فلما أنكر ابن آدم البعث كان كمن أنكر الخلق الأول، فليس المراد بالتكذيب الكفر والجحد لما جاء به الرسول ﷺ؛ لأن ذلك غير مختص بهذا كما هو بيِّنٌ.
ومعنى قوله: «ولم يكن له ذلك» أنه لا شبهة له فيه، كما دل عليه قوله: «فأما تكذيبُه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون عليِّ من إعادته» بل هو في متعارف الناس أسهل وهو بالنسبة إلى الله تعالى سواء والإعادة؛ ولذلك قال: «ليس بأهون عليّ من إعادته».
«وأما شَنْمُهُ إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤًا أحد».
جعل نسبة الولد إلى الله تعالى شتمًا لما يلزمه من توقع الفناء، ومن الاحتياج عند الهرم؛ لأن الله جعل الذرية ناموسًا من نواميس البقاء بعد العدم، لتكون الذرية خلفًا للأصول عند انعدامها حتى لا ينعدم النوع، والناس اتخذوا من الذرية عونًا لهم على المتاعب وعند العجز، فنسبة الذرية إلى الله يستلزم الأمرين، فكان شتمًا؛ لأنه تنقيص.
* * *
باب «كيف نزل الوحي؟»
فيه حديث أبي هريرة ﵁[٦: ٢٢٤، ٥]:
(قال النَّبيُّ ﷺ: «ما من الأنبياء نبيٌّ إلاَّ أُعطي من الآيات ما مثلُهُ آمن عليه البشر وإنَّما كان الَّذي أوتيت وحيًا أوحاه اللهُ إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة»).
معنى «آمن عليه البشر» أنهم يجدونه خارقًا للعادة فيما هو أعظم شيء عندهم، فإذا وجدوه كذلك علموا أنه من عند الله.
وإنما يحصل ذلك العلم لهم بمعجز أعلم الناس منهم بنوعه عن الإتيان بمثله، كعجز السحرة عن الإتيان بمثل حية موسى، وعجز الأطباء عن الإتيان بمثل شفاء عيسى، وعجز الحكماء عن تعبير الرؤيا بمثل تعبير يوسف.
فموقع «على» في قوله: «آمن عليه البشر» هو الاستعلاء المجازي، شبهت الآيات بحمولة تسير بهم إلى الإيمان، والمراد بالبشر الناس، أي بشر عصرهم.