وروى سعيد أيضا عن سهيل بن أبي سهيل قال رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء. فقلت: لا أريده. فقال: مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي ﷺ فقال: إذا دخلت المسجد فسلم -ثم قال- إن رسول الله ﷺ قال: "لا تتخذوا بيتي عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، ما أنتم ومن بالأندلس سواء".
قلت: ورواه عبد الرزاق في كتابه عن الحسن بن الحسن بن علي أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال: إن النبي ﷺ قال: "لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلو علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني"١.
قال ابن القيم: فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لاسيما وقد احتج به من أرسله فهذا يقتضي ثبوته عنده، هذا لو لم يكن روي من وجوه مسندة غير هذين فكيف وقد تقدم مسندا.
قال شيخ الإسلام تقي الدين قدس الله روحه: ووجه الدلالة منه أن قبر رسول الله ﷺ أفضل قبر على وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيدا فقبر غيره أولى. انتهى.
ففيما ذكرناه أوضح برهان وأبين دليل على بطلان دعوى هذا المفتري في قوله: إن ما جاز أن يطلب منه في حياته جاز أن يطلب منه بعد موته صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين.
وقوله: بل على قولكم إن الطلب نفسه عبادة يقتضي ألا فرق بين الحياة والممات..
إلخ.
فقد تقدم الجواب عن هذه الشبهة في كلامنا على قوله فيما تقدم: إذا كان النداء دعاء لزم ألا ينادي أحد لا حي ولا ميت.
١ أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف رقم ٦٧٢٦، وابن أبي شيبة في مصنفه رقم ٧٥٤٢، وانظر تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للعلامة الألباني ص٩٦.