لذا فاننا نستطيع من خلال هذا الكتاب ان نتعرف على موقف القاضي من الاديان المختلفة: السماوية منها وغير السماوي، وموقفه من الفلسفة اليونانية، ومن اخذ بها ممن يسمون بفلاسفة الاسلام، واخيرا موقفه من الاتجاهات العقائدية الاسلامية المختلفة وخاصة الاتجاه الباطني. وللقاضي مع هذه الاتجاهات جولات ومناقشات طويلة متشعبة.
حمل القاضي عبد الجبار على الفلسفة اليونانية عموما وبين ان كتبهم التي وصلت الينا فيها الشيء الكثير من النقص والتحوير والتعديل اجراه أصحاب الاغراض والاتجاهات العقائدية المختلفة لتأييد عقائدهم وآرائهم، وأفرد ارسطو بحملة عنيفة وخاصة في كتابه «الآثار العلوية» وانتقد نظريته في الكون والكواكب وما يراه من انها غير قابلة للقسمة او الزيادة او النقصان وانها حية عالمة سميعة بصيرة تخلق وترزق وتحيي وتميت «١» .
ومن الغريب انه ينتقد نظرية الرازي في اللذة والألم، وقوله ان الله لا يستطيع ان يخلق الانسان إلا بالطريق الطبيعي، ويتهمه بالإلحاد، ولكنه يتجاوز عن رأيه في النبوة مع انه يخالف الاتجاه الاسلامي العام فيه «٢» .
أما الكندي فانه- برأي القاضي- احد الملاحدة الذين تظاهروا بالاسلام لكنهم ما فتئوا يكيدون له ويمكرون به، وقد عرض لرأيه في المد والجزر وأن القمر سبب لحصولهما فشدد النكير عليه.
ويظهر انه ينتقد فكرة القانون بصورة عامة لما كان يظنه من انها تحد من
_________
(١) التثبيت ١٩٦
(٢) التثبيت ٢٩٣ ظ، ٢٩٤
المقدمة / 8