أن نسلمه إليك فتعطينا بعضه، هذا لا يختاره بله النساء فكيف بالمهاجرين والانصار الذين أجابوه فصار بهم في عز ومنعة، وصبروا على تلك الشرائط التي شرطها.
وبعد فإن لم يكن نبيّا فهم لا يدرون هل يصل الى غنيمة؟ ولعله لا يتم له شيء مما يعدّ، فما كانوا ليتبعوه لما يظنه الخصم، ولولا أن هذا قد كان في أهل الذمة وطبقات الزنادقة، وتعدوا الى قوم زعموا أنهم من المسلمين لما ذكرناه، ولكنه شيء يستزلون به المسلمين الذين لا ينظرون فيما هذا سبيله، ويغترون بالظاهر.
هؤلاء الذين ادعوا أنهم من المسلمين، وأنهم من خاصة الخاصة «١»، وممن قد عرف ما لا يعرفه غيره، وأن للأمور غوامض وبواطن قد عرفها، فيعتقد من يسمعه في المهاجرين والأنصار الغافلة والبله وقلة العقل، ومن تدبّر، يعلم أنهم أوفر عالم الله عقولا، وأحسنهم تحصيلا، وأسرعهم استدراكا لخفيات الامور وغوامضها، لا فرق بين من رمى المهاجرين والأنصار بذلك، وبين من رمى رسول الله ﷺ بذلك. فإن آثار عقول المهاجرين والانصار معروفة في أفعالهم، وتدبيرهم الدنيا، وسياسة أهلها، وترتيب خواصهم وعوامهم، وأخذها من أيدي دهاة الملوك وعقلاء الناس، وتفصيل ذلك يطول.
فإن قيل: ومن سلم لكم عقل صاحبكم حتى تقولوا إن من دفعنا عن عقول المهاجرين والانصار كمن دفعنا عن عقل رسول الله ﷺ؟
_________
(١) يقصد بهؤلاء الباطنية، فقد وقعوا بأكثر الصحابة وهاجموهم، فادعوا أن اسلامهم انما كان لمال او جاه، ولم يستخلصوا من الصحابة الا عددا محدودا.
1 / 12