فمن يجيرني حتى أبلغ رسالة ربي؟ وقريش تتبعه وتمنع من اتباعه. وقد عرض نفسه على القبائل «١»، ومعه ابو بكر الصديق وعليّ بن ابي طالب، وعمه ابو لهب يقول لتلك القبائل: نحن أهله وأعلم به فلا تسمعوا منه ولا تقبلوا قوله، فتلقى تلك القبائل رسول الله بالجفاء، ويقولون له: قومك أعلم بك، ولو كان عندك خير لا تبعوك، فأمسك عنا، الى ان انتهى الى ربيعة والى ذهل بن شيبان، فكلمهم وتلا عليهم القرآن، فقالوا: إنا على هذا الماء من ذي قار، وقد اخذ علينا كسرى ألا نحدث حدثا، ولا نؤوي محدثا، وهذا الذي أتيت به ودعوت اليه تكرهه الملوك، فإن شئت ان نجيرك إلا من الملوك فعلنا، فقال ﷺ: ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن هذا الدين لا يكون من اهله إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن أظهركم الله عليهم، وأورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وأفرشكم نساءهم أتطيعونه وتعبدونه حق عبادته؟ فتعجبوا من قوله ومن إقدامه على ان ملك كسرى يزول بدعوته ويصير ملكه لأصحابه، استبعادا لذلك، واستعظاما لملك كسرى ان يزول بجبابرة الملوك الأقوياء الاغنياء، فكيف يزول بهذا الوحيد الفقير؟ ثم/ يقولون هذا عاقل، ولم يكن ليقول هذا ويعرّض نفسه للملوك إلا وهو على ثقة، ثم انصرف عنهم وما اجابوه.
وما زال يدعو ويعرض نفسه في المواسم اذا اجتمعت العرب، الى ان لقيته الانصار «٢»، فسمعت منه وأجابوه واسلموا، وخرجوا الى المدينة
_________
(١) انظر تفاصيل عرض النبي نفسه على القبائل في الطبري ١: ١٢٠٠- ١٢٠٩.
(٢) كان اول من تلقى الرسول من اهل المدينة ستة نفر من الخزرج قدموا مكة في موسم الحج، وعادوا الى المدينة بعد ان أسلموا، فدعوا قومهم الى الاسلام، وتوالت الوفود من المدينة الى مكة في مواسم الحج اللاحقة، وكانت بيعة العقبة الاولى التي حضرها اثنا عشر رجلا من الانصار، ثم كانت العقبة الثانية التي شهدها سبعون رجلا ومعهم امرأتان من نسائهم. انظر تفاصيل ذلك في الطبري ١: ١٢٠٨- ١٢٢٢.
1 / 22