{ الذين يتخذون الكافرين أوليآء } اليهود، أو مشركى العرب، أو الفريقين، والنصارى، ويناسب الأول قول بعض المنافقين، إن أمر محمد لا يتم، فتولوا اليهود لما توهموا من قوتهم ومن زوال عزة النبى صلى الله عليه وسلم { من دون المؤمنين } أنصارا مغايرين للمؤمنين ولم يتخذوهم أولياء، أو اتخاذ للكافرين أولياء ناقض لاتخاذ المؤمنين أولياء ومبطل له فهم غير متخذين المؤمنين أولياء ولو اتخذوهم { أيبتغون عندهم } عند الكافرين { العزة } أيطلبون أن تحصل لهم العزة من الكفر، وهذا إنكار لأن يكون ذلك صوابا، فإنهم أخطأوا فى طلب العزة بهم { فإن العزة } لأن العزة { لله جميعا } فى الدنيا والآخرة، فهى لأوليائه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولا يكترث بعزة غيرهم لأنها تزول، ولأنها تورث ذلا فى الآخرة، وقيل إن يبتغوا العزة فيطبوها من الله، فإن العزة لله، وكان مشركو مكة يخوضون فى ذكر القرآن ويستهزئون به فى مجالسهم، فانزل الله فى مكة سورة الأنعام، وفيها، وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا الخ ثم إن أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون ما فعله المشركون بمكة، وكان المنافقون يقعدون معهم ويوافقونهم على ذلك فنزل قوله تعالى:
{ وقد نزل عليكم } أيها المؤمنون { فى الكتاب } القرآن فى سورة الأنعام { أن } أنه أى الشأن { إذا سمعتم ءايات الله } القرآن { يكفر بها } نطقا { ويستهزأ بها } يكفر بها المشركون ويستهزئون بها، أويستهزىء بها المنافقون، حذف الفاعل وتاب عنه المجرور، وقد ذكر ضمير الفاعل وهو هاء معهم فى قوله { فلا تقعدوا معهم } أى مع الكافرين بها والمستهزئين بها حال الكفر بها، والاستهزاء المدلول عليهم بقوله يكفر بها ويستهزأ بها { حتى يخوضوا فى حديث غيره } أى غير حديث الكفر والاستهزاء، وقيل غير الكفر والاستهزاء وأفرد الضمير لأنهما بمعنى { إنكم إذا } إذ قعدتم أو إذا قعدتم معهم حال الكفر والاستهزاء { مثلهم } فى الإثم لأنكم قادرون على الإعراض والإنكار عليهم، أو مثلهم فى الكفر إن رضيتم ، وحبك أن يموت الكافر على كفره بغضا لله وانتقاما لله عز وجل حق كقوله: ربنا اطمس على أموالهم الخ، وقال مشايخ بخارى وسمرقند ونحوهما مما وراء النهر الرضى بالكفر من الغير مع استقباحه لا يكون كفرا، والصحيح أنه كفر، وهو مذهبنا، وروى الوجهان عن أبي حنيفة وإن استحسنه فكفر إجماعا وأفرد مثل لإرادة الجنس للإضافة للجمع، فكأنه جمع كما جمع فى قوله تعالى
ثم لا يكونوا أمثالكم
[محمد: 38]، وحور عين كأمثال اللؤلؤ، أو لأنه فى الأصل مصدر يصلح للواحد وغيره، أو لأن المراد أن عصيانكم إذن مثل عصيانهم، وهذا الوجه الأخير لا يصح فى لبشرين مثلنا، وقيل القاعدون مع الخائضين فى القرآن من الأحبار كانوا منافقين، وقيل ضمير إنكم للمنافقين وضمير مثلهم لأحبار اليهود، والمماثلة فى الكفر، ويدل لهذا قوله تعالى { إن الله جامع المنافقين } المعهودين، أعيد ذكرهم ليصرح بموجب عقابهم، وهوالنفاق، وقيل المراد العموم فيدخلون بالأولى، وقدم المنافقين لتشديد الوعيد على المخاطبين { والكافرين فى جهنم جميعا } الخائضين والقاعدين معهم، جمعهم فى مطلق النار، كما اجتمعوا فى الدنيا على مضرة الإسلام والمسلمين، جزاء وفاقا، ولو تفاوتت دركاتهم فإن دركة من نافق بإضمار الشرك أسفل من دركة من صرح بالشرك، وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن، فنهى الله تعالى المؤمنين عن مجالسة المنافقين واليهود، وضرب عمر بن عبد العزيز رجلا صائما قعد مع قوم يشربون الخمر، فسئل، فقرأ الآية.
