Tasirin Lotus
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Nau'ikan
قالت بحذر: «لا، لا أريد أن أشتكي.» شعرت أنه فهمها خطأ، «أنا فقط لم أعد أثق في حكمي على الأشياء، ما الخطأ وما الصواب. نانوسنيف يحتوي على مخاطر يرفض رئيسي أن يعترف بوجودها. هل علي أن أحجب معلوماتي لأن رؤيته للأمور غير رؤيتي لها؟» «كونك عالمة يجعلك مسئولة مسئولية شخصية.» «وهذا يعني؟» «المجال المتاح لك للحركة يتناسب مع قوة من يحمي ظهر رئيسك.» «وهذا يتعلق بمصلحته من الموضوع.» «حاولي أن تقدمي له الموضوع بطريقة يستطيع أن يتقبلها بها. ليس ثمة جدوى وراء تحديه؛ إلا إذا ...» «ماذا؟» «لو كنت تسعين وراء التنازع على السيطرة، وهذا ما لا أنصح به.»
تصببت فاندا عرقا. كيف كنت أتوقع أمرا آخر؟ لا جدوى. كان علي ألا أحضر إلى هنا.
أكمل بلهجة ودودة قائلا: «هل تعرفين، هناك طرق متنوعة لتوصيل الحقائق، وهذا يسري أيضا على معارفنا العلمية، والأمر مرتبط دائما وأبدا بالهدف الذي تسعين إليه. إن كانت نيتك هي الإضرار برئيسك فهذا ما سيفهمه الآخرون، وستحشدين قوى الآخرين ضدك، وسينفذون ذلك في صمت مذهل، ولن يفيدك ذلك في موضوعك. أما إن كان همك هو توصيل معلومة أن التقنية الجديدة تحوي مخاطر محتملة، وأنك تستطيعين إثبات ذلك بالتجربة المعملية، فستلقين ساعتها آذانا مصغية. أريد أن أقول إن عليك أن توضحي موقفك، ولا بد أن تصب حججك في صالحك، وهذا لا يتأتى إلا حين يقتنع الناس بنواياك. لا أحد يترك القيادة لشخص لا يثق فيه.»
ردت فاندا بحماسة: «ولكن هذه تحديدا هي مشكلتي. إن أعلنت معلوماتي حول نانوسنيف، فسيدعم ذلك الحكومة الأمريكية التي تبحث في الوقت الراهن عن حجج تمنع بها الاستخدام المدني لنانوسنيف لتخفيه عن أعين العامة، وتخبئه في المعامل السرية للجيش.» «من أين لك بهذه الفكرة الغريبة؟»
نظرت فاندا في عينيه بثبات: «الأمر هكذا فعلا، فلدي مصادري.» سأكون أنا الشيطان لو حكيت له الحكاية كلها، وسيظن أني مجنونة. تنهد فيبيلينج. «إذن في وسعنا أن نستبعد محاولات الانتقام، نحن هنا لسنا أمام عرض من أعراض «الغضب المقدس»، فأنت لا تريدين الثأر لقضية تظنينها عادلة، أليس كذلك؟» كان يرمق فاندا من فوق حافة فنجان الشاي بانتباه. هزت رأسها نافية بحسم. «ربما كان الأمر كذلك في البداية، لكن في هذه الأثناء بدأ الموضوع يحوي ما هو أكثر.»
واصل كلامه قائلا: «كان شعب الآزتك يعبد ربة الخيلاء. كانوا يطلقون عليها الربة التي تتحكم في الضباب، آياوتيوتيل، سيدة الضباب والدخان. هل تعتقدين حقا أن وظيفتك تخولك السلطة أن تخفي ما تخفين وتعلني ما تعلنين؟ أنت تبالغين في تقدير أهميتك. ليس من حقك التحكم في مثل هذه التطورات.» «لكني أشعر فعلا بالمسئولية .» «نعم بالطبع، فلتبقي إذن على البساط! إن كل محاولة للإمساك بزمام هذا العالم المعقد محتومة بالفشل. حين تحاولين ترويض الحصان من الخلف لا تتعجبين إن ظل يتمرد.» «أخشى أني لا أفقه شيئا في الخيول.» «عليك أولا أن تتحدثي إليه بلطف، وعليك أن تبقي على هذه النبرة الهادئة، سيرتد أثر ذلك إليك، كل شيء آخر سيأتي لاحقا. لا توجد وصفة سحرية.» «سيؤدي ذلك إلى نبذي، وسيكلفني ذلك وظيفتي و...» عضت شفتيها؛ إذ لم تكن تريد أن تحكي له عن جونتر هيلبيرج، لن يكون ذلك مناسبا في هذا السياق.
بدا أنه لا يزال في انتظار أن تكمل حديثها. «وصوتي في المجتمع العلمي ...» «عندك حق. الموضوع يتعلق بكيانك.» «وبمصداقيتي.»
