Tasirin Lotus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Nau'ikan
قال بنبرة محايدة: «لا أعرف.» نظرت في عينيه المحمرتين. «هل تريد حقا البقاء هنا؟» «يتعين على أحدهم أن يبقى.» «هيا، دعنا نذهب من هنا.» «لكني أعرف المكان هنا حق المعرفة.» هل هذه حق المعرفة؟ أنت تلتصق بوحل ماضيك، أوحال ماضينا. لا أستطيع أن أسحبك خارجا، يكفيني ما هو عالق بساقي. «هل كان على والدينا ديون؟» «نعم، الدين» صاح فجأة «أنت المدينة بكل شيء.» «تمالك نفسك.» ليس معي، هذا لا يفعل بي، لن يفعل بي ثانية. وقفت فاندا بالفعل في طرقة الباب، وسمعت أنه يتبعها. «علينا أن نبيع المنزل» صار صوته فجأة موضوعيا، «عليك أن توقعي. لن يتبقى الكثير لنا، لكن ثمنه سيكفي لسد الديون.» حتى كلامه كان يضايقها، كالعادة، لم أتوقع غير هذا. الوضع مرير عليك، أنت يا من دائما تأتين بعد فوات الأوان ولا تجدين من يتعاطف معك، من ناحيتي تستطيع أن تحتفظ بالنصيب الباقي كله. اتجهت خطوة نحو الباب وقالت: «إذن لننه المسألة.»
وفي وقت لاحق أخذا جولة أخرى في المنزل. كان الوالدان قد تصرفا في غرفة فاندا وقاما ببيع أثاثها، وأهديا ألعابها. لم تجد ثمة أثر يعيدها إليهما. ماذا أيضا كانت تريد أن تتهمهما به؟ ففي نهاية المطاف، فإنهما لم يفعلا سوى كتابة النهاية لما بدأته هي برحيلها. في غرفتها السابقة، وجدت المكتب ذا الأرفف القديم الأثير لدى والدها، وقد ورث تلك القطعة كما قال، لكنها لم تعرف عمن ورثها. كانت الطاولة الدقيقة للمكتب تقف كمهر ذي ساقين طويلتين. حق لها بما فيها من قوارير عطر وعلب بودرة أن تكون لامرأة، لا لرجل عجوز سكير. جلست فاندا على الكرسي المقابل لها ونظرت في المرآة البيضاوية التي تعلو الأدراج. «هل كان يجلس هنا؟» رأت في المرآة كيف أن روبرت فتح يديه وأغلقهما أمام بطنه السمين في إيماءة بأنه لا علم له. حاولت أن تتخيل وجه والدها في المرآة. بحثت عنه خلف عينيها الداكنتين، شكل أنفها أو الأجزاء التي حول فمها الدقيق. كانت ببساطة أقرب شبها بوالدتها. أحست تحت يديها بالقرص الرخامي البارد. سحبت أصابعها خطا رفيعا في طبقة الغبار التي علت الرخام البني المرقط. كانت درجة لونها تتوافق مع درجة لون الخشب المائل للحمرة ذي الزخرفات البارزة التي تؤطر الطاولة والمرآة، ربما تعود لطراز «الآباء المؤسسين» أو ربما ترجع لطراز الفن الحديث «يوجيندستيل». لم تكن تفهم كثيرا في هذه الأمور. كان بها درجان، سحبت فاندا مقبض الدرج الكبير أسفل الطاولة الذي لم يرد أن ينفتح. «ثمة مفاتيح؟»
هز روبرت كتفيه. «يمكنك الاحتفاظ بها، فليس عندي لها مكان.»
في المساء عادت تقود السيارة على الطريق السريع ثانية. في هذا الجو على الهضاب؟ كان رأي روبرت أن هذا يسبب الإنهاك الشديد. ظلت تبكي طوال طريق العودة، لم تذكر أنها فقدت كل هذا الماء من عينيها من قبل. شغلت مساحات الزجاج. كانت أضواء السيارات التي تأتي من الاتجاه المقابل تتراقص بين الثلوج المتساقطة مساء. ما الذي حدث لها؟ لقد وقعت عقد البيع للبنك. البنك الذي يعمل به روبرت، سيتحمل الموضوع. لقد انتهى الكابوس، بالنسبة لها على الأقل. هل هذه هي الراحة المنشودة؟ خطرت ببالها كنيسة العذراء ثانية. حاولت أن تبتلع الغصة التي في حلقها. لم يكن ثمة شيء على حاله كما كان في البداية. كيف بدأ الأمر حقا؟ تخطتها العربة الخلفية متجاوزة إياها لتجعلها خلف شاحنة. لقد مرت السيارة من طراز تويوتا بخفة مخلفة لطخات من الطين الممتزج بالثلج تصطفق على زجاجها الأمامي، وبحركة غريزية، حاولت تجنب الأمر برد رأسها للوراء. يتعين عليها الآن النظر إلى الأمام.