[4.141]
{ الذين } بدل من الذين يتخذون، أو نعت للمنافقين، أويقدرهم { يتربصون بكم } أمرا من ظفركم بأعدائكم أيها المسلمون وعدم ظفركم كما فصله بقوله { فإن كان لكم } أيها المؤمنين { فتح من الله } الخ فذلك، تنفير للمؤمنين عن مصاحبتهم، والمراد بالفتح الظفر والغنيمة، كأنه قيل فإن غلبتم المشركين وغنمتم منهم سمى فتحا، وما للكافرين نصيبا تعظيما للمؤمنين، وقيل لأنه من مداخل فتح دار الإسلام { فالوا ألم نكن معكم } فى الدين والجهاد، فأعطونا من الغنيمة، وذلك لأنهم يحضرون الجهاد وإن لم يحضروا، قالوا لم نكن معكم فى الدين فأعطونا الدين والمتحقق المبالغ فيهم تربص الدوائر بكم، كما نص عليه فى الآية الأخرى { وإن كان للكافرين نصيب } غلبة قليلة، وهذا تحقير لغلبة الكفار لقلتها وزوالها سريعا، والحرب سجال، ولأنهم مغلوبون بالحجة على كل حال، ولأنها وبال عليهم فى الآخرة، بخلاف غلبة المسلمين لهم فعظيمة كثيرة تستمر آخرا، وإعلاء لدين الله، وعاقبتها محمودة دنيا وأخرى، ولذلك عبر عنها بالفتح { قالوا } للكافرين { ألم نستحوذ عليكم } نتغلب عليكم ونقدر على أن نعين المؤمنين ونقتلكم معهم، ونأسركم فلم نعنهم أو ألم نغلبكم بالتفضل بإطلاعنا لكم على سر محمد { ونمنعكم من المؤمنين } من حين الاستفهام المذكور التقريرى، أو الإنكارى للنفى بعده، وكأنه قيل أو لم نمنعكم من المؤمنين أن يقتلوكم، فأبقينا عليكم بترك إعانتهم وبإرسالنا إليكم بأخبارهم وأسرارهم، فأعطونا مما غنمتم، ومرادهم طلب المال والتحبب خوفا لفريق الإسلام وفريق الكفر، والقياس استحاذ بنقل فتح الواو وقلبها ألفا فصيح استعمالا شاذ قياسا { فالله يحكم بينكم } أيها المؤمنون والكافرون، والخطاب تغليب للمؤمنين، إذا خوطبوا فلا داعي إلى أن يقدر بينكم وبينهم { يوم القيامة } بإدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار، وأما تأخير عقاب المنافقين إلى الموت وما بعده، ووضع السيف عنهم فى الدنيا فليس حكما يوم القيامة، فلا تفسر به الآية إلا أن يقال المراد يتم الحكم بينهم ويوم القيامة، بإدخالهم النار بعد الحكم فى الدنيا بوضع السيف { ولن يجعل الله للكافرين } المشركين والمنافقين { على المؤمنين سبيلا } يوم القيامة، وأما الدنيا فسجال، وقيل لا فى الآخرة ولا فى الدنيا، والسبيل بحجة كما روى أن عليا سئل عن الآية مع أن الكافرين يظهرون على المؤمنين فى بعض الأحيان، فأجاب بأن معنى الآية ظهور المؤمنين يوم القيامة بثمرة الإيمان، وهى الجنة، وخزى الكافرين بالنار، وعلمهم فيه أن الحق مع المؤمنين، ومذهب الجمهور من أصحابنا وغيرهم، أن الكافر إذا استولى على مال المؤمن لم يملكه فإذا قدر عليه فهو للمؤمن، وقال الربيع بن حبيب وبعض العلماء تجوز معاملة المشرك فيه وهبته وتملكه منه بالغنم فيكون فيئا للمسلمين، واستدل الشافعى بالآية على أنه لا يملكه ولا يعامل فيه، وملكه باق لصاحبه المؤمن، وعلى أنه لا