في العبادة، فيكون قد أثبت ما نفته "لا إله إلا الله " من إلهية غير الله ولم يثبت ما أثبتته من الإخلاص، وكل هذه الأبواب التي ذكرها المصنف - رحمه الله تعالى - تدل على أن من أشرك مع الله غيره بالقصد والطلب فقد خالف ما نفته "لا إله إلا الله "، فعكس مدلولها فأثبت ما نفته ونفي ما أثبتته من التوحيد، وهذا معنى قول شيخنا: وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب. فكل شرك وقع أو قد يقع فهو ينافي كلمة الإخلاص وما تضمنته من التوحيد.
قال الرافعي في شرح المنهاج: "وأما النذر للمشاهد التي على قبر ولي أو شيخ أو على اسم من حلها من الأولياء، أو تردد في تلك البقعة أو المشهد أو الزاوية، أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه أو بنيت على اسمه، فهذا النذر باطل غير منعقد؛ فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات، ويرون أنها مما يدفع به البلاء، ويستجلب به النعماء، ويستشفى بالنذر لهما من الأدواء، حتى إنهم لينذرون لبعض الأحجار لما قيل لهم: إنه استند إليها عبد صالح، وينذرون لبعض القبور السرج والشمع والزيت ويقولون: القبر الفلاني أو المكان الفلاني يقبل النذر، يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مريض أو قدوم غائب وسلامة مال وغير ذلك من أنواع نذر المجازاة، فهذا النذر على هذا الوجه باطل لا شك فيه بل نذر الزيت والشمع ونحوهما للقبور باطل مطلقا، ومن ذلك نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر إبراهيم الخليل ﵇، ولقبر غيره من الأنبياء والأولياء؛ فإن الناذر لا يقصد بذلك إلا الإيقاد على القبر تبركا وتعظيما ظانا أن ذلك قربة فهذا مما لا ريب في بطلانه، والإيقاد المذكور محرم سواء انتفع به منتفع أم لا".
وقال الشيخ قاسم الحنفي في شرح درر البحار: "النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد كأن يكون لإنسان غائب أو مريض أو له حاجة فيأتي إلى بعض الصلحاء ويجعل على رأسه سترة، ويقول: يا سيدي فلان إن رد الله غائبي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب كذا أو من الفضة كذا أو من الطعام كذا أو من الماء كذا أو من الشمع والزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه: "منها " أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة والعبادة لا تكون لمخلوق. ومنها أن المنذور له ميت، والميت لا يملك شيئا، ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى ﷿ واعتقاد ذلك كفر- إلى أن قال: إذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ينتقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم فحرام بإجماع المسلمين"، نقله عنه ابن نجيم في البحر الرائق، ونقله المرشدي في تذكرته وغيرهما عنه، وزاد: "وقد ابتلي الناس بهذا لا سيما في مولد البدوي"، وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي ﵀ في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء: "فهذا الذبح والنذر إن كان
1 / 78