The Fifth Pillar
الركن الخامس
Mai Buga Littafi
دار اقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
Inda aka buga
دمشق- سوريا
Nau'ikan
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= من أشواك وسموم تفسدها وتعطّل عجلتها .. بناءً على هذا فإنّ التعاليم الإسلامية لا تهدف إلى إنزال الضر بالنّاس، بل على عكس ذلك هي تعمل جاهدةً على كشف الضرّ النازل بهم، لذلك فإن المشقة المرافقة لتلك التعاليم هي من هذا القبيل، فلكل عبادة غايتها الخاصة بها، لكن جميعها يوحّدُ بينها قاسم مشترك، هو ترويض القلوب على محبة فاطرها وخالقها، وتوثيق عُرى معرفته، واستذكار حقيقة قيُّوميَّته وفضله ومدده دون شرود عنه أو غفلة، ثم تقديم البرهان الجازم على استقرار تلك المحبة في قلوب أصحابها من خلال تربية تمضي بالعبد إلى احتضان منهج السماء، والثقة بحكمه، واليقين بعدله، وتذويب المصالح الشخصية في سبيل إنفاذ أمره، والمناداة في العالمين بأن خالق الإنسان والأكوان في أدقّ ميزان لا يأمر إلا بما ينفع، ولا ينهى إلا عما يضر، وأنه وحده العالم بتفصيل ذلك حالًا ومآلًا، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)﴾.
هذا كله يدخل في دائرة الابتلاء الذي امتحن الله به عباده، ويتناسب مع طبيعته، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢)﴾ [الدهر: ٢]. إنها الحقيقة التي تطّرد في سائر عبادات الدين الإسلامي:
فالصلاة فعل يقدر على أدائه كل الناس، وهي تهدف إلى فتح خط مباشر بين العباد ورب العزة خمس مرات يوميًا، كما تهدف إلى تنظيم الأوقات، وتليين الأعضاء، وتوحيد الأمة على مستوى البلدة والأقطار والقارات من خلال التوجه إلى قبلة واحدة تشد الكلَّ إلى محورها الجامع، ناهيك عن جملة من المقاصد الحضارية المشروعة الأخرى، لكنّ الصلاة في ذات الوقت هي فعل فيه مشقة، خاصة عندما نتذكر بأن الشريعة توجب على المسلم فجر كل يوم أن ينفض عن عينيه سلطان النوم العميق، ويسبغ على وجهه ماء الوضوء على مكاره النعاس وهدأة الليل وثقل البرد القارس في الشتاء، وقلة النوم أحيانًا، كما تدعوه على سبيل الكفاية أن يخرج من بيته قاصدًا واحدًا من بيوت الله لصلاة الفجر، كما تدعوه على سبيل السنة أن يقرأ أوراد الصباح ويستمر في ذلك حتى صلاة الضحى، فهذه التكاليف لا يتعاهدها إلا من خشع قلبه لله رب العالمين، فخشعت جوارحه حتى صار عنده ترك حلاوة النوم، وطيب المقام في أحضان الفراش الوثير قربانًا يتقدّم به لنيل رضوان الله تعالى، وهي التربية التي تولّد فيه الإرادة القوية، والصبر، وتنشئ منه خلقًا يتحمل المسؤولية، لذلك قال ربنا في محكم التنزيل:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥)﴾ [البقرة: ٤٥].
وفي الصيام حبس للنفس عما تشتهي وتتمنى من الفجر إلى الغروب فهذه مشقة لكنها من الذي يطيقه الناس، وهي تعود عليهم بالفائدة الصحية والاجتماعية والإنسانية.
وفي الزكاة إنفاق المال عن طواعية فهذا يشق على البشر، لكنه ليس مما يعجزون عنه، لذلك هي خيرُ برهان على صدق إيمان الباذل، وأفضل مؤشر على رقيه الإنساني، وتخلصه من مرض الشح، وتخلص مجتمعه من مرض الحقد والكيد على من ابتلاه الله بحيازة المال.
فالباري ﷿ الذي وسعت رحمته كل شيء كلَّفنا بما تسمو به نفوسنا ويصقل جوهر حضارتنا، وليس في ذلك إحراج لنا وهو الذي نزّل على قلب نبيّه المصطفى ﷺ بيانه القرآني في قوله تعالى: =
1 / 29