يملك عبدا مسلما، قلت ولا أمة، ولا يرث مسلما أو مسلمة، ولا يتزوج مسلمة ولو أمة، ولا يتسرى مسلمة، وإن اشترى عبدا مسلما أو أمة بطل شراؤه عندنا وعند الشافعية لهذه الآية ونحوها، وحديث الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وقال الحنفية: يصح الشراء ويمنع من استخدامه ومن التصرف فيه إلا بالبيع للمسلم أو الإعتاق فذلك عندهم انتهاء السبيل، وإن ارتد المسلم حرمت زوجه، وإن تاب قبل العدة فهى له، وكذا إن أسلمت زوج الكافر، وذلك لئلا يكون لمن كفر سبيل على من آمن، فالارتداد كالفرقة بنحو الطلاق، والإسلام كالرجعة، وأجمعوا أن المؤمن لا يقتل بالكافر، واستدل الحنفية بها على أنه إن ارتد المسلم بانت منه زوجه ولو تاب فى العدة، إذ لو تبين لكانت فى عصمته حين الردة.
[4.142]
{ إن المنافقين يخادعون الله } يخادوعون أولياء الله بإضمار الشرك وإظهار الإسلام، فحذف المضاف تشريفا لهم بجعل معاملتهم معاملة الله، المفاعلة بمعنى الفعل هنا، أو شبه صنيعهم مع المؤمنين بصنيع الخادع إذ أظهروا ما يوهم إسلام قلوبهم، والمفاعلة مبالغة وحقيقة، لأن المؤمنين لم يخدعوهم كما دل قوله { وهو خادعهم } إذ لم يقل مخادعهم، والمعنى مجازيهم على خدعهم، فسمى الجزاء الذى هو لازم خدعهم وسببه باسم الخدع، أو مجاز لعلاقة الجواز، أو مجاز مركب استعارى، بأن شبه إضمار الشرك وإظهار التوحيد، لينجو من القتل والسبى والغنم، بإظهار الشىء الحسن وإضمار السوء، ليتوصل إلى ما يريده من عدوه، وكذا شبه الله جل جلاله قبول إسلامهم فى الدنيا وإجراء أحكام الإسلام عليهم به مع عقابهم فى الآخرة بإظهار الحسن وإضمار السوء للتوصل إلأى مايراد، ومن معنى ذلك ما روى عن ابن عباس، أن هذا الخداع أنهم يعطون نورا يوم القيامة كالمؤمنين، ويمضى المؤمنون بنورهم وينطفىء نور المنافقين { وإذا قاموا إلى الصلاة } مع المسلمين { قاموا كسالى } متثاقلين، لكراهة قلوبهم لها، والواحد كسلان { يرآءون الناس } مفاعلة بمعنى إفعال أو تفعيل، أو يظهرون الإيمان وإعماله للمؤمنين، ويظهر المؤمنون لهم القبول، فالمفاعلة فى الرؤية متحدة، والاختلاف فى متعلق الإرادة، وهذا مجاز، لأن حقيقة المفاعلة اتحاد الفعل ومتعلقه، وهنا متعلق رؤية الناس، ليس أنهم يطلبون من المنافقين أن يراهم المنافقون عابدين لله عز وجل { ولا يذكرون الله } مطلق الذكر الشامل للصلاة، أو يصلون { إلا قليلا } زمانا قليلا، أو ذكرا قليلا، ويقال: إنهم يقتصرون على تكبير الإحرام والتسليم أو مع بعض القرآن والذكر، ويقال: ذكرهم باللسان قليل بالنسبة إلى الذكر بالقلب، وقيل: وصف بالقلة لأنه لم يقبل، وفيهما ضعف، لأن ما لم ينعقد أو مالم يقبل يوصف بالبطلان لا بالقلة، والصحيح ما ذكرته، قال صلى الله عليه وسلم فى صلاة المنافق
" يجلس حتى إذا كانت الشمس بين قرنى الشمس قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ".
[4.143]
Shafi da ba'a sani ba