لا تعجبي يا سلم من رجل
ضحك المشيب برأسه فبكى
والأرض تضحك، فقد قال الشاعر:
تضحك الأرض من بكاء السماء
وإني أكاد أقول: إن الضحك بكاء والبكاء ضحك. ألم يضحك الإنسان في الشقاء؟ ألم يبك في النعيم؟ أما ضحكه من الشقاء فادعه - إذا شئت - الضحك المر، أو الضحك الباكي، أو الضحك الحزين، أو الضحك العابس، أو البكاء المتنكر، وأما بكاؤه من النعيم فادعه - إذا شئت - البكاء المشرق، أو البكاء الضاحك، أو البكاء العذب.
وللمعاني والأحوال ضحكات؛ فلليأس ضحكة، وللحقد ضحكة، وللأمل ضحكة، وللظفر ضحكة، وللحب ضحكة، ومن العظماء من نبه ذكر ضحكته وذاع صيتها، فإنهم يقولون في ضحكة الاحتقار: ضحكة مثل ضحكة بيرون، وفي ضحكة الأمل والاستبشار: ضحكة مثل ضحكة جيتي.
الغناء ضحك والموسيقى ضحك، غير أنه ضحك موزون مهذب شجي.
وإن لأحوال الحياة ضحكات، فالنعيم يضحك لأنه يخدعنا، والشقاء يضحك لأنه يشمت بنا، كذلك للحرارة ضحك وللبرودة ضحك، غير أن ضحك الحرارة مثل ضحك الشبان، وضحك البرودة مثل ضحك الشيب. ضحك الأطفال مثل تغريد العصافير، وضحك النساء مثل صوت الحلي، وضحك الرجال مثل صوت الرعدة، فالأول ينم عما يكنه من الطهارة، والثاني ينم عما يكنه من الرقة واللطف والحنان، والثالث ينم عما يكنه من الثبات والعزم. الرجال يلتذون الضحك أكثر من الأطفال لأنهم زاولوا مصائب الحياة، وكما أن الراحة أحسن ما تكون بعد التعب؛ كذلك الضحك أعذب ما يكون بعد مزاولة أمور الحياة، والرجال أقرب إلى الضحك من النساء لغلظ إحساسهم ورقة إحساسهن، فإن رقة الإحساس ثغرة يهجم الهم منها على الإنسان.
الضحك العذب خير من البكاء، وكذلك الضحك المر أفضل من البكاء المر؛ لأن في عنصر الأول شيئا من احتقار المصائب، وهذا أليق بالعزيز النفس وبه أبر، وإن في الناس من يضحك فتحسبه يبكي، ومن يبكي فتحسبه يضحك، وهذا أشقى الناس؛ لأنه لا يقدر أن يخلط نفسه بنفوسهم وشعوره بشعورهم، وإن من الناس من يستجلب منظره لآخر الضحك. كما قال المتنبي في كافور:
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
Shafi da ba'a sani ba