The Fifth Pillar
الركن الخامس
Mai Buga Littafi
دار اقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
Inda aka buga
دمشق- سوريا
Nau'ikan
الحياة على ساكنيه، شاق على أصحاب العيش المرفّه مهما استقدم إليه من وسائل الراحة والترفيه، ثم إنه يزداد صعوبة عندما تقترن هذه الأجواء بموسم الفريضة المباركة التي تمتاز بانتظام خطواتها، وبمحدودية زمانها ومكانها، وبالصبغة الجماعية التي تقارن أداءها، وبحرص الأمة الإسلامية على التحرك جماعاتٍ ووحدانًا بعد دخول أشهر الحج، صوب الكعبة المشرّفة، مما يساعد في إضافة عاملٍ جديد يمضي إلى جانب سائر الصعوبات التي تعترض الحاج في طريق قيامه بأعمال هذه الفريضة في إطار مكة المكرمة، ألا وهو الازدحام الشديد بما لا مثيل له في أيّ عبادة أخرى في الإسلام.
ومما يضاعف معاناة الحجّاج ما تفرضه طبيعة الحج من اضطرار ضيوف الرحمن؛ لأن يقضوا أيام ذي الحجة من اليوم الثامن حتى الثالث عشر منه مجيئًا وذهابًا بين مكة والمشاعر، أو يقيموا في خيام بما يشبه حياة الكشافة في رحلاتهم، أو يعيشوا في طبيعة هي أصعب من حياة الكشافة نفسها كما في مزدلفة؛ حيث لا خيام (١).
_________
(١) المشقة التي تلازم أعمال الركن الخامس غير مقصودة لذاتِها، لذلك فإنَّ هذه المشقة ليست عقوبة ولاقربة لذاتها لمجرَّد أنها مشقة، لهذا وجدنا الفقهاء ينصون على أن العبد ليس له أن يتقرب إلى ربه بما هو مشقة محضة، كمن نذر أن يبرز إلى الشمس واقفًا طيلة النهار فلا يلزمه ذلك، ولا يجوز منه. هذه المشقة المبتدعة في الشرع عن الذي نحن بصدده بمعزل؛ لأنّ الحديث هو في المشقة التي تسير جنبًا إلى جنب مع سائر العبادات، والتي تدخل في دائرة طاقة الإنسان وقدرته على فعلها بحيث تعد شاهدًا ناطقًا بصدق توجُّه العبد إلى مولاه، بتعظيم أمر خالقه على ترفيه نفسه عند التعارض فهذا ما ينسجم مع تعريف التكليف الإلهي للعبد، بأنه ما فيه كلفة، ومن البدهيّ أنّ الكلفة تعني ضمنًا المشقة، لكنها كما قلت: ليست أيَّ مشقة؛ لأن ربنا ﷻ ما أنزل التكاليف تعذيبًا للعباد، ولا إرهاقًا لهم، وإنما كلَّفهم بما يربي نفوسهم على محبته، وعلى مكارم الأخلاق التي تزكيها تلك المحبة والتي تقيم فيما بينهم علاقات وديَّة وحضاريَّة تضمن لهم سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة. لقد كلّفهم ليكونوا حملة مشعل النور والهداية فوق هذه الأرض، لذلك لم يكلفهم عبثًا ولا شططًا بدليل قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]. هذه التربية هي ما يطلق عليه علماء السلوك علم التصوف أو علم السلوك: كما سماه ابن تيمية - وهو العلم الذي يروض النفس لتحمل المسؤوليات الجسام بإخراج ما في ساحتها =
1 / 28