Tasirin Lotus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Nau'ikan
توجهت إلى مدخل البيت، وفي الطريق التقطت حصاة من الأرض، هل من الممكن أن يكون توماس في انتظارها؟ شعور غريب، لكنها كانت متأكدة أنه سيسمح لها بالدخول. كانت سيارته من طراز بي إم دبليو مصفوفة في الجراج بجوار المنزل، وشقته في الطابق الثاني. تحرك ظل وراء نافذة المطبخ، بعدها بمدة وجيزة سمعت صرير الباب وهو يفتح، وفي نفس اللحظة أضيئ نور السلم.
انفتح الباب بمجرد أن دفعته فاندا، فوضعت الحصاة في إطار الباب وصعدت السلالم ببطء. ماذا إن كان مجنونا؟ لكنها هزت رأسها لتطرد عنها هذه الفكرة، لو أن ثمة مجنونا فلن يكون سواي. كانت زابينة تحب أن تشك في أفكارها، لكن فاندا على العكس كانت ترجو من داخلها رجاء حارا أن تكون مخطئة، كانت لا تزال معجبة به.
كان باب شقته مواربا، فدخلت، ومن الغرف سقط ضوء على الردهة الصغيرة.
سحبت الباب مغلقة إياه، تاركة فرجة رفيعة. رأت معطفه الجلد معلقا على المشجب، والتقطت أنفها ذات الرائحة المألوفة. استشعرت توترا اعتراها فأخافها، لا يزال بإمكانها أن تعود أدراجها. وماذا لو كنت مخطئة؟ بحثت في المطبخ ثم في غرفة المعيشة. كان جالسا إلى حاسوبه ويكتب، لم يزعجه دخولها بل ظل يثبت وجهه نحو الشاشة. جلست فاندا على الأريكة الجلدية الزرقاء، لم تنبس ببنت شفة وظلت تنظر إلى ظهره. كان يحك ذقنه من آن لآخر، لم يكن حليقا. وكانت الغرفة معبأة بهواء فاسد. رأت الكاميرا الرقمية على الطاولة أمام الأريكة، ووقع بصرها على الصور ذات الأشكال الهندسية. تذكرت الآن، كانت قد رأتها قبل أن تغادره بقليل في ليلة رأس السنة، وفي هذا المكان توقفا عن الرقص معا. «ما الأمر بالغ الأهمية لدرجة أنك لا تحادثني؟» قالت لتكسر صمتا دام عدة أسابيع. شد توماس ظهره وأخذ شهيقا مسموعا، ثم نظر بلا اكتراث وراء ظهره، ففردت تجاعيد رقبته. «بدلة أنيقة!» أصابتها نبرته بالغصة، ثم تحول ببصره مرة أخرى إلى الشاشة وواصل النقر. «كانت حماقة مني. أنا أيضا لا أعرف لماذا ذهبت معه ليلة رأس السنة.» «ماذا تريدين؟» غاصت رقبته بين كتفيه وهو ينظر إلى السقف. «أن أكون مخطئة.» «ولماذا تريدين أن تكوني مخطئة؟» كانت ضحكته باردة. «هذا ما أريد.» قالتها ثم حدقت في يديها، ومرة واحدة هب واقفا. كان ذيل بنطاله الجينز منسلا تنساب خيوطه على قدميه العاريتين، بينما أطل جزء من جسده الأبيض المغطى بشعيرات داكنة من الخرقة التي تعتلي فخذه، بدا قميصه معجونا من كثرة ثنياته، علاوة على أن أزراره كانت مفتوحة، فبدت شعيراته الصغيرة الملتفة المنتشرة على صدره العريض التي تمتد لأسفل، فوق الاستدارة اللطيفة لبطنه لتختفي في البنطال أسفل السرة بقليل. خرج إلى الطرقة، وبعدها بقليل سمعت صوت الباب وهو ينغلق، وحين عاد كان قد زرر القميص. «هل تنوين أن يصطحبك أصدقاؤك ثانية؟» هذه المرة كانت ضحكته قذرة. «لم تكن فكرتي.» «هل كان أخوك الصغير يتابعك كالمجنون؟» أخي الصغير؟ من أين له بهذه الفكرة؟ لا تذكر أنها حدثته عن أندرياس قط. «اسمع يا توماس، أستطيع أن أتخيل أنك غاضب؛ لذلك ...» توقفت عن الحديث لأنه قفز فجأة من مكانه وخرج راكضا من الغرفة. سمعته يطقطق الصحون في المطبخ. انطلق رنين هاتفها المحمول، إنها رسالة نصية من يوهانيس، نصها:
رد من ت. كانت السيارة بي إم دابليو داكنة، سنصعد الآن. ي.
