والأنصار الذين هم من قريش وغيرهم من العرب وقد أتاهم بإكفارهم وإكفار آبائهم على ما شرحنا وبينا، وهو من الوحدة والفقر على ما ذكرنا، فمكث بمكة بعد ادعائه النبوة خمسة عشر سنة يدعو الى دينه، فيجيبه النفر بعد النفر على خوف شديد، وقد تجردت قريش وغيرهم من اعدائه له ﷺ ولمن اتبعه وأطاعه، فيقصدونهم بالضرب والتعذيب الشديد، ويمنعونهم الأقوات، ويتعاهدون على ان لا يبايعوهم ولا يشاروهم ولا يناكحوهم، وقد كتبوا في ذلك الصحف «١»، وقد قتلوا منهم قبل الهجرة رجالا ونساء وكانوا يرصدون لرسول الله ﷺ ولدعاته إذا خرج الى الموسم لدعاء الناس وإظهار ما معه وتلاوة القرآن، فيقولون للعرب: هذا منا وقد صبأ وهو ساحر كذاب، فلا تطيعوه ولا تسمعوا لما معه، فنحن اعلم به، وقد سفه احلامنا، وضلل ادياننا، واكفر آباءنا، وفرق آلافنا، وأفسد أحداثنا وعبيدنا ونساءنا.
ثم كان هو ﷺ يرجم ويضرب الضرب المبرح، ويداس ويطرح على رأسه الفرث والتراب/ ويلقى من المكاره هو ومن اتبعه ما يطول شرحه «٢» . فلم يكن لأصحابه مع شرفهم وشرف أهلهم قرار، ولا أمكنهم المقام للشدائد التي تنالهم، حتى فروا بأديانهم في الأمصار والبلدان حتى عبروا البحار وصاروا الى ارض الحبشة «٣»، فتعرف قريش أخبارهم
_________
(١) لما رأت قريش ان امر النبي ﷺ في ازدياد وان عمه ابا طالب يحميه منهم ائتمرت بينها ان يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على ان لا ينكحوا الى بني هاشم وبني المطلب ولا ينكحوهم ولا يبيعونهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، وقد انحازت بنو هاشم وبنو المطلب الى ابي طالب فدخلوا معه في شعبه إلا عمه ابو لهب فانه ظاهر قريشا. وقد اقام المسلمون على ذلك سنتين او ثلاثا حتى جهدوا. الطبري ١: ١١٩٠
(٢) انظر الطبري ١: ١١٩٨- ١١٩٩
(٣) كانت الهجرة الاولى الى الحبشة في السنة الخامسة من بعثة النبي ﷺ، وقال بعض المؤرخين ان عدد المسلمين المهاجرون منها كانوا احد عشر رجلا وأربع نسوة. الطبري ١: ١١٨١، وقال بعضهم بل كانوا اثنين وثمانين رجلا. الطبري ١١٨٣.
1 / 20