Magungunan Annabi
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Mai Buga Littafi
دار الهلال
Lambar Fassara
-
Inda aka buga
بيروت
وَفِي تَكْرَارِ سَقْيِهِ الْعَسَلَ مَعْنًى طِبِّيٌّ بَدِيعٌ، وَهُوَ أَنَّ الدِّوَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ، وَكَمِّيَّةٌ بِحَسْبِ حَالِ الدَّاءِ، إِنْ قَصَرَ عَنْهُ، لَمْ يُزِلْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ جَاوَزَهُ، أَوْهَى الْقُوَى، فَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَرَ، فَلَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ الْعَسَلَ، سَقَاهُ مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاءِ، وَلَا يَبْلُغُ الْغَرَضَ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ، عَلِمَ أَنَّ الَّذِي سَقَاهُ لَا يَبْلُغُ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ تَرْدَادُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ أَكَّدَ عَلَيْهِ الْمُعَاوَدَةَ لِيَصِلَ إِلَى الْمِقْدَارِ الْمُقَاوِمِ لِلدَّاءِ، فَلَمَّا تَكَرَّرَتِ الشَّرَبَاتُ بِحَسْبِ مَادَّةِ الدَّاءِ، بَرَأَ، بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاعْتِبَارُ مَقَادِيرِ الأدوية، وكيفياتها، ومقدار قوة المرض والمريض مِنْ أَكْبَرِ قَوَاعِدِ الطِّبِّ.
وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ»، إشَارَةٌ إِلَى تَحْقِيقِ نَفْعِ هَذَا الدَّوَاءِ، وَأَنَّ بَقَاءَ الدَّاءِ لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاءِ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لِكَذِبِ الْبَطْنِ، وَكَثْرَةِ الْمَادَّةِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ، فَأَمَرَهُ بِتَكْرَارِ الدَّوَاءِ لِكَثْرَةِ الْمَادَّةِ.
وَلَيْسَ طبّه ﷺ كطبّ الأباء، فَإِنَّ طِبَّ النَّبِيِّ ﷺ مُتَيَقَّنٌ قَطْعِيٌّ إلَهِيٌّ، صَادِرٌ عَنِ الْوَحْيِ، وَمِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَكَمَالِ الْعَقْلِ. وَطِبُّ غَيْرِهِ، أَكْثَرُهُ حَدْسٌ وَظُنُونٌ، وَتَجَارِبُ، وَلَا يُنْكَرُ عَدَمُ انْتِفَاعِ كَثِيرٍ مِنَ الْمَرْضَى بِطِبِّ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ إِنِّمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ، وَاعْتِقَادِ الشِّفَاءِ بِهِ، وَكَمَالُ التَّلَقِّي لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ، فَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ- إِنْ لَمْ يُتَلَقَّ هَذَا التَّلَقِّيَ- لَمْ يَحْصُلْ بِهِ شِفَاءُ الصُّدُورِ مِنْ أَدْوَائِهَا، بَلْ لَا يَزِيدُ الْمُنَافِقِينَ إِلَّا رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، وَمَرَضًا إِلَى مَرَضِهِمْ، وَأَيْنَ يَقَعُ طِبُّ الْأَبْدَانِ مِنْهُ، فَطِبُّ النُّبُوَّةِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَبْدَانَ الطَّيِّبَةَ، كَمَا أَنَّ شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَرْوَاحَ الطَّيِّبَةَ وَالْقُلُوبَ الْحَيَّةَ، فَإِعْرَاضُ النَّاسِ عَنْ طِبِّ النُّبُوَّةِ كَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِقُصُورٍ فِي الدَّوَاءِ، وَلَكِنْ لِخُبْثِ الطَّبِيعَةِ، وَفَسَادِ الْمَحَلِّ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ، والله الموفق.
فَصْلٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ
1 / 29