بعد أنصراف المعتصم على الْمُسلمين وأسرت خلقا كثيرا مِنْهُم دخل على المعتصم وأنشده قصيدة يحضه بهَا على جهادهم فَمِنْهَا قَوْله
(يَا عترة الله قد عَايَنت فانتقمى ... تِلْكَ النِّسَاء وَمَا مِنْهُنَّ يرتكب)
(هَب الرِّجَال على إجرامها قتلت ... مَا بَال أطفالها بِالذبْحِ تستلب)
وَقبل إِبْرَاهِيم قد جعلهم الْحَارِث بن ظَالِم المرى قرابين الله يتَقرَّب إِلَيْهِ بهم لأَنهم هم فَقَالَ
(إِذا فَارَقت ثَعْلَبَة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إِلَى لؤى)
(إِلَى نسب كريم غير وغد ... وحى هم أكارم كل حى)
(وَإِن تعصب بهم نسبى فَمنهمْ ... قرابين الْإِلَه بَنو قصى) وفى الْمُنَاسبَة بَين العترة والقرابين خَفَاء
(بَيت الله) كَمَا أَن أهل مَكَّة أهل الله وَالْحجاج زوار الله فالكعبة بَيت الله الذى جعله الله مثابة للنَّاس وحطة للخليل وحلة للذبيح وقبلة لسَيِّد ولد آدم وَخَاتم الْأَنْبِيَاء ﷺ وكعبة لأمته الَّتِى هى خير الْأُمَم وَقد كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة لَا تبنى بنيانا مربعًا تَعْظِيمًا للكعبة وَقد كَانَت تحلف بِبَيْت الله كَمَا قَالَ زُهَيْر
(فأقسمت بِالْبَيْتِ الذى طَاف حوله ... رجال بنوه من قُرَيْش وجرهم) وَقَالَ النَّابِغَة
(فَلَا وَرب الذى قد زرته حجَجًا ... وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد)
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم ﵇ ﴿رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون﴾
فَمن خَصَائِص الْحرم أَنه بواد غير ذى زرع وَلَا شجر وَيُوجد فِيهِ كل ثَمَرَات الْأَشْجَار وَالزَّرْع وَغَيرهَا
وَمن خَصَائِصه أَن الذِّئْب يريغ الظبى ويعارضه ويصيده فَإِذا دخل الْحرم كف عَنهُ
وَمن خَصَائِصه أَنه لَا يسْقط على الْكَعْبَة حمام إِلَّا وَهُوَ عليل عرف ذَلِك من أمتحنه وتعرف حَاله وَلَا يسْقط عَلَيْهَا مَا دَامَ صَحِيحا
وَمن خَصَائِصه أَن الطير إِذا حاذت الْكَعْبَة انفرقت فرْقَتَيْن وَلم تعلها
وَمن خَصَائِصه أَنه لَا يرَاهُ أحد مِمَّن لم يكن رَآهُ إِلَّا ضحك أَو بَكَى
وَمِنْهَا أَنه إِذا اصاب الْمَطَر الْبَاب الذى من شقّ الْعرَاق كَانَ الخصب فِي تِلْكَ السّنة بالعراق وَإِذا أصَاب الذى من شقّ الشَّام كَانَ الخصب بِالشَّام وَإِذا عَم جَوَانِب الْبَيْت كَانَ الخصب عَاما فِي الْبلدَانِ
وَمِنْهَا أَن الْجمار ترمى فِي ذَلِك المرمى مُنْذُ يَوْم حج النَّاس الْبَيْت على طول الدَّهْر ثمَّ كَانَت إِلَى الْيَوْم على مِقْدَار وَاحِد وَلَوْلَا أَنه مَوضِع الْآيَة
1 / 16