٣ - ومثالُ الذي وُجِدَ فيه الاعتبارُ ببعض الأصولِ والنظائِرِ: قولُ اللهِ- ﷿: ﴿لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وحاضرو المسجد الحرام مَن قَرُبَ منه.
ولَمّا كانَ حَدُّ الحُضورِ والقُرْبِ غيرَ مذكورٍ، ولا معلوم، رُجِعَ في بيانِه إلى أَقَل ما وُجِدَ في الشرعِ من المَسافاتِ القريبةِ التي تَتَعَلَّق بها الأحْكامُ، فلم يوجد أقلُّ من مَسافَةِ القَصْرِ.
ومثالُه أيضًا قولُ اللهِ ﵎: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: ٧] فألْزَمَ اللهُ ﵎ كُلَّ أَحَدٍ على قَدْرِ حالِه، وذلكَ غيرُ مَحْدودٍ، فرُجِعَ في نفقةِ المُعْسِرِ إلى أقلِّ ما وُجِدَ منْ وُجوهِ الإطْعامِ، وهو مُدٌّ (١)، وذلك في كَفَّارَةِ
_________
(١) المُدُّ: بالضم: مكيال، وهو رِطْلٌ وثلث عند أهل الحجاز والشافعي، ورِطْلانِ عند أهل العراق وأبي حنيفة، والصاع أربعة أمداد. انظر: "النهاية في غريب الحديث" (٤/ ٣٠٨)، و"لسان العرب" (٣/ ٤٠٠)، (مادة: مدد).
ثم إن الصاع يزن (٢٠٤٠) غرامًا، فيكون المد (٥١٠) غرامًا.
وللتوضيح أكثر عن الأكيال المستعملة شرعًا، أقول: قال أبو عبيد في كتابه "الأموال" (ص: ٦١٧): وجدنا الآثار قد نقلت عن النبي ﷺ وأصحابه والتابعين بعدهم، بثمانية أصناف من المكاييل؛ الصاع، والمد، والفَرَق، والقسط، والمدي، والمختوم، والقفيز، والمكوك، إلا أنه عظم ذلك في المد والصاع، انتهى.
فالصاع يساوي: (٢٠٤٠) غرامًا.
والمد: ربع صاع، ويساوي (٥١٠) غرامًا.
والفَرَق: ثلاث أصوع، أي: (٦٢١٠) غرامًا.
والعَرَق: يساوي ما بين (١٥) إلى (٢٠) صاع.
والوَسَق: يساوي ستين صاعًا؛ أي: (٤٠٠ و١٢٢) غرامًا.
1 / 33