واستدل المعترض بقوله ﷾: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن:٢٦،٢٧] . وبقوله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ١٧٩] . وليس في ذلك حجة له بل هي حجة عليه، ومعنى الآيتين عند جميع المفسرين: أن الله سبحانه يطلع رسله على ما يشاء من الغيب آية لهم ومعجزة، ولنبينا ﷺ من ذلك ما لا يحصى ولا يشك فيه مسلم.
واحتج المعترض بما نقله عن المدابغي فقال: قال العلامة المدابغي في حاشيته على شرح الأربعين لابن حجر: والحق كما قال جمع إن الله لم يقبض نبينا ﵊ حتى أطلعه على كل ما أبهمه عنه إلا أنه أمر بكتم بعض وإعلام بعض. انتهى.
قلت: قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن بعض ضلال أهل زمانه أنه ادعى ذلك للنبي ﷺ وهذه دعوى عظيمة تعارض نصوص القرآن والسنة الصحيحة الصريحة وتخالف ما عليه الصحابة والتابعون والعلماء بعدهم، يحتاج مدعيها إلى دليل واضح ولن يجد إلى ذلك سبيلا، ولا شبهة معه، وإنما هي مجرد دعوى كاذبة جمع مدعيها بين رد نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء وبين افتراء الكذب على الله
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام:١٤٤] .
قال المموه: وقد أشار النبي ﷺ إلى مصارع القتلى يوم بدر، وكل منهم صرع في ذلك المكان، فقد علم أن هذه الأنفس بأي أرض تموت وهي من الخمس، وأخبر عن أشياء تقع بعده إلى يوم القيامة فوقعت كما أخبر وهذا مما لا تدري نفس ماذا تكسب غدا. انتهى.
فانظر أولا إلى هذه العبارات الركيكة، وقوله: وأخبر عن أشياء تقع بعده إلى يوم القيامة فوقعت كما أخبر. مقتضى هذه العبارة أن جميع ما أخبر
1 / 32