صاح منتصرا: «وهنا بيت القصيد. الأمر يخصك أنت شخصيا، وماذا عن مسألة الخداع العلمي؟» «علي أن أتأكد من ذلك أولا، وإلا فلن أستطيع مواصلة العمل.» «لكن هذا ما أعنيه أيضا، لا يمكن الفصل بين المسألتين. حين تصلين إلى شيء فعليك أن تجدي الطريق لإيصاله إلى الناس، وهذا يتعلق أيضا بمدى قابلية مستمعيك لاستقبال ما تقولينه من معلومات. فالمجتمع العلمي أقل انفتاحا من عوام الناس فيما يخص وجهات النظر الجديدة. قد يبدو ذلك عبثا، لكن الوضع كذلك حقيقة؛ لأنه في مجالاتنا علاوة على كل حسنات ومساوئ الطبيعة البشرية، هنالك تنوع من الأفكار والرؤى والنظريات والعضويات المعدلة وراثيا ما يستوجب الحماية. حتى داروين رغم عناده كان مناسبا.» توقف فيبيلينج لبعض الوقت، ثم أكمل قائلا: «كان يستخدم في تخطيطات رسوماته لشرح نظرية النشوء والارتقاء استعارة الشعب المرجانية. بهذه الصورة تخطى الفكرة التقليدية التي سادت في العصر الوسيط عن هرمية التطور التي كان يعبر عنها باستخدام استعارة شجرة الحياة، علاوة على ذلك كان يستخدم استعارة الشعب المرجانية لقدرة الفروع الحية على الازدهار فوق الميتة، كما أن هذه البنية تسمح بملاحظة الأنواع الحية والأخرى المنقرضة بنظرة واحدة كل على حدة. كان داروين غارقا في هذه التجربة الذهنية، حين وصله مقال من الباحث الشاب والاس الذي استطاع أن يصور نظرية التطور بشكل مقنع جدا على مثال شجرة البلوط السامقة.» ارتشف فيبيلينج بعض الشاي، ثم أعاد الفنجان ببطء وواصل الكلام: «وبدافع من قلقه على ريادة أبحاثه في نظريات الارتقاء، اضطر داروين لقطع أفكاره التي من شأنها تشكيل المستقبل. كان عليه أن ينشر نتائج أبحاثه قبل منافسه، بالتالي لجأ لاستخدام الاستعارة المألوفة لشجرة الحياة، رغم أنه فكريا كان قد تخطى هذه المرحلة بخطوات. على أية حال، كانت رسوماته تشبه الشجيرات المتفرعة مثل الشعاب المرجانية، وكلما جمع حججا تدعم نموذج الشجرة الذي لم يكن داخليا مقتنعا به، ازداد تورطه في تناقضه الذاتي الداخلي. كان حذرا في صياغة أفكاره؛ ولهذا ظل الانقسام الذي ما زلنا نشعر به اليوم في كتاباته بين الصورة واللغة.»
غمغمت فاندا: «أنا لا أفهم شيئا.» «أنت في أزمة يعرفها جيدا كل الباحثين في العالم. تشعرين أنك مضطرة لتوصيل معلومات، لكنها لا تزال منقوصة بسبب ضغط الوقت.»
زفرت فاندا «تلك هي الحال.» «لكن هذا النقل الوراثي بين حاملات النانو والفيروس موجود فعلا؟» «بالتأكيد.» «لماذا لا تبنين عليه؟» «وبرأيك هل هذا كاف؟» «إن كان الوضع كما تقولين، فلا يستبعد التفكير في هذه المادة في التطبيقات العلاجية. هذا ما يمكن قراءته من النتائج التي توصلت لها. بالمناسبة لم يكن داروين هو الوحيد في عصره غير الراضي عن استعارة الشجرة، لم يكن متأكدا من أفكاره، لكنه في الوقت نفسه كان يريد أن يضمن لنفسه أكاليل الغار. كان هذا دافعه هو. أما أنت فوضعك مختلف.» أشار من النافذة. خرجت غزالتان إلى المنطقة الخالية من الأشجار، كانتا تنقلان خطواتهما بحذر وكأنهما تتبعان وصية خفية بألا تطأ أقدامهما شيئا. وفي صمت جلس كل من فاندا وفيبيلينج متجاورين ينظران من النافذة. في وقت ما دخلت زوجته إلى الغرفة كي تدعو فاندا لتناول العشاء. «للأسف، أنا مدعوة سلفا.» اضطرت فاندا للكذب؛ فلم تكن تبحث لدى هذين الشخصين الودودين عن علاقات شخصية، وفي قربهما كانت تشعر أنها خرقاء ومتصلبة. «أعلميني بما يحدث إن وجدت فرصة.» قال فيبيلينج وهي تشكره مودعة . لقد حصلت على ما كانت تحتاج إليه، وأيضا على فكرة عن الكيفية التي تواصل بها العمل. وعندما خرجت، كان الظلام قد خيم بالخارج.
Shafi da ba'a sani ba