نصرة هؤلاء وإجابتهم له ﷺ ومدافعة ابي طالب، ما خرجوا ولا هو خرج من ان يكون ويكونوا بمكة مقهورين مغلوبين، حتى فروا من عدوهم بأديانهم.
فإن قيل: فاذا كان الله قد وعد هؤلاء الانبياء بزعمك بالنصر والظهور فلم يفرّون من اعدائهم؟ فقد فرّ موسى من فرعون ببني اسرائيل ليلا وخفية ومنع من إبقاد النيران لئلا يراها فرعون وجنوده فيستدلوا بها عليهم ومعه الآيات والمعجزات، وفرّ عيسى من مكان الى مكان بزعمكم وزعم النصارى، فانها تقول في اخبارها وأناجيلها ان يوسف النجار فرّ بعيسى وأمه الى مصر من بيت المقدس خوفا من هيريدس «١» ملك بني اسرائيل، فأقاموا بها اثني عشر سنة ومعه بزعمكم وزعم النصارى الآيات والمعجزات، وفرّ صاحبكم من قريش وأقام بالغار ومعه ابو بكر ثلاثة ايام ومعه كما زعمتم الآيات والمعجزات.
قلنا: ليس في فرارهم طعن في اعلامهم، وما قالوا لا يفرّ ولا يتوقى فيكون في فرارهم تكذيب، فإن كل شيء وعدوا به وقالوه قبل ان يكون قد كان وتم على ما قالوه وشرطوه/ قبل ان يكون، وليس في فرارهم ايضا مقاربة لعدوهم ولا مداهنة، بل انما احتاجوا الى الفرار لترك المداهنة والمقاربة، ولشدة المكاشفة لعدوهم، والمبالغة في اسخاطه وإرغامه، ولو قاربوا العدوّ واتقوه لما احتاجوا الى الفرار.
فاحفظ هذا فانك محتاج اليه، فإن قوما زعموا انهم اتباع الانبياء من المسلمين، اجازوا على انبياء الله وعلى من هو حجة الله على خلقه المداهنة
_________
(١) هيرودس او هيرودوس هو حاكم فلسطين الروماني آنذاك. وانظر لقصة هرب يوسف النجار وعيسى ﵇ وامه مريم: الاصحاح الثاني ١٣ متى
1 / 26