فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ «١»، هَلِ الضَّمِيرُ فِي «فِيهِ» رَاجِعٌ إِلَى الشَّرَابِ، أَوْ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: الصَّحِيحُ: رُجُوعُهُ إِلَى الشَّرَابِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، والحسن، وقتادة، وَالْأَكْثَرِينَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ، وَالْكَلَامُ سِيقَ لِأَجْلِهِ، وَلَا ذِكْرَ لِلْقُرْآنِ فِي الْآيَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «صَدَقَ اللَّهُ» كَالصَّرِيحِ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الطَّاعُونِ، وَعِلَاجِهِ، وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ
فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أسامة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ» . «٢»
وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَيْضًا: عن حفصة بنت سيزين، قَالَتْ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» «٣» .
الطَّاعُونُ- مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ-: نَوْعٌ مِنَ الْوَبَاءِ، قَالَهُ صَاحِبُ «الصِّحَاحِ»، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الطِّبِّ: وَرَمٌ رَدِيءٌ قَتَّالٌ يَخْرُجُ مَعَهُ تَلَهُّبٌ شَدِيدٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَتَجَاوَزُ الْمِقْدَارَ فِي ذَلِكَ، وَيَصِيرُ مَا حَوْلَهُ فِي الْأَكْثَرِ أَسْوَدَ أو أخضر، أو أكمد، ويؤول أَمْرُهُ إِلَى التَّقَرُّحِ سَرِيعًا. وَفِي الْأَكْثَرِ، يَحْدُثُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْإِبِطِ، وَخَلْفَ الْأُذُنِ، والأرنبة، وفي اللحوم الرخوة.
_________
(١) النحل- ٦٩.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء، وأخرجه مسلم أيضا و«من بني إسرائيل» هم الذي أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجدا، فخالفوا فأرسل عليهم الطاعون فمات منهم في ساعة سبعون ألفا. وهذا الذي جاء في الحديث هو ما يطلق عليه في أيامنا هذه بالحجر الصحي، وقد أمر بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قبل زهاء ألف وأربعمائة سنة، مما يدل على أن هذا الإسلام من عند الله «لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه» .
(٣) أخرجه الإمام أحمد والبخاري ومسلم: ومعنى الحديث أي أن الطاعون سبب لكون الميت منه شهيدا في حكم الآخرة. وظاهره يشمل الفاسق فيكون شهيدا.
1 / 30