189

The Clear Insight at the Narrow Paths in the Authentic Collection

النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

Mai Buga Littafi

دار سحنون للنشر والتوزيع

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م

Inda aka buga

دار السلام للطباعة والنشر

Nau'ikan

وقوله: «وإنَّما كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا» صيغة قصر تقتضي انحصار معجزة النبي ﷺ في الوحي الذي أوحاه الله إليه، أي القرآن. والقصر هنا للمبالغة؛ لأن القرآن هو المعجزة العامة لسائر البشر في سائر الأزمان، فغيره من المعجزات خاص ببعض الناس الذين شهدوها، وليسوا هم جميع البشر الذين أريد منهم الإيمان بمحمد ﷺ؛ ولذلك لم يقع التحدي بغير القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَإن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾. وقوله: «وحيًا أوحَاهُ الله إليَّ» أي كلامًا؛ إذ الوحي من ضروب الكلام. وقوله: «أوحاه الله» تأكيد لمعنى الوحي، حتى لا يتوهم أنه إلقاء معانٍ في النفس، فلذلك بينه بقوله: «أوحاه الله إليَّ» أي أرسله إلي بلفظه. وفيه بيان فضيلة معجزة القرآن على سائر المعجزات؛ لأن جميع المعجزات كانت من أعمال الرسل بتأييد الله إياهم، والتأييد أمر خفي. وكانت معجزة القرآن لفظًا من لغة يعجز أهل تلك اللغة عن مثله، فهو لفظ منزل من عند الله لا عمل للرسول فيه إلا تلاوته كما نتلوه نحن. وهو معجزة في وقت تلاوة الرسول إياه، ومعجزة في وقت تلاوتنا إياه. ومعنى قوله: «وإنما كان الذي أوتيت وَحْيًا أوحاه الله إليَّ» أنه كلام ينقل ويحفظ ويتأمله المتَحَدُّون به في سائر الأحوال فلا يستطيعون أن يدَّعُوا أنهُمْ سُحِرُوا أو استُرْهِبوا؛ لأن لهم من مكنة التأمل ما يدفع عنهم الشك في نفوسهم أن يكونوا في وقت تلقي المعجزة متأثرين بسحر أو برهبة وتأثير من قوة الرسول بخلاف المعجزات التي تنقضي بانقضاء وقت حدوثها ويتطرق الشك في ناقليها والمحدِّثين عنها. وإذ قد كان قوله: «وَحْيًا» مرادًا منه قرآنًا فقد شملت آية القرآن ما فيه أيضًا من الإعجاز العقلي باشتماله على علوم جمة لا قِبَل لأهل ذلك العصر بها ولا قِبَل للأميِّ بمعرفتها. وهي تتجلى للناس عصرًا فعصرًا بمقدار ازدياد علومهم واتساع أفهامهم؛ ولذلك لم يقل: وإنما كان الذي أوتيت بلاغة أو فصاحة، بل قال: «وحيًا» ليشمل كل ما دل عليه القرآن من دلائل صدق رسالة محمد ﷺ. وقوله: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» موقع الفاء التفريعية فيه رشيق؛ لأنه إذا كانت آيته وحيًا فهي أقرب إلى إطلاع الناس عليها بأنفسهم دون واسطة، وأقرب إلى تمكينهم من مدارستها وتفهمها، وأجدر بدلالتها مختلف أصناف العقلاء

1 / 193