وبطرف عينها لمحت شيئا يتحرك على الشاشة، فنهضت فاندا وذهبت نحو المكتب حيث تعرفت على قائمة ذات أرقام على الشاشة. كانت المدخلات مكتوبة بالدولار. وكانت ستقرأ الاسم المكتوب لكنه في تلك اللحظة أمسك بها من رقبتها، وسحبها بعيدا عن المكتب ودفعها، فتعثرت ثم تمالكت نفسها على الأريكة. «السيدة فضولية زيادة عن اللزوم.» «صحيح.» شعرت فاندا بقواها تخور. أسندت نفسها إلى ظهر الأريكة وأخذت تحك رقبتها التي تؤلمها. «إذن ماذا؟» «إنه أنت الذي كنت في المعهد في وقت متأخر منذ مدة وجيزة. كنت تقف ورائي قريبا مني. تمكنت من شم رائحة معطفك الجلدي، مثل الرائحة التي هنا في الطرقة. لماذا فعلت ذلك؟» «لقد قلت فعلا إنك فضولية زيادة عن اللزوم.» كان يقف أمامها فاتحا ساقيه، على مسافة ليست بالقريبة بحيث تمسك به، لكنه كان من القرب بحيث اضطرت للتطلع إليه. «إنك تتاجر في أسهم شركة بي آي تي.» لم تتمكن من السيطرة على نبرة صوتها، فخرج رفيعا، الأمر الذي أغضبها لأنه يفضح خوفها.
قال وهو يتنهد: «كان علي أن أتخلص منها في حينها. كنت بالفعل أنتوي ذلك قبل أن أعرف ما اكتشفته صديقتك الغالية عن نانوسنيف، إلا أن شتورم واصل مسيرته وكأن شيئا لم يكن، طار إلى أمريكا وعاد بالمشروع التالي، أما صديقتك زابينة فتسبب سلوكها المريب في طردها خارج المعهد. ولم يكن تسللي خلف يوهانيس سوى محض مصادفة؛ ففي ذلك المساء كنت أتصفح الشبكة الداخلية للمعهد من البيت. ساعتها وجدت رسائله الإلكترونية لجماعة «والدن»، وحينها بدا لي جليا أن الأوان قد آن لمحو كل بيانات بي آي تي من الكمبيوتر المركزي، ومن بيتي أستطيع فقط أن أقرأ لكن لا يمكن لي أن أتدخل بشكل إيجابي، وللأسف اضطررت للعودة للمعهد، وهناك في الجراج وجدت سيارة يوهانيس من طراز تويوتا مصفوفة. كنت حذرا للغاية، لكن كل شيء بالمعهد بدا هادئا، وتحسبا لأي طارئ أخذت سخان الماء الذي كان على المغسلة ومررت بغرفته، ثم جلست في غرفة الكمبيوتر خلف الباب. لم أضطر لانتظاره كثيرا، لعبت معه لعبة خفيفة. لم يلاحظني قط.» «وماذا لو كان رآك؟» «كان حظي وفيرا، أو لنقل حظه هو، حسبما تنظرين للمسألة. بعدها بقليل حضرت أنت وقمت باللازم نيابة عني، بل قمت بإدارة الرجل كما يفعل المسعفون المختصون وبعدها ...» مط وجهه واستطرد: «يؤسفني، لكن لم يعد يمكنني التصرف بشكل مغاير. لقد كانت كلمة المرور لبيانات زابينة في جيب معطفك، وكان هذا كافيا بالنسبة لي للكشف عن نواياكما. في البداية كنت لا أزال أظن أنكما متواطئان في الأمر.»
نظرت إليه وهي لا تعي ما يقصد. «نعم، بعدها أطلعني رودي على الحكاية.» علت وجهه ضحكة ساخرة. «ماذا؟» ازدردت ريقها الجاف، «أنت تعرف ...؟» آه أخوك الصغير، صحيح، لقد كشف عن نفسه، لقد عرف ذلك من خلال رودي. يا لي من حمقاء!
قال متباهيا بالنصر: «نعم. ليس لك الآن سوى أن تحمري خجلا. رودي منجم للثرثرة، لكنك نسيت أن تركبي لجاما على فمه. حين يعرف شخص ما كيف يدخل على النظام ما أسهل أن يتلاعب به.» «لقد كنت تتنصت عليه طوال الوقت. أنت تعرف ...»
أكمل قائلا: «أعرف كل شيء. لم أدخل إلا متأخرا، وإلا فما كان الطرد الموجه إلى سنايدر قد وصل حتى فرانكفورت.» كانت نظرته تخترق إحساسها بذاتها وتدهس إحساسها المتنامي بالعار، ذلك الإحساس الذي تجاهد لكي تقاومه. «هذا ما تقوله أنت. لكني لا أصدق أي كلمة.» كانت تدافع عن نفسها رغم معرفتها تماما أنه يقول الحقيقة، لقد قام توماس ببرمجة رودي، وبلا أية فكرة أخذت هي بنصائحه في الوقت الذي كان توماس يلعب بها ويحركها مثل دمية ماريونت. «على أية حال، لقد كان الأمر يستحق.» قالها متفاخرا بنفسه. «بدون المعلومات التي أمدك بها بيتر سنايدر، لم أكن لأفكر في الاستثمار في ديون الحكومة الأمريكية.» فكر قليلا ثم أكمل قائلا: «لكن مسألة نيو مكسيكو لا تزال مفتوحة، ربما لن تعرفي قط السبب في موت والد أندرياس. أما ما يخصك ...»
Shafi da ba'a sani ba