[4.31]
{ إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه } الكبائر التى من جملة الذنوب التى نهاكم الله عنها، كبائر الموبقات السبع، الإشراك، وقتل النفس التى حرم الله، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وسائر الكبائر، فعن ابن عباس: هى إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، ومن الكبائر ترك الطاعة الواجبة، فاجتناب الكبائر صادق بأداء الفرائض، ويعد فى حق الأنبياء ذنبا ما لا يعد فى حقنا ذنبا، كعدم العفو عمن أساء والاقتصار على الأسهل من العبادة ميلا إلى النفس { نكفر عنكم سيئاتكم } صغائركم والكبيرة ماجاء الوعيد فيه حدا ولم يكن فيه، وما يقاس على ذلك، أو ما علم حرمته بقاطع ولو خبر آحاد { وندخلكم مدخلا } مصدر ميمى نائب عن اسم المصدر، أي وندخلكم دخولا، أى إدخالا، أو اسم مكان من الثلاثى نائب عن اسم المكان من الرباعى، وكأنه قيل مدخلا بضم الميم، أى موضع إدخال، أو اعتبر فى ندخلكم معنى نصيركم داخلين، ولفظ داخلين من الثلاثى، أو يقدر له ثلاثى، أى ندخلكم فتدخلوا مدخلا، أو مكانا كريما، كما جاء ومقام كريم { كريما } موضع الدخول، والإدخال الجنة ونعيمها، والإدخال الكريم والدخول الكريم دخول الجنة ونعيمها.
[4.32]
{ ولا تتمنوا } التمنى حب الشىء والميل لوقوعه ولو محالا، وهو للحال وما بعده، والتلهف لما مضى، وأكثر التمنى لا يتحقق، ويكون فيما يعلم أن يظن وبرؤية ودونها:
أمانى إن تدرك فيا غاية المنى
وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا
{ ما فضل الله به بعضكم على بعض } فى المال، والنكاح، والولد، والجاه، وصحة البدن، والعلم و الصنائع، والطبائع على جهة الانتقال، وذلك حسد محرم مؤد إلى التباغض، وفيه الاعتراض على الله، وعدم الرضى بالقسم، ولا سيما من اعتقد أنه أحق، وتشهى حصول شىء بلا كد مذموم وتمنى ما لم يقدر معارضة للقدر، وتمنى ما قدر له بكسب بطالة، وتمنى ما قدر له بلا كسب ضائع، كتمنى الذكاء وصحة الزواج ونحوهما، مما لا قدرة للعبد عليه، حتى قيل: إن الغبطة منهى عنها بهذه الآية، وهى تمنى مثل ما للغير، ونسب لمالك، والمحققين، قلت، أما إن أريد تحريمها فلا، والحق حلها والحظ إليها فى عمل الآخرة لا يسوغ منعه، وإن أريد الكراهة صح غير عمل الآخرة، لحديث: لا حسد إلا فى اثنتين والله أعلم بصالح عباده، ولعل نحو المال المتمنى حسدا أو غبطة هلاك، وإنما يتمنى زيادة العمل الصالح، وليقل اللهم أعطنى ما يصلح لدينى وديناى { للرجال نصيب } فى الجنة، وعن ابن عباس، المعنى ما أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مقدرا فى الأزل من نعيم الدنيا، بالتجارات والزراعات وغير ذلك من المكاسب، فلا يتمن خلاف ما قسم له { مما اكتسبوا } من أعمال الآخرة كالجهاد، وهو نصيب عظيم، إلا أن المقام ليس مقام ذكر عظمة، وكذا فى قوله { وللنسآء نصيب } فى الجنة { مما اكتسبن } من أعمال الخير لطاعة الأزواج، وحفظ الفروج، وإنما المقام لبيان أن لكل نصيبا محدودا لا يبذل، لا يدخل فيه غيره، كما روى أن الآية نزلت إلى قوله عليما فى قول أم سلمة رضى الله عنها: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا، وكان لنا مثل أجر الرجال ولنا نصف الميراث، ولو كنا رجالا أخذنا ما أخذوا، وهى أول ظعينة قدمت مهاجرة إلى المدينة، وفى قول النساء لما نزل للذكر مثل حظ الأنثيين، نحن أحق بالزيادة من الرجال، لضعفنا، وهم أقوياء على أقوياء على طلب المعيشة،وقول الرجال إنا لنرجو أن يكون الأجر لنا على الحسنات ضعف النساء كالميراث، وقول النساء نرجو أن يكون وزرنا نصف وزر الرجل كالميراث وإذا فسرنا النصيب بالمقدار من الميراث فالاكتساب استعارة أصلية عن اقتضاء حاله، من ذكورة أو أنوثة لنصيبه، واشتق منه على التبعية اكتسب فى الآية استعمال الاكتساب فى الخير { وسئلوا الله من فضله } ما تحتاجون إليه يعطيكموه، فإن خزائنه مملوءة لا تنفذ فلا تزاحموا بالحسد والتمني، بل بالعمل، قال صلى الله عليه وسلم:
" ليس الإيمان بالتمنى "
، فحذف المفعول الثانى للعموم، أو لدلالة السياق عليه، وعنه صلى الله عليه وسلم:
" لا يتمنين أحدكم مثل مال أخيه، وليقل اللهم ارزقنى، اللهم أعطنى مثله "
Shafi da ba'a sani ba