بعد أربع ساعات بدت لها كعمر بأكمله وصلت إلى ماربورج. كانت فاندا في غاية التعب حين صعدت السلالم المؤدية إلى شقتها، وكانت صناديق البيرة الفارغة التي تخص جيرانها قد ولدت جيلا جديدا. افتقدت فاندا الشعرة التي تضعها في إطار الباب، كما نقصت من الثلاجة ثلاث بيضات. مست كرتونة مادة النانو الموضوعة في الركن الأخير من درج البيض فاستراحت. هزت رأسها غير مصدقة. هل صرت أخرف الآن أم أني أخطأت العد فحسب؟ جابت شقتها بانتباه. كان كل شيء كما تركته. وكانت تجد ألفة في فوضاها. لم كانت تحب ترك الفوضى على حالها؟ ترى كيف كان يبدو شبح غيابها؟ تذكرت الفيلم مرة أخرى. ساكن سري؟ كانت سلة الورق ممتلئة، لم يحاول أحد حمل جبل الغسيل، كما أن أكوام الورق المطبوع على مكتبها ظلت في انتظار أن تقوم هي بتصنيفها. فكرت أن تمر سريعا على زابينة، لكنها كانت تفضل أن تأوي إلى فراشها. أوصدت باب الشقة مرتين، ثم دخلت فراشها سريعا. واستغرقت بعض الوقت إلى أن هدأت نفسها.
الفصل التاسع والعشرون
الطرد الهش
في الأسبوع التالي استمرت البرودة، وعلت الأحذية حواف بيضاء وتشققت النعال وأصبحت تصدر صريرا، وعلى الطريق الجانبية حولت الشمس قطع الجليد التي لم تكسح منها إلى طين ذائب، بينما ومضت ألسنة لامعة من الثلوج في ضوء مصابيح الشارع.
كان الوقت مناسبا لسوق عيد الميلاد. اتفقوا على اللقاء في الساعة السابعة مساء أمام كنيسة إليزابيت؛ إذ كان النبيذ الساخن هناك أرخص من مثيله في جنوب المدينة. انتظرت فاندا أمام البوابة الرئيسية. تعرفت على زابينة من القلنسوة النرويجية التي اعتمرتها، تلك التي شغلتها أمها. كان الشريطان الرقيقان اللذان يتدليان من القماش العريض على كلا الجانبين يتبختران بدلال مع كل خطوة من خطواتها الواسعة. وكانت زابينة قد قررت أن تأتي بمفردها؛ فدرجات الحرارة الأدنى من الصفر لا تناسب جوسي بالمرة. «وااو» بدا على زابينة إعجاب حقيقي، وقالت: «فعلا مثل ما قبل التاريخ. وبهذا تسيرين مخلفة آثارا مثل الماموث.» تأملت فاندا بفخر حذاءها الفرو ذي الرقبة العالية، وهو واحد من التذكارات النادرة التي استطاعت أن تجلبها إلى ألمانيا من العالم الجديد. «هي أقرب لأحذية وقوف فقط، ما يجعلها تناسب تماما سوق عيد الميلاد.» «سوف نرى كم من النبيذ الساخن تحتملين.» كانت زابينة قد اتخذت اتجاها واضحا، وتبعتها فاندا عليه. «هل تعرفين إلى أين تودين الذهاب؟» ««فان إلكان» يخمرون الأفضل حتى الآن.» وأشارت بذقنها ناحية أكشاك البيع الأخرى، «أما الباقون فانسي أمرهم.» بعد وقت قصير كانت أصابعهم المجمدة من البرد تقرع كئوس الأنخاب الدافئة. «هل تلقاه يا ترى؟»
سحبت فاندا هاتفها المحمول من جيب سترتها. لا بد أن يكون شتورم قد وصل إلى تورنتو قبل ساعة لو أن كل شيء سار على ما يرام. «كان سنايدر سيرسل رسالة نصية بمجرد أن يحصل على الطرد، لكن لم يصلني شيء بعد.» «ماذا لو أن سنايدر فتحه في الطريق ...؟ أو عند الجمارك ...؟» «ربما هو في هذه الأثناء يسبح عبر الأطلنطي. لن نستطيع تخيل الأمر. ليس في أيدينا سوى الانتظار.»
Shafi da ba'a sani ba