والمراد بالميتة هنا الحيوان الزاهق روحه بغير التذكية المعتبرة شرعا سواء كان مما يقع عليه الذكاة في الشرع أم لا ويدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وفي حكمها أجزاؤها التي تحلها الحياة وإن أبينت من الحي وأما ما لا تحله الحياة منها فلا يصدق عليه الوصف المقتضي للتحريم وهو الموت وربما يترائى أن في كلامه صلوات الله عليه إيماء إلى أن المضاف المقدر في قوله (تع) في سورة المائدة حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به هو الأكل كما هو المتبادر كما أن المتبادر من تحريم الأمهات في قوله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم نكاحهن ويترتب على ذلك جواز الاستقاء بجلودها للزرع ونحوه خلافا لمن حرم استعمالها مطلقا لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة من إضافة التحريم إلى العين وفيه أن الآية مسوقة لبيان المحرمات مطلقا والحديث لبيان الكباير فحسب وإذا اختلف السياقان امتنع الاستشهاد بأحدهما للآخر فيحتمل تحريم الانتفاعات كلها وإن كان المعدود من الكباير هو الأكل لا غير والدم وإن كان مطلقا إلا أنه مقيد في آية الأنعام بالمسفوح فالمتخلف في تضاعيف اللحم بعد القذف المعتاد من غير مانع باق على أصل الإباحة كما صرحوا به من غير نقل خلاف ويندرج في لحم الخنزير جميع أجزائه من الشحوم والغضاريف والصفاقات وغيرها والمراد بما أهل لغير الله ما رفع الصوت عند ذبحه باسم اللات والعزى كما كانوا يفعلونه وهو أخص مما لم يذكر اسم الله عليه المنهي عنه في آية الأنعام وفي التقييد بغير ضرورة دلالة على اختصاص الحكم في المذكورات بحالة السعة وقد وقع التصريح بالإباحة عند الاضطرار في المخمصة في الآية الكريمة فتتقدر الرخصة بقدرها كما في نظايرها والسحت على وزن عنق وقفل الحرام من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة وفي الحديث النبوي إنه الرشوة في الحكم وعن أمير المؤمنين (ع) ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة وأجر الكاهن وكسب الحجام وعسيب الفحل والاستجعال في المعصية وفي حديث آخر كل شئ غل من الإمام فهو سحت وأكل مال اليتيم وشبهه سحت وللسحت أنواع كثيرة أجور الفواجر وثمن الخمر و النبيذ المسكر والربا بعد البينة فأما الرشا في الحكم فإن ذلك هو الكفر بالله العظيم وبرسوله وعن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق قال ذلك السحت و عن أمير المؤمنين (ع) في قوله (تع) أكالون للسحت قال هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته والقمار بكسر القاف مصدر قامر إذا قالب والمراد اللعب بالآلات المعدة للمغالبة كالنرد والشطرنج والأربعة عشر وغيرها حتى الجوز والخاتم وعن الباقر والجواد (ع) في قوله (تع) وأن تستقسموا بالأزلام كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزونه عشرة أجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعونها إلى رجل وهو عشرة سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها وثمن الجزور على من لم يخرج له من الأنصباء شئ وهو القمار فحرمه الله والحديث مختصر والبخس في الكيل والوزن نقصهما وهو التطفيف وقد كرر الله النهي عنه والتوعيد الشديد عليه في القرآن وأهلك به أمة من الأولين وهو من أمهات المعاصي لاشتماله على الكذب والسرقة والخيانة وأضرها بالنظام وذلك لأن معايش الخلق لا تنتظم بينهم إلا بالمعاملة والمعاملة لا تنتظم إلا بالقسطاس المستقيم والباخس المخل بالقسطاس مخل بأمر المعاملة وذلك مستلزم لاختلال المصالح الدنيوية وهي أحد الشطرين اللذين بعث الأنبياء بأسرهم وأنزلت الكتب الإلهية بأسرها لتقريرهما وتثبيتهما في النفوس لأنهم إنما بعثوا لمصلحة الدين والدنيا ومن هذا شأنه يبالغ في موعظته ونهيه عن هذا المنكر الذي هو من أشد المناكير ضررا وجناية ويؤدب ويعزر ويهدد بالبأس الشديد والجهاد بالسيف كما يجاهد الكفار المخلون بالشطر الآخر أعني المصالح الدينية وآخر الدواء الكي وإليه الإشارة بقوله عز وجل لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد وفي الحديث أن جبرئيل (ع) نزل بالميزان على نوح (ع) وقال مر قومك يزنوا به ويندرج فيه البخس في الذراع لأنه من الميزان إذ المراد به الآلة التي بها يعرف مقادير الحقوق لتحفظ النسبة بينها ويستعمل فيها بالقسط والعدل بل البصير يلتفت من تحريم البخس في الميزان إلى تحريم المشاغبة في الكلام والمغالطة في الحجة وتلبيس الحق بالباطل فإن ذلك كله من أفراده على وجه أعم والقنوط من رحمة الله قيل هو اليأس من روح الله وهو ظاهر المصنف هنا وربما يفرق بينهما كما هو ظاهر العطف سيما مع الفصل ويأتي في باب الرجاء والخوف ومعونة الظالمين قد وقع في كلام كثير منهم كالمحقق والعلامة والشهيدين ومن وافقهم قدس الله أرواحهم مقيدا بما إذا كانت بما هو محرم في نفسه كالكتابة لهم واحضار المظلوم ونحوه دون معونتهم بالأعمال المحللة كالخياطة والبناء وإن كره التكسب بأموالهم وقال شيخنا البهائي طاب ثراه أن هذا التفصيل إن كان قد وقع عليه اجماع فلا كلام فيه وإلا فللمناقشة فيه مجال فإن النصوص متظافرة بالعموم في الإعانة بالمحرم و المباح بل المندوب روى محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن حمزة قال كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال استأذن لي على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) فاستأذنت له فأذن له فلما دخل وسلم جلس ثم قال جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من ديوانهم مالا كثير لو أغمضت في مطالبه فقال أبو عبد الله (ع) لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما جدوا شيئا إلا ما في أيديهم الحديث فإن قوله (ع) ويشهد جماعتهم يدل على عدم الاختصاص بما هو محرم في نفسه ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ دخل عليه رجل من أصحابه فقال له أصلحك الله أنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء فيبنيه أو للنهر يكريه أو
Shafi 21