حَسُنَ تخصيصُه بغير الحاضري المَسْجِدِ الحَرامِ، وهذا منَ العامِّ الذي أريدَ بهِ الخاصُّ، ومِنَ الصّنفِ الذي يُبَيِّنُ آخرُه أوَلَهُ.
ويليه في البيانِ: تخصيصُ ثلاثةِ أيامٍ بالحجِّ؛ لقوله تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] فهذا بَيِّنٌ ظاهِرٌ في لِسانهم، وإنْ كانَ فيه شيءٌ من لَطيف الاسْتِعارة، وعلى ذلك أكثرُ كلامِ العربِ، وقد قال بهِ الشافعيُّ -رحمهُ اللهُ تَعالى- ولم يُجَوِّزِ الصِّيام إلَّا بعدَ الإِحْرام بالحجِّ، وحَمَلَهُ أبو حَنيفةَ -رحمهُ اللهُ تَعالى- على أشهرِ الحَجِّ، وجوّزَ الصيامَ قبلَ الإحرامِ بالحجِّ، وكذلك في قوله -تعالى-: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧].
وقولُ الشافعيِّ -رحمهُ اللهُ تَعالى- أَبْيَنُ وأَقْرَبُ إلى مُقْتَضى حقيقةِ اللُّغة.
وقولُ أبي حنيفةَ مُحْتَملٌ، ولكنهُ خِلاف البيِّنِ، وأبعدُ منَ الحقيقةِ؛ لما فيه منَ الحَذْفِ والإضْمَارِ.
وفي الآية مباحثُ أُخَرُ، وسأعيدُ الكلام عليها حينَ أتكلمُ على الأحكامِ -إن شاء الله تعالى- وبهِ العَوْنُ والعِصْمَةُ.
* * *
فصل (المُشْكِلُ)
وأما المُشْكِلُ، وهو الذي تسميه الشافعيةُ: "المُجْمَل"، فنوعٌ حَسَنٌ في اللَّسان في بعضِ الأَحْوال، إذْ هوَ من مَقاصِدِ العقلاء، ومُسْتَحْسَناتِ الفُضَلاء.
كما رُويَ أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والشِّيعَةِ اخْتَصموا في بَغْدادَ في تَفْضيلِ أبي بَكْرٍ وعَلِيٍّ -رضيَ اللهُ تعالى عنهُما- فرضُوا بما قال أبو الفَرَج بنُ الجَوْزِيِّ، فَسُئِلَ عنْ ذلك؛ فَقَالَ: مَنْ كانَتِ ابنتُه تَحْتَه؛ ونزلَ من كُرْسيِّ وَعْظِهِ،
1 / 28