعل المكلف ما تحصل به الجناية غالبا قاصدا به إلى معين سواء قصد به الجناية أو لا كالذبح والخنق وسقي السم القاتل ونحو ذلك والشبيه به هو ما تحصل به الجناية نادرا أو احتمل الأمرين قاصد به إلى معين من دون قصد جناية كان يضرب للتأديب بما يؤدب به غالبا فيموت أو يخرج والخطأ المحض هو فعل أحد الأمور الثلاثة من دون قصد إليه ولا إلى الجناية مثل أن يرمي طايرا فيصيب انسانا أو تزلق رجله فيقع عليه وليس من الجرايم كما مر وإنما ذكرت أحكامه في هذا الباب استطرادا وأما فعل ما يجني نادرا كالحذف بالحصاة والضرب بالعود الخفيف أو احتمل الأمرين مع القصدين فالذي عليه المحققون ومنهم المصنف في المفاتيح أنه عمد و قيل بل هو عمد وإن لم يقصد به الجناية لروايات استضعفها الأولون وقيل خطأ وإن قصد به الجناية لاطلاق صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) أنه قال أرمي الرجل بالشئ الذي لا يقتل مثله قال هذا خطأ ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها قلت أرمي الشاة فأصيب رجلا قال هذا الخطأ الذي لا شك فيه والعمد الذي يضرب بالشئ الذي يقتل مثله والوجه حمل الخطأ على شبيه العمد مع عدم القصد إلى الجناية فتكون مستوفية للأقسام كلها وجناية العمد على النفس أو الطرف المعصومين مع التكافي بين الجاني والمجني عليه بأن لا يكون الجاني حين الجناية أشرف من المجني عليه في الدين والعقل والحرية ومع امكان الاستيفاء من الجاني مثل ما اعتدى على المجني عليه بلا زيادة توجب بالأصالة القصاص لا غير على المشهور لقوله (تع) إن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص وقوله سبحانه فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله عز وجل وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله عز من قائل كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقيل تخيير الولي الجناية بينه وبين الدية لظاهر بعض الأخبار وقوله سبحانه ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهما ممنوعان ولأن الولي إذا رضي بالدية وأمكن الجاني دفعها وجب محافظة على النفس فلو هرب جاز للولي أن يأخذها من ماله ويقضي له بها كما يقضي على كل غايب في ماله وليس له الامتناع عنها مع القدرة والاقتصار على عرض القصاص لو كان حاضرا بل مقتضى التعليل وجوب بذل ما يرضى به الولي وإن زاد على الدية المقدرة أضعافا مضاعفة وحيث يثبت القصاص عينا أو تخييرا فلا مخلص عنه إلا أن يصطلحا على ما يتراضيان به من الدية المقدرة أو ما زاد أو نقص أو يعفو الولي عنه فيسقط حقه رأسا على المشهور وله المطالبة بالدية على الأخير إلا أن يعفو عنهما جميعا أو يكون الجاني أبا للمجني عليه فلا يقتص له منه كما لا يقطع لسرقة ماله ولا يحد لقذفه وربما يلحق به الجد دون الأم قولا واحدا ولو قتل الرجل زوجته ففي ثبوت القصاص لولدها منه قولان أو يكونا كافرين وأسلم الجاني فإنه لا يقتص منه حينئذ وتلزمه الدية إن كان المجني عليه ذا دية ولو قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس وفي القصاص في الطرف قولان واختار المصنف الثبوت ولا قصاص مع عدم اجتماع الشروط المذكورة فلا يقتص من الصبي ولا المجنون ولا النائم وإنما توجب جنايتهم الدية لأن عمدهم بمنزلة الخطأ كما سيأتي والأخبار الدالة على الاقتصاص ممن بلغ عشرا أو ثماني سنين أو خمسة أشبار متروكة عند الأكثر لضعفها ومعارضتها بأقوى منها وفي ثبوته على السكران قولان كما تقدم نظيره والأشهر الثبوت ويقوى إذا كان السبب باختياره وروي في الأعمى أيضا أن عمده خطأ والمشهور أنه كالمبصر استضعافا للرواية ولا من المسلم لمن أباح الشارع قتله كالزاني و اللايط لانتفاء العصمة وأن إثم الجاني إن بادر إليه بدون إذن الحاكم بخلاف من وجب عليه القصاص إذا جنى عليه غير الولي لأنه معصوم بالنسبة إليه ولا للكافر ذميا أو حربيا أو مرتدا لانتفاء التكافؤ في الدين ويقتص من الذمي للمرتد لأنه إن كان مليا فاسلامه مقبول وهو محترم به وإلا فقتله للمسلمين دون غيرهم وفي العكس قولان مبنيان على أن أيهما أسوء حالا واختار المصنف الثبوت لأن الكفر كالملة الواحدة ولا من العاقل للمجنون بلا خلاف لما رواه المحمدون الثلاثة في الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا جعفر (ع) عن رجل قتل رجلا مجنونا قال إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شئ عليه من قود ولا دية وتعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين قال وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه وأدى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ويستغفر الله ويتوب إليه وقريب منه رواية أبي الورد ولا من الحر للمملوك بالكتاب والسنة والاجماع وفي الاكتفاء بالتكافؤ في الدين والعقل والحرية دلالة على الاقتصاص من البالغ لغيره كما هو المشهور خلافا لمن ألحقه بالمجنون لاشتراكهما في نقصان العقل وله الصحيح المذكور فإن من من أدوات العموم فيصح جعله موضوعا للكبرى وأما الصغرى فثابتة بالاجماع كما تقدم ويأتي ولا مع تعذر الاستيفاء بالمثل سواء كان لفقدان المثل كما لو جنى الأكمه على عين أو الأجدع على أنف لكن إذا قطع يمين رجل ومثلها من آخر فالمروي أنه تقطع يمينه بالأول ويساره يساره بالثاني لصدق المماثلة في الجملة حيث تعذرت من كل وجه أما لو قطع يد ثالث فالذي اختاره في المفاتيح ثبوت الدية لفوات المحل وقال آخرون تقطع رجله كما صرح به في الرواية أو لتعذر استيفائه إلا بزيادة مرعية متيقنة كما في اقتصاص ذكر الفحل بذكر العنين واليد الصحيحة بالشلاء دون العين الصحيحة بالعماء والرجل المستقيم بالعرجاء أو محتمله كما في كسر العظام وكل ما فيه تعزير بالنفس كالجائفة والمأمومة وقيل يجوز الاقتصار على ما دون الجناية من الشجة التي لا تعزير فيها وأخذ التفاوت بينها وبين ما استوفاه فيقتص من الهاشمة
Shafi 35