وترامت من جوف الليل أصوات القافلة، ثم لاحت أشباحهم مبعثرة وهي تقترب. أقبلوا نحو السيارة ثم أحاطوا بمقدمها. أجل يا عزيزي كان من السهل قتلنا في الخلاء. وا أسفاه على أيام الفرسان والصعاليك! وقال خالد إنه أوشك أن يرتكب الخطيئة الأولى لولا الرائدة الزائفة. وقال مصطفى راشد: وفي الظلام قررنا أن نختبر عصريتنا فاستبقنا إلى الاعتراف بأخطائنا.
أثنى رجب على براعة الفكرة فاستطرد مصطفى: واعترف كل منا بآثامه. - آثامه؟! - أعني ما يعتبر كذلك لدى الرأي العام. - وكيف كانت النتيجة؟ - رائعة. - كم منها ما يعد جريمة؟ - عشرات. - وما يعد جنحة؟ - مئات. - ألم يرتكب أحدكم فضيلة ما؟ - المدعو أحمد نصر! - لعلك تعني إخلاصه لزوجه؟ - وللتعليمات المالية ولائحة المخازن والمشتريات! - وكيف كان رأيكم في أنفسكم؟ - أجمعنا على أننا طبيعيون لا يشيننا شيء، وأن الأخلاق التي تديننا أخلاق ميتة مستوحاة من عصر ميت، وأننا رواد أخلاق جديدة صادقة لم ينتظمها التشريع بعد. - برافو، برافو.
استسلم لمنظر الأشجار وهي تطوق الطريق على طوله بإحكام جمالي خارق، لو تبادلت مواضعها على جانبي الطريق لانهارت العلوم والمعارف. وها هي حية تسعى حول غصن تريد أن تقول شيئا. أجل قولي شيئا يستحق أن يسمع، ولكن ما ألعن الضوضاء! - دعوني أسمع!
فضحكوا لزعقته، وتساءل مصطفى: ماذا تريد أن تسمع؟
وتكدسوا في السيارة فانضغط في الباب كأول مرة واختفت الحية تماما . وقال رجب: سيقودكم سائق عصري!
تحركت السيارة وهي تزمجر كالعاصفة، ثم انطلقت في قوة، ومضت تستزيد من سرعتها حتى بلغت ذروة جنونية.
ندت ضحكات هستيرية، وأصوات متهدجة، ثم ارتفعت احتجاجات واستغاثات. انهالت الأشجار متطايرة إلى الوراء، واجتاح الأجساد إحساس أهوج بالتردي في هاوية، وتوقع مفزع بالارتطام في قرارها. - جنون! هذا جنون! - سيقضي علينا بلا رحمة. - قف! يجب أن نسترد أنفاسنا. - لا! لا! حتى الجنون يجب أن يقف عند حد.
لكنه رفع رأسه في نشوة مخيفة ودفع السيارة إلى أقصى سرعة وهو يصرخ كالهنود الحمر، فاضطرت سمارة إلى مس ذراعه هامسة: من فضلك!
وقال خالد بعصبية: ليلى تبكي فارجع إلى صوابك!
آه مات الخيال، ولم يبق في الرأس إلا ضغط الدم. القلب يهبط كأسوأ نكسات البلبعة. أطبق جفنيك حتى لا ترى الموت بعينيك.
Shafi da ba'a sani ba