والماجنون حين يزهدون يصبح شعرهم قيثارة تندب بأوتار الندم والخوف، ويمسون ولهم شمائل تنفح بالوداعة واللين، ومن أمثلة ذلك حديث آدم بن عبد العزيز الأموي، وكان ماجنا منهمكا في الشراب، وكان يصحب يعقوب بن الربيع أخا الفضل بن الربيع، وكان يعقوب أيضا من أهل الخلاعة والمجون، ثم تاب آدم بن عبد العزيز ونسك، واتفق أن استأذن يوما على يعقوب بن الربيع، وكان يشرب، فقال يعقوب: ارفعوا الشراب، فإن هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يحضره! فرفع الشراب وأذن له، فلما دخل آدم قال: إني لأجد ريح يوسف! فقال يعقوب: هو الذي وجدت، ولكنا ظننا أن يثقل عليك لتركك له. قال: إي والله، إنه ليثقل علي ذاك! قال: فهل قلت في ذلك شيئا منذ تركته؟ قال: نعم! وأنشد:
ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر
ليجزيه عن صبره الغد قادر
شربت فلما قيل: ليس بنازع
نزعت وثوبي من أذى اللوم طاهر
1
حديث آدم بن عبد العزيز
ونبدأ هذا الفصل بالكلام عن أبي نواس؛ لأنه أظهر شخصية تكلمت في الزهد بعد المجون، ويمتاز أبو نواس بالإخلاص في كل ما لهج به من المعاني الشعرية، فهو مخلص في زندقته، ومخلص في فجوره، ومخلص في تقاه، ولا تكاد تشعر بأن أبا نواس يعبث، إنما يتكلم بكلام أصحاب المبادئ: فهو يشك عن إخلاص، ويلحد عن إخلاص، ويفسق عن إخلاص، ويتوب عن إخلاص، فهو أنموذج لقوة الروح وحياة الوجدان، في مسالك الهوى ومسارب الضلال. وأول ما تنبهنا له من شعور أبي نواس بلوعة الندم قوله في مطلع قصيدة يمدح بها الأمين:
يا دار ما فعلت بك الأيام
ضامتك والأيام ليس تضام
Shafi da ba'a